تكشف أرقام المبيعات المحققة في الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي حجم التراجع الذي يواجهه القطاع، فطبقاً لآخر البيانات الصادرة عن مجلس معلومات سوق السيارات “أميك”، عن تلك الفترة المذكورة، فإن:
- مبيعات سيارات الركوب الخاصة (الملاكي) تراجعت بنحو 73 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
- بلغ إجمالي مبيعات (الملاكي) نحو 21.877 وحدة، مقارنة بـ 80.275 وحدة في أول خمسة أشهر من 2022.
- مبيعات الأتوبيسات (الحافلات بأنواعها) تراجعت بنسبة 55.5 بالمئة (مسجلة 3.346 مركبة، مقابل 7.521 في نفس الفترة من 2022).
وتعاني السوق من الركود، في ظل ارتفاعات قياسية بالأسعار بالنسبة للسيارات الجديدة (الزيرو)، وبما يضغط كذلك على سوق السيارات المستعملة التي ارتفعت أسعارها بشكل قياسي أيضاً.
فإلى أين تتجه سوق السيارات في مصر؟ وما هي العوامل التي من شأنها المساهمة في إنهاء الأزمة الحالية؟
موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” تحدث مع عددٍ من المختصين بقطاع السيارات في مصر، للوقوف على أسباب الأزمة، وعوامل إنهائها على نحو يضمن عودة الاستقرار للسوق من جديد وعودة المستويات السعرية الملائمة.
ركود يرجع لأسباب دولية ومحلية
في البداية، قال رئيس رابطة تجار السيارات، المستشار أسامة أبو المجد، إن سوق السيارات شهدت تراجعاً كبيراً في المبيعات خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، موضحاً أن هذا التراجع يأتي مدفوعاً بعدة أسباب، بينها ما هو محلي وما هو دولي، ومن بين الأسباب الدولية، “تأثير قرارات الفيدرالي الأميركي بتحريك سعر الفائدة أكثر من مرة خلال العام الجاري وانعكاسات ذلك على الأسواق”، علاوة على تداعيات الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها، لا سيما على قطاع الطاقة بشكل خاص، وتأثير ذلك على شركات السيارات، فعلى سبيل المثال قررت شركة “فولكس فاغن” البحث عن مصانع لها خارج الاتحاد الأوروبي، بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي.
أما عن المشكلات المحلية التي فاقمت من تراجع سوق السيارات في مصر، فأشار رئيس رابطة تجار السيارات، إلى سببين رئيسيين؛ أولهما صعوبة تدبير العملة الأجنبية، وهو ما أدى لأزمة حقيقية خاصة وأن الدولار يدخل في كل ما يتم استيراده من الخارج، لذا فالاستيراد شبه متوقف وهو ما أدى إلى المشهد الحالي بالسوق.
ثاني تلك العوامل مرتبط بارتفاع معدلات التضخم، وهو ما أدى لارتفاع أسعار السيارات وقطع الغيار بصورة قد لا يستوعبها المستهلك أو حتى التاجر.
- أظهرت بيانات المركزي المصري، ارتفاع التضخم الأساسي (الذي يستثني الطاقة والغذاء) إلى 40.7 بالمئة على أساس سنوي في يوليو من 41 بالمئة في يونيو.
- كما أظهر استطلاع أجرته وكالة رويترز أنه من المتوقع أن ينمو التضخم في المدن المصرية مجددا في يوليو بعد أن وصل إلى أعلى مستوى على الإطلاق في يوليو مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وتوقع أبو المجد، أن لا يتغير وضع السوق الحالي عن ما هو عليه قبل النصف الثاني من العام المقبل 2024، حتى يتم استيعاب تبعات ما أفسدته الحرب في أوكرانيا واستمرارها على ذلك النحو، مشيراً إلى أنه حتى وإن انتهت الأزمة الحالية فسيظل تأثيرها مستمراً لفترة تتراوح بين ستة أشهر لعام.
وأضاف أيضاً أن تحركات الفيدرالي الأميركي وقراراته “أفسدت أموراً تحتاج سنوات لإصلاحها”، على حد قوله، فضلًا عن وجود قوانين من شأنها وضع قيود على الاستيراد مثل استيراد السيارات المستعملة.
