وفور الإعلان الأميركي الأخير، الثلاثاء الماضي، انخفض سعر سهم “إنفيديا” وغيرها من شركات أشباه الموصلات في بورصة وول ستريت، خاصة وأن الولايات المتحدة تحتضن معظم شركات التكنولوجيا، والتي ترى في تقييد وصول الصين إلى هذه التقنيات من شأنه أن يعزز الأمن القومي ويعرقل جهود بكين لتعزيز قدراتها العسكرية.
وفي هذا السياق، وجهت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، عدة رسائل توضيحية لأبعاد القرار الأميركي، حيث ذكرت أن:
-القواعد المحدثة ستزيد من فعالية الضوابط وستغلق مسارات التهرب من القيود الأميركية.
-القواعد الجديدة تشدد الإجراءات المتخذة العام الماضي والتي حظرت البيع المفتوح للصين للرقائق الدقيقة الضرورية لتصنيع أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية التي تشغل برامج مثل “تشات جي بي تي”.
-القيود المعززة تهدف إلى سد الثغرات ومصممة لمنع الاستخدام العسكري الصيني للذكاء الاصطناعي.
ومددت وزارة التجارة الأميركية، ضوابط التصدير الشاملة التي تم تقديمها لأول مرة في أكتوبر 2022، في محاولة لتعكس التقدم التكنولوجي وأيضا لتجعل من الصعب على الشركات إيجاد طرق للتغلب على القيود.
وتعمل إدارة بايدن على تشديد ضوابط التصدير على رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة، في تحديث للقواعد الحالية التي ستحد بشدة من قدرة إنفيديا وغيرها من الشركات المصنعة على بيع أشباه الموصلات عالية الأداء للصين.
من جهتها قالت إنفيديا، أكبر شركة في العالم لصناعة الرقائق من حيث القيمة، الثلاثاء، إنها لا تتوقع أن يكون للقيود الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على تصدير الذكاء الاصطناعي إلى الصين تأثير ملموس في الأمد القريب على النتائج المالية.
وذكرت الشركة في بيان “نلتزم بجميع اللوائح المعمول بها بينما نعمل على توفير منتجات تدعم آلاف التطبيقات في العديد من القطاعات المختلفة”.
وأضافت: “بسبب الطلب العالمي على منتجاتنا، لا نتوقع تأثيرا ملموسا في الأجل القريب على نتائجنا المالية”.
تأثير محدود
في هذا السياق، قال خبير تكنولوجيا المعلومات، العضو المنتدب لشركة IDT للاستشارات والنظم، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تشديد الولايات المتحدة قيودها على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة إلى الصين، أثر بالفعل على شركة إنفيديا ولكنه تأثير مؤقت ومحدود كرد فعل للحدث سيتم تجاوزه خلال وقت قصير.
وأضاف أن قرار واشنطن من شأنه أن يؤثر على أي شركة مُنتجة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بخلاف إنفيديا، التي توقع أن تتجاوزه لتعاود الصعود مستفيدة باحتكارها الصناعة وصدارتها وتفردها فيها.
ورأى أن صدارة إنفيديا لتلك الصناعة ستستمر لفترة متوسطة الأجل مستفيدة من التطور بالذكاء الاصطناعي، إلى أن تظهر منتجات أخرى منافسة لها بالمستقبل، مشيرًا إلى أن حرب أشباه الموصلات بدأت تشهد تنافسًا كبيرًا، إلى أن اتخذت الصين وأميركا خطواتهما لتأسيس مصانع لإنتاج أشباه الموصلات، ما سيخلق منافسين جدد خلال عدة سنوات لـ”إنفيديا” ويجعلوها تفقد صدارتها واحتكارها للصناعة.
وفي وثيقة تنظيمية لـ “إنفيديا” في أغسطس الماضي، قالت الشركة إنها حققت معظم مبيعاتها البالغة 13.5 مليار دولار في الربع المالي الأخير المنتهي في 30 يوليو من الولايات المتحدة والصين وتايوان، كما شكلت باقي البلدان الأخرى مجتمعة نحو 13.9 بالمئة من المبيعات.
وبلغت أرباح الشركة الصافية 6.2 مليار دولار تقريبا، مقابل 656 مليون دولار قبل عام، في زيادة بنسبة 843 بالمئة.
