وشملت الإجراءات ضد روسيا 11 حزمة من العقوبات التي أطلقها الاتحاد الأوروبي ما دفع الكثير من المحللين والمهتمين للتساؤل حول مدى جدوى هذه العقوبات وخصوصاً أن اقتصادات الدول التي فرضتها حققت نمواً بمستويات متدنية خلال الفترة ذاتها.
ويؤكد خبراء اقتصاد وطاقة في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن الاقتصاد الروسي صمد أما هذه العقوبات وأظهر مرونة وقدرة على التكيف معها، بل واستطاع النمو بشكل مستمر، مشيرين إلى نجاح موسكو في توسيع علاقاتها التجارية مع الصين والهند إلى جانب العديد من دول آسيا وقدرتها على إيجاد أسواق جديدة لصادراتها من الغاز والنفط الأمر الذي مكنها من أن تحقق نمواً اقتصادياً يفوق التوقعات.
وشملت العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والبنكية والعسكرية والعلمية بهدف شل اقتصادها والحد من قدرة البلاد على تمويل الحرب، حيث تغطي العقوبات نحو 1800 فرد وكيان، فيما يتحه الاتحاد الأوربي لإطلاق الحزمة 12 من العقوبات والتي تستهدف وفقاً لتقارير صحفية أكثر من 120 فرداً وكيانا إضافياً.
ومن أبرز العقوبات:
- تجميد أصول البنك المركزي الروسي والحد من قدرته للوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته.
- منعُ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة مواطنيها والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي أو وزارة المالية الروسية أو صندوق الثروة السيادي الروسي.
- إبعاد بنوك روسية عن نظام سويفت الذي يسمح بتحويل الأموال بشكل سهل بين الدول المختلفة لإعاقة قدرة روسيا على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.
- حظر الاتحاد الأوروبي للنفط والغاز الروسي وتعهده بإنهاء اعتماده على صادرات الغاز من روسيا بحلول عام 2030.
- فرض حد أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً.
- فرض سقف سعر على المشتقات النفطية الروسية بواقع 100 دولار للبرميل للمنتجات الأعلى سعراً مثل وقود الديزل والبنزين في حين تم تحديد قيمة المنتجات الأقل جودة عند 45 دولاراً للبرميل.
ونما الناتج المحلي الإجمالي الروسي 5.5 بالمئة في الربع الثالث من 4.9 بالمئة في الربع السابق، بحسب بيانات دائرة الإحصاء الروسية التي أظهرت أن النمو السنوي في البلاد يمثل أسرع وتيرة نمو منذ أكثر من عقد من الزمن، باستثناء الارتفاع المفاجئ عندما خرجت روسيا من عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، حيث تجاوز النمو توقعات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع “بلومبرغ” والبالغ 4.8 بالمئة.
توسيع العلاقات التجارية
ويقول ممدوح سلامة خبير الاقتصاد والنفط العالمي: “على الرغم من العقوبات الصارمة وغير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية على روسيا في أعقاب نشوب النزاع في أوكرانيا، إلا أن الاقتصاد الروسي قد صمد في وجه العقوبات واستطاع النمو بشكل مستمر، إذ أن نجاح روسيا في توسيع علاقاتها التجارية مع دول مثل الصين والهند إلى جانب دول آسيا وقدرتها على إيجاد أسواق جديدة لصادراتها من الغاز والنفط وكسرها للأرقام السابقة لصادراتها، قد مكنتها من أن تحقق نمواً اقتصادياً أكبر بكثير من الدول التي فرضت العقوبات عليها، فضلاً عن أن اقتصاد روسيا الآن في وضع أفضل من اقتصاديات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.
وبالإضافة إلى تحقيق البنوك الروسية ارباحاً ضخمة يرجع سلامة في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” النمو اللافت لاقتصاد روسيا في الربع الثالث إلى إنفاق الدولة على الاقتصاد وانفتاحه على دول آسيا، إلى جانب حجم التبادل التجاري الكبير بين روسيا والصين على سبيل المثال والذي يُتوقع له أن يتعدى 250 مليار دولار هذا العام مقارنة مع 190 مليار دولار في عام 2022.
ثم إن دخل روسيا من صادرات النفط والغاز إلى ارتفاع والسبب يعود إلى أن صادرات النفط كسرت أرقامها القياسية أربع مرات هذا العام عندما وصلت إلى 8.3 مليون برميل في اليوم ما بين نفط ومشتقات نفطية مقابل 8 ملايين برميل في اليوم قبل نزاع أوكرانيا، طبقاً لما قاله الدكتور ممدوح سلامة، الذي أكد أن هذا النجاح ساعد روسيا على كسر العقوبات الغربية والحظر الذي فرض على صادراتها من النفط والغاز.
ويرجح خبير الاقتصاد والنفط العالمي أن تصل صادرات روسيا من الغاز هذا العام إلى نسبة أقل بقليل مما كانت تصدره للاتحاد الأوروبي، معتبراً أن هذا النجاح يعد ضخماً بالنسبة لروسيا وإيجادها أسواقاً جديدة كاملة لصادراتها من الطاقة.
