ووكالة موديز للتصنيف الائتماني لها نشاط رئيسي يتركز فى تقييمها قدرة الدول على سداد ديونها، من خلال منحها درجات تتمثل بأحرف، وذلك على غرار وكالتي التصنيف الرئيسيتين الأخريين فيتش وستاندرد آند بورز.
أرجعت الوكالة قرار خفض التصنيف الائتماني لمصر إلى عدة أسباب، على النحو التالي:
- تدهور قدرة البلاد على تحمل الديون.
- استمرار نقص النقد الأجنبي في مواجهة زيادة مدفوعات خدمة الدين العام الخارجي خلال العامين المقبلين.
- عملية تغطية خدمة الدين من خلال الاحتياطيات الحالية البالغة نحو 27 مليار دولار قد تضعف بشكل كبيرة خلال العامين المقبلين خاصة في غياب تدابير لتعزيز احتياطي النقد الأجنبي.
وتوقعت موديز أن تساعد عائدات بيع الأصول (برنامج الطروحات الحكومية) في استعادة احتياطي السيولة من العملة الصعبة للاقتصاد، وحددت النظرة المستقبلية لمصر عند “مستقرة، ما يعكس سجل الحكومة الخاص بقدرتها على تنفيذ الإصلاح المالي وإطلاق استراتيجية بيع الأصول الحكومية.
- تعكس توقعات الوكالة أن مصر سوف تستمر في الحصول على دعم مالي من صندوق النقد الدولي بموجب اتفاق بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
- تزامن مع إصدار الوكالة تصنيفها، تحذير المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، الخميس، من أن الحكومة المصرية سوف “تستنزف” احتياطياتها الثمينة من النقد الأجنبي ما لم تخفض قيمة الجنيه مرة أخرى. وقالت غورغييفا إن “مصر تؤخر أمراً لا مفر منه عبر الامتناع عن القيام (خفض قيمة العملة) بذلك مرة أخرى، وكلما طال الانتظار، أصبح الأمر أسوأ”.
كيف ردت الحكومة المصرية؟
ورداً على تخفيض موديز للتصنيف الائتماني، قال وزير المالية المصري محمد معيط، في بيان إن الحكومة تنفذ إصلاحات هيكلية لمواجهة التحديات الاقتصادية وتتخذ إجراءات لتحفيز الاستثمار وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وأضاف أن مصر قلصت الإنفاق في السنة المالية المنتهية في يونيو رغم الصدمات الخارجية ومن بينها الآثار غير المباشرة للحرب في أوكرانيا.
وتصنيف Caa1 لوكالة موديز يعد ضمن درجة المضاربة، ويتم الحكم على الالتزامات والديون ذات التصنيف Caa1 بأنها ذات وضع ضعيف وتخضع لمخاطر ائتمانية عالية جدًا.
أولى درجات المخاطر
من جانبه، قال الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن وكالة موديز تسرعت بتخفيض التصنيف الائتماني لمصر، كنوع من الحذر بعد أزمة إفلاس البنوك الأميركية السابقة، فالوكالة تخشى تكرار ذلك في دول أخرى، وبالتالي تكون جادة في تحذيراتها.
وأفاد بأن موديز كانت قد وضعت في وقت سابق تقييم مصر تحت الدراسة والاختبار لمدة ثلاث أشهر، لكنها فاجأت القاهرة بهذا التخفيض قبل التوقيت المحدد، ويرجع ذلك لأسباب معروفة، لجهة التبعات المستمرة للأزمة التي تعانيها مصر ومختلف الدول بعد صدمتي جائحة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى بعض المظاهر التي تحدث عنها تصنيف موديز وتسببت في تخفيض التصنيف الائتماني لمصر ومنها:
- عجز السيولة بالنقد الأجنبي.
- زيادة الدين الخارجي بالنقد الأجنبي.
- اختلال السندات الدولية بالأسواق.
- عدم مرونة سعر الصرف.
- زيادة العجز في صافي أصول البنوك الأجنبية.
- وجود تخوفات من استهلاك الاحتياطي النقدي.