وخلال العام الجاري، تضاعفت قيمة “إنفيديا” 3 مرات بسبب الزيادة القوية في الطلب على منتجات التكنولوجيا، في ظل التوسع في انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي عالميا، ما يعزز من الطلب على الرقائق الإلكترونية.
وذكر خبير تكنولوجيا المعلومات، أن شركة إنفيديا استفادت بشكل واسع من تطورات السوق وشهد سهمها ارتفاعات قياسية خلال الأشهر الأخيرة، بسبب عدة عوامل، من بينها:
-لأنها واحدة من أهم الشركات المنتجة للتقنيات المستخدمة في نماذج الذكاء الاصطناعي.
-الشركة كانت مُسيطرة على السوق سيطرة كاملة ومازالت مستفيدة من تلك السيطرة.
-كل منتجين الذكاء الاصطناعي يعتمدون على منتجات إنفيديا، خاصة وأن الشركة لديها منتجات جاهزة بالفعل تخدم الطفرة في الذكاء الاصطناعي.
وتحكم “إنفيديا” قبضتها على أكثر من 80 بالمئة من سوق شرائح الذكاء الاصطناعي في العالم، وذلك بفضل امتلاكها شريحتين استثنائيتين، هما شريحة A100 وشريحة H100.
الدعم الأميركي
فيما أكد المدير التنفيذي في شركة VI Markets”، أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن هبوط أسهم شركة إنفيديا وتراجعها أخيرا لم يكن لتأثرها بالقرارات الأميركية وتشديد القيود على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة، لكنه يرجع إلى التوترات الجيوسياسية والجيواقتصادية التي يشهدها العالم خلال الأيام الأخيرة.
واستبعد أن تتأثر الشركة بشكل قوي بعد القيود الموقعة على الصين، موضحًا أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم إنفيديا وشركات أشباه الموصلات الأميركية، فعلى الرغم من أنها شركات خاصة، لكن الإدارة الأميركية تتحكم فيها وتدعمها عبر تسهيل دخولها إلى السوق الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط والتوسع فيه، بدلًا من الصين.
واستدل المدير التنفيذي في شركة VI Markets”، أحمد معطي، على دعم الإدارة الأميركية لشركات أشباه الموصلات الأميركية، بما يلي:
-الإعلان عن عقد شركة إنفيديا مؤتمرًا مخصصا للذكاء الاصطناعي في تل أبيب بإسرائيل، والذي كان مقرر أن يقوده خبراء من الشركة وقادة التكنولوجيا في المنطقة، خلال الشهر الجاري، ذلك قبل إلغائه بسبب التصعيدات الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل.
-إعلان شركة “إنتل” الأميركية أنها ستبني مصنعا جديدا بقيمة 25 مليار دولار، والذي من المقرر افتتاحه في عام 2027 بتل أبيب.
وأشار إلى أن شركة إنفيديا تستطيع أن تعوض خسائرها من اعتماد السوق الصينية عليها عبر فتح سوق في الهند وتوسعته، خاصة وأن الهند تعد بديلًا كبيرًا وشبيهًا للصين، واصفًا الموقف الأميركي وتشديده القيود بأنه تعطيل للصين لكن لن يستطيع وقف التطوير فيها.
وقال إنه عاجلًا أو آجلًا سوف تستطيع الصين تطوير التكنولوجيا الخاصة بها وأن تعود من جديد إلى السوق، مستدلًا على ذلك بإعلان شركة “هواوي” بالصين في سبتمبر الماضي، عن هاتفها الجديد Mate 60 Pro، وهو يحتوي على شريحة معالج متطورة، بدقة 7 نانوميتر، تحمل اسم “كيرين 9000 إس”، تم تصنيعها في الصين بواسطة شركة “سي إم آي سي” لصناعة أشباه الموصلات، وهو ما اعتبر اختراقاً كبيراً للصين في صناعة الرقائق، وضربة كبيرة للعقوبات الأميركية.