فشل السقف السعري للنفط ومشتقاته
ورداً على سؤال حول السقف السعري الذي فُرض على النفط والمشتقات النفطية وفيما إذا كان يتم الالتفاف عليه، يؤكد سلامة: لقد فشل سقف السعر الذي فرضته مجموعة السبع على أسعار بيع صادرات النفط الروسية فشلاً ذريعاً.
ويضيف: “بل وأعتقد أنه قد مات ودُفن تحت الأرض إذ أن كل التقارير تشير إلى أن صادرات روسيا من النفط قد بيعت حتى إلى الصين والهند والدول الآسيوية ودول أخرى حول العالم بأسعار تفوق سعر السقف المفروض، بمعنى أن صادرات روسيا إلى الهند والصين على الرغم من القول إن روسيا تعطي خصماً في السعر إلا أن الخصم لا يتعدى 4 إلى 6 دولارات للبرميل الواحد تحت السعر العالمي فالخصم محدود جداً وهو مساعدة من روسيا لشكرها للصين والهند على مشترياتهم الضخمة من النفط الروسي”.
كما أن روسيا تخطت سقف الأسعار لأنها لا تحتاج إلى ناقلات أو شركات تأمين غربية لصادراتها إذ تملك أسطولاً ضخماً من ناقلات النفط كما أنها تستخدم أذا احتاجت ناقلات من الصين والهند وإيران ودول أخرى وكذلك تقوم روسيا بالتأمين على صادراتها من النفط أو في بعض الأحيان تقوم الشركات الهندية والصينية بالتأمين على وارداتها من النفط الروسي، من هنا ندرك فشل الحظر على صادرات روسيا وعلى سقف السعر، بحسب خبير الاقتصاد والنفط العالمي ممدوح سلامة.
العقوبات تُظهر أهمية الطاقة الروسية للاقتصاد العالمي
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “الاقتصاد الروسي قوي ويمتاز بتوفير النفط والغاز والفحم والمعادن الثمينة مثل اليورانيوم والبلاديوم والبلاتينيوم والذهب والمياه و والزراعة هذه المميزات مجتمعة تعطي روسيا مرونة وقوة في مواجهة العقوبات عليها وقد ثبت ذلك من خلال انتاج روسيا 10 بالمئة من نفط العالم و131 مليار متر مكعب من الغاز التي تحقق لها ايرادات ضخمة من العملات الصعبة التي تعطي أيضاً قدرة على التكيف مع العقوبات”.
فالعقوبات الغربية أكدت أهمية الطاقة الروسية للاقتصاد العالمي حيث تعتمد الاقتصادات الكبرى في العالم مثل الصين والهند وتركيا عليها، فيما حٌرمت أوروبا من الطاقة الروسية الرخيصة وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة بشكل كبير وانعكس ارتفاعاً في معدلات التضخم وتراجع نسب النمو ومعاناة بعض الدول من شبه الركود الاقتصادي وألمانيا تعد أوضح دليل على ذلك، وفقاً لعقل.
التكيف مع العقوبات
ويشير عقل إلى أن الاقتصاد الروسي أظهر مرونة في التكيف مع الظروف الصعبة وتمكن من التعافي نسبياً من الآثار السلبية للعقوبات التي فرضت عليه بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث، مرجعاً تحمل الاقتصاد الروسي للعقوبات الغربية إلى عدة عوامل، منها قوة القطاع المصرفي الروسي، الذي تمكن من توفير السيولة والتمويل للشركات والمؤسسات الروسية، وقدرة القطاع الخاص على ابتكار حلول غير تقليدية للتغلب على التحديات التي كان من المتوقع لها أن تؤدي إلى تدهور الاقتصاد الروسي”.
ويتابع الخبير الاقتصادي في أسباب تحمل الصمود أمام العقوبات: “الاعتماد على المنتج المحلي والصناعة المحلية مقابل الاستغناء عن المستورد وهذا حدث في كافة القطاعات الاقتصادية من الاستهلاكية الى الصناعية والزراعية إلى جانب التمويل الداخلي للمشاريع الاقتصادية المختلفة بفضل قوة القطاع المصري والسياسات النقدية للبنك المركزي، والأهم تدفق العملات الصعبة باستمرار ما أدى لتقوية المراكز المالية لقطاع البنوك، فضلاً عن نجاح موسكو في إيجاد أسواق بديلة للطاقة التي تعد عماد الاقتصاد الروسي”.
ولفت عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية إلى أن انسحاب الشركات الغربية في مختلف المجالات تحول إلى فرصة ثمينة للصناعة الروسية ما أدى إلى خفض البطالة وكذلك عودة صناعة السيارات، منوهاً بأن الولايات المتحدة التي تضر بـ “أتباعها” الأوروبيين وتعرضهم للإفلاس، تواصل شراء اليورانيوم والمعادن الرئيسة من روسيا.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.