وأشار إلى أن التخفيض جاء بدرجة واحدة من B3 إلى Caa1، وهي أولى درجات الانتقال إلى المخاطر التي كانت محتملة وتحت الملاحظة من المراقبين الدوليين، إلى مخاطر أكثر خطورة، مشدداً على أن الأمر أصبح يستدعي ضرورة أن يكون مراقبو المخاطر والقطاعات المختلفة أكثر حرصاً وحذراً في التعامل مع الأصول المصرية.
ولفت الخبير المصرفي إلى أن اعتماد موديز النظرة المستقبلية “مستقرة”، يأتي في وقت يشار فيه إلى قدرة البنك المركزي على إدارة الديون ومشكلة الصرف، وكذلك إدارة الإنفاق العام وعجز الموازنة بكفاءة خلال الفترة المقبلة، ولذلك تُرك الأمر بنظرة مستقبلية مستقرة.
ورأى الخبير المصرفي أن تخفيض موديز لتصنيف مصر الائتماني لن يكون له تأثير وتداعيات سلبية كبيرة على الأنشطة الاقتصادية وبالأخص القطاع المصرفي المصري، موضحاً أن كل هذه الأمور اتخذ بشأنها إجراءات احتياطية استباقية، خاصة وأن موديز وغيرها من وكالات التصنيف حذروا البنوك والقطاع المصرفي والشركات التي لديها أصول بالنقد الأجنبي من قبل، وكانوا جميعاً بالفعل متوخين الحذر (..).
وعلق بنكان مصريان على الأقل استخدام بطاقات الخصم بالجنيه في الخارج هذا الأسبوع لوقف استنزاف العملة الأجنبية، ومن المتوقع أن تحذو بنوك أخرى حذوهما.
- ارتفع صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي المصري، في سبتمبر الماضي، مواصلاً زياداته المحدودة المستمرة منذ أكتوبر 2022، في ظل أزمة شح العملات الأجنبية التي تعاني منها البلاد.
- وبحسب بيانات المركزي، فإن الاحتياطي النقدي ارتفع إلى 34.970 مليار دولار، مقابل 34.928 مليار دولار في أغسطس، بزيادة حوالي 42 مليون دولار.
وهبطت السندات السيادية المصرية بالدولار الجمعة بعد أن خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للبلاد إلى منطقة عالية المخاطر، مما يزيد الضغط على البلد الذي يعاني من ضائقة مالية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر .
أوضاع مؤقتة
وإلى ذلك، أشارت الخبيرة المصرفية سحر الدماطي، في حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن النظرة المستقبلية المستقرة التي أشار إليها تصنيف “موديز” يؤكد أن الاقتصاد المصري يمر بأوضاع مؤقتة، اتخذت بشأنها الحكومة إجراءات وحلول مختلفة.
وقالت إنه مما لاشك فيه أن النظرة المستقرة تعد نوعاً من “الطمأنة” بأنه مازالت الأوضاع المستقبلية المتوقعة مطمئنة بالرغم من الظروف الاقتصادية المعروفة.
وشددت على ضرورة أن تقف الحكومة المصرية في نقطة توازن بين الطلب والعرض قبل اتخاذ أي خطوة بشأن تحرير سعر الصرف وخفض الجنيه، في ظل وجود أزمة توفير الدولار، منوهة إلى أنه حال اتخذت تلك الخطوة حالياً فإن قيمة الجنيه المصري ستستمر بالانخفاض ولن تستقر عند نقطة معينة، ما يعني زيادة التضخم وسعر الفائدة، وبما لذلك من تبعات اقتصادية واسعة.
ولفتت إلى اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد حينما تمت الموافقة على قرض الصندوق في آخر ديسمبر الماضي (..) وعلى أساسه وافقت مصر على اعتماد سعر صرف مرن، لكن كان من المتوقع توفر عملة تستطيع من خلالها الوصول إلى نقطة التوازن.. و”في ظل عدم توافر ذلك، قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءات لتوفير العملة منها الطروحات والسندات بالجنيه المصري وغير ذلك، لتستطيع استقطاب العملة إضافة إلى تشجيع السياحة والموارد الدولارية الأساسية”.