وأكد أن الصين تتأثر على المدى القريب بسبب وقف توريد رقائق الذكاء الاصطناعي، لكنها تستطيع أن تعوض تعطلها بسبب القيود الأميركية، على المدى المتوسط بعد عام على الأقل، خاصة وأن لديها القدرة على تطوير التكنولوجيا، مشيرًا إلى أنها تستطيع أن تجد بديلًا للشركات الأميركية، الهند على سبيل المثال، والتي تعد لاعبًا مشتركًا فهي حليفة في منظمة البريكس مع روسيا والصين، وبينهم اتفاقات تجارة وفي نفس الوقت هي حليفة لأميركا، موضحًا أن الصين تستطيع الاستيراد من إنفيديا لكن من خلال وسطاء في أسواق أخرى.
وفور الإعلان عن القواعد المحدثة، انخفضت أسهم شركة إنفيديا، التي قالت في السابق إن ما يصل إلى 25 في المائة من إيرادات شرائح مراكز البيانات الخاصة بها تأتي من الصين، بنحو 6 بالمئة في التعاملات المبكرة في نيويورك. وانخفضت أسهم كل من AMD وIntel بنحو 3 بالمئة.
وبعد تطبيق قواعد العام الماضي، صممت إنفيديا إصدارات جديدة من وحدات معالجة الرسوميات عالية المستوى H100 وA100 خصيصًا للعملاء الصينيين، مما جعلهم أقل من عتبة الأداء التي حددتها الولايات المتحدة.
وسارعت شركات التكنولوجيا الصينية إلى شراء وحدات معالجة الرسوميات H800 وA800 المعدلة، والتي تعتبر بالغة الأهمية للذكاء الاصطناعي التوليدي، وسط مخاوف من أن الولايات المتحدة ستشدد القيود.
القواعد الجديدة
ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، عن أحد المسؤولين الأميركيين، قوله إن القواعد الجديدة ستمنع شركة Nvidia من بيع رقائق وحدات معالجة الرسوميات A800 وH800 في الصين، وقال مسؤول ثان إن الإدارة أخذت في الاعتبار كيف كانت المجموعات “تحاول الالتفاف حول معاييرنا” في صياغة التحديث.
فيما قال الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، جنسن هوانغ، للصحيفة ذاتها في وقت سابق من هذا العام، إن ضوابط 2022 تركت “أيدينا مقيدة خلف ظهورنا” من خلال منع مبيعات الرقائق الأكثر تقدمًا إلى الصين. وقال إن المزيد من القيود يمكن أن تلحق ضررا خطيرا بصانعي الرقائق الأمريكيين من خلال تقليص قدرتهم على تمويل الاستثمار.
وقالت Nvidia يوم الثلاثاء: “نحن نلتزم بجميع اللوائح المعمول بها بينما نعمل على توفير المنتجات التي تدعم آلاف التطبيقات عبر العديد من الصناعات المختلفة.. نظرًا للطلب العالمي على منتجاتنا، لا نتوقع أن يكون لها تأثير ملموس على المدى القريب على نتائجنا المالية.”
وقالت إنتل إنها “تراجع القواعد وتقيم التأثير المحتمل”. كما قالت شركة ASML، إحدى أكبر الشركات الموردة لمعدات تصنيع الرقائق المتطورة، إنها تتوقع أن تنطبق اللوائح الجديدة على “عدد محدود من الشركات المصنعة في الصين” المشاركة في صناعة الرقائق المتقدمة التي تزودها بها.
وقالت ASML، ومقرها هولندا، والتي انخفضت أسهمها حوالي 2 بالمئة بعد الإعلان عن الضوابط الجديدة، إنها “لا تتوقع أن يكون لهذه الإجراءات تأثير مادي على توقعاتنا المالية لعام 2023 وعلى سيناريوهاتنا طويلة المدى لعامي 2025 و2030”.
ضوابط التصدير المجددة ستحظر بيع شرائح مراكز البيانات القادرة على العمل بسرعات 300 تيرافلوب للمجموعات الصينية – مما يعني أنها تستطيع حساب 300 تريليون عملية في الثانية – وما فوق.
وسيتم حظر مبيعات الرقائق التي تتراوح سرعتها من 150 إلى 300 تيرافلوب إذا كانت كثافة أدائها تبلغ 370 جيجا فلوب (مليار عملية حسابية) لكل مليمتر مربع أو أكثر، الرقائق التي تعمل بهذه السرعات ولكن بكثافة أداء أقل تقع ضمن “المنطقة الرمادية”، مما يعني أنه يجب على الشركات إخطار الحكومة بشأن مبيعاتها إلى الصين.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.