لكنها أشارت إلى المعضلات المرتبطة بارتفاع خدمة الدين بشكل غير مسبوق؛ نتيجة ارتفاع الفائدة على الدولار، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا وتداعياتها بارتفاع أسعار الحبوب والنفط (..).
- قفزت إيرادات مصر من السياحة إلى 13.6 مليار دولار، في العام المالي الماضي (2022-2023)، بزيادة 26.8 بالمئة، حيث تشهد البلاد ازدهارا في القطاع المدر للعملة الصعبة، مع تعافي قطاع السياحة من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
- وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، الصادرة الشهر الجا ري، فقد ارتفع عدد الليالي السياحية بمعدل 27.6 بالمئة لتسجل 146.1 مليون ليلة في العام المالي الماضي الذي انتهي في أخر يونيو، فيما بلغ عدد السائحين نحو 13.9 مليون سائح بزيادة سنوية 35.6 بالمئة.
وأكدت الدماطي أن التطورات الجيوسياسية العالمية التي حدثت وتبعاتها من تطورات اقتصادية، عززت أزمة النقد الأجنبي، ولو لم تكن تلك الأحداث قد وقعت لم يكن صعباً على الحكومة المصرية توفير ما تحتاجه لسد عجز الدين.
وتعرضت المالية العامة في مصر على مدى السنوات الثلاث المنصرمة لضغوط كبيرة في ظل نقص مستمر في العملة الأجنبية مصحوب بزيادة حادة في المعروض النقدي.
وتحت وطأة الضغط على مواردها المالية، خفضت مصر قيمة عملتها في مارس 2022 وأعقبت هذا بعدة تخفيضات بعدما ظلت تثبت سعر الصرف أمام الدولار لعام ونصف. وفقد الجنيه نصف قيمته مقابل الدولار خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.
خفض التصنيف يثير المزيد من المخاوف
وقالت كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، مونيكا مالك، في تصريحات نقلتها “رويترز”:
- إن تأخير مراجعات صندوق النقد الدولي وخفض التصنيف يثيران مزيداً من المخاوف بشأن فجوة التمويل الخارجي الكبيرة لمصر.
- ستكون هناك حاجة إلى إصلاحات كبيرة وواسعة النطاق لزيادة ثقة المستثمرين وتدفق رؤوس الأموال.
ونقلت الوكالة تحذيرات اقتصاديين من أن خفض التصنيف الائتماني لمصر قد يدفع المستثمرين الأجانب إلى النزوح من أدوات الدين المحلية، مما سيؤدي إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة المحلية ومفاقمة عجز الموازنة. وقد تؤدي مثل هذه الخطوة أيضا إلى الإضرار بنسب كفاية رأس المال في البنوك المحلية.
ضغط سياسي
وبدوره، وصف مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، التصنيف الأخير لـ”موديز” بأنه محاولة لـ “الضغط السياسي” من خلال إحدى الأدوات الاقتصادية لتحقيق مكاسب اقتصادية وأخرى سياسية، خاصة في ظل الظرف الذي تمر بها الدولة المصرية بإقبالها على إجراء انتخابات رئاسية.
وأضاف أن مؤسسات التصنيف الدولي عادة ما يدور حول تعاملاتها مع الدول النامية والناشئة عدة شُبهات، وعلى الأغلب يكون لتصنيفاتها أغراض سياسية أكثر من كونها أغراض اقتصادية، لافتاً إلى أن ضغوطها تأتي مع وضع الحكومة المصرية خطط اقتصادية واضحة، ومع توقعات بانفراجة اقتصادية خلال الستة أشهر المقبلة في مصر والعالم.
وأشار إلى سعي الدولة المصرية لتنويع مصادر التمويل وكذلك تنويع علاقاتها الاقتصادية، بما في ذلك التحالفات الدولية والإقليمية، مثل الانضمام إلى تكتل البريكس، فضلاً عن التحالفات مع دول عربية وأفريقية والاتفاقات حول مشاريع مشتركة.
في أغسطس الماضي، أعلن قادة بريكس، عن انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل الاقتصادي، من بينهم 3 دول عربية هم مصر والسعودية والإمارات، في خطوة تستهدف تقوية التحالف وتعزيز دوره العالمي.
مصادر تمويل بديلة
وقال شعيب إن الدول الناشئة بشكل عام ومنها مصر بدأت التحرك بشكل أو بآخر للخروج من تحت عباءة ما وصفه بـ “الاستعمار الاقتصادي”، من خلال مصادر تمويل بديلة، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية أعدت خطة داخلية غير قائمة على التمويل فقط، وتعتمد على مصادر أخرى تتمثل في تنويع مصادر الحصول على العملة الأجنبية، ومن مصادر تلك الخطة:
- وثيقة ملكية الدولة، فالدولة المصرية لديها مؤسسات وقطاع أعمال عام جزء منها ناجح وجزء لديه مشاكل، فبدأت الحكومة عمل خطة إعادة الهيكلة والتأهيل للشركات الحكومية، ويُتوقع أن أن يكون لتلك الخطة صدى اقتصادي كبير.
- ترك الحكومة المجال للقطاع الخاص من أجل أن يشكل 60 بالمئة من الاقتصاد.
- التوسع في الصادرات بزيادة 20 بالمئة عن قيمتها الحالية، وسط تطلعات لزيادة الصادرات خلال العامين المقبلين للوصول إلى 100 مليار دولار، بدلًا من القيمة التي يتم تحقيقها حالياً والتي وصلت إلى 45 مليار دولار.
- الخطط المرتبطة بزيادة العائدات السياحية، من أجل الوصول إلى 50 مليار دولار.
- إطلاق عديد من المبادرات، من ضمنها مبادرات بأوعية ادخارية لجذب تحويلات المصريين العاملين بالخارج.
وتشير تقديرات “فيتش سوليوشنز” إلى ارتفاع محتمل في تحويلات المصريين في الخارج خلال العام المالي الجاري 2023-2024 بنسبة تصل إلى 10 بالمئة، وذلك بعد الانخفاض المسجل خلال العام المالي السابق، لتسجل خلال هذا العام 25.6 مليار دولار، مقابل 23.3 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023.
- بنت “فيتش” تقديراتها بناءً على ترجيحاتها بخفض محتمل لقيمة العملة المصرية خلال الفترة المقبلة (قالت إنه سيكون في حدود 19.9 بالمئة، ليسجل الدولار مستوى مساوٍ تقريباً لقيمته الحالية في السوق الموازية بين 38 و40 جنيهاً).
- ذكر تقرير الشركة ذاتها أن التحويلات في العام المالي السابق تراجعت لأدنى مستوى لها في ست سنوات، بنسبة 27 بالمئة، مع لجوء المغتربين للاعتماد على مصارف غير رسمية للعملة المحلية (في ضوء الفجوة بين السعرين الرسمي وفي السوق الموازي للدولار الأميركي).
- تعتقد “فيتش” بأنه حال انحسار التقلبات التي تشهدها سوق الصرف، فإن ذلك من شأنه توجيه تحويلات المصريين في الخارج إلى القنوات الرسمية.
خفض العملة
وحول تأكيدات صندوق النقد الدولي على ضرورة خفض الجنيه لتفادي أزمات أصعب، رأى مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، أنه ليس هناك مبررات لتلك الخطوة حالياً، خاصة أن ذلك يعني رفع معدلات التضخم في مصر، موضحاً أن مؤشرات التضخم وصلت لمستويات غير مسبوقة، وتشهد استقراراً نسبياً في آخر شهرين.
- قفز معدل التضخم السنوي في مصر، خلال أغسطس الماضي، بأعلى من المتوقع، إلى مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 بالمئة، مقابل 36.5 بالمئة في يوليو، وهو ما جاء مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- سبق أن سجل التضخم مستويات غير مسبوقة أيضا خلال الشهرين السابقين إذ وصل إلى 36.5 بالمئة في يوليو و35.7 بالمئة في يونيو.
- قال البنك المركزي إن التضخم الأساسي، الذي يستثني سلعا أسعارها متقلبة مثل الغذاء والوقود، تراجع قليلا إلى 40.4 بالمئة من 40.7 بالمئة في يوليو و41 بالمئة في يونيو.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.