انتعاشة طفيفة
على الجانب الآخر، أفاد عضو الشعبة العامة للسيارات، منتصر زيتون، بأن حالة الركود التي ظل تشهدها سوق السيارات المصرية حتى الأشهر الستة الأولى من العام الجاري تراجعت بشكل طفيف بداية من شهر يوليو الماضي، مشيراً إلى أن السوق شهدت انتعاشة محدودة لجهة زيادة الطلب، ذلك أن “بعض ممن كانوا ينتظرون تراجع الأسعار استسلموا للأمر الواقع في ظل استمرار الزيادة إلى أن قرروا الشراء (بالأسعار المرتفعة الحالية)”.
وأرجع أسباب استمرار ركود سوق السيارات على ذلك النحو، إلى تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وخروج مليارات الدولارات من الأموال الساخنة بشكل مفاجئ.
وأضاف إلى ماسبق توقف العملية الاستيرادية، فلا توجد كميات من السيارات يُحمِّل عليها الوكلاء تكلفة التشغيل، وأصبحت السيارة الواحدة تتحمل عبئاً يناهز ما يقرب من ثلاثين سيارة، فيضطر الوكيل رفع السعر لتغطية تكلفة التشغيل، على حد تعبيره.
وعن الإجراءات المطلوبة لتعود سوق السيارات إلى وضعها الطبيعي، فشدد على ضرورة وجود عمليات استيرادية كاملة، وفتح السوق على مصراعيه للوكيل والسوق الموازية حتى يقوما بالاستيراد بحرية، وبما يدفع نحو زيادة المنافسة وتراجع الأسعار.
وذكر عضو الشعبة العامة للسيارات، أن ذلك لن يتم إلا من خلال توفير رصيد دولاري فائض عن السلع الأساسية، ليغطي العملية الاستيرادية الخاصة بالسيارات، قائلًا: في الوقت الحالي الأزمة العالمية وخروج الأموال الساخنة واعتماد الدولة الرئيسي على الاستيراد في كل السلع الاستراتيجية يعيق عودة السوق لوضعها الطبيعي بشكل سريع.
تراجع الواردات
إلى ذلك، أوضح عضو الشعبة العامة للسيارات بالغرفة التجارية، علاء السبع، أن سوق السيارات تشهد نقصاً بالمعروض بسبب الإجراءات الحكومية بوضع قيود على الاستيراد، إضافة إلى زيادة الأسعار بشكل كبير.
وأضاف، “لقد أثر عدم توافر العملة الصعبة لتدبير معروض جيد على حجم استيراد السيارات، وهو ما أدى إلى نقص الكميات المعروضة وزيادة السعر.. كما أن القيود على الاستيراد أثرت على العرض والطلب خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري، مع انخفاض نسبة السيارات المستوردة لـ 80 بالمئة عن العام الماضي”.
وحتى تعود نسبة الواردات لحالتها الطبيعية، أكد عضو الشعبة العامة للسيارات بالغرفة التجارية، على ضرورة تدبير العملة الصعبة بصورة أسرع وبطريقة متوازنة لا تؤثر على الأسعار وقيمة الجنيه أمام الدولار.
وتُظهر أحدث البيانات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجعاً حاداً في واردات مصر من السيارا، على النحو التالي:
- تراجعت قيمة واردات السيارات خلال أول 4 أشهر من العام الجاري بـ 56 بالمئة، مسجلة 531 مليوناً و445 ألف دولار (مقارنة بمليار و208 ملايين و49 ألف دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي).
- تراجعت قيمة واردات المركبات المستخدمة فى الأغراض الخاصة بنسبة 84 بالمئة (مسجلة نحو 2 مليونا و850 ألف دولار)
- تراجعت قيمة واردات السيارات التجارية الخاصة بنقل البضائع، بنسبة 69 بالمئة (مسجلة 63 مليوناً و929 ألف دولار).
حلول طويلة الأمد
وإلى ذلك، أشار خبير السيارات، الرئيس التنفيذي السابق لرابطة مصنعي السيارات، اللواء حسين مصطفي، إلى أن السوق “تشهد حالة من التوقف”؛ فإضافة إلى انخفاض نسبة البيع، فإن حجم استيراد السيارات من الخارج انخفض أيضاً بشكل كبير خلال الفترة الماضية، فضلًا عن أن الإنتاج المحلي (داخل المصانع الموجودة في مصر) تراجع بنسبة 56 بالمئة.
وأضاف أن السوق أمام مأزق كبير بنقص المعروض أمام الطلب، وهو ما يرجع إلى عدم توافر العملة الصعبة لاستيراد السيارات التي توقف استيرادها تقريباً منذ فبراير منذ العام 2022، وأصبحت السوق الآن تعتمد على الاستيراد الشخصي أو القليل من السيارات التي استطاعت بعض التوكيلات والمستوردين توفير العملة بشكل يرتضيه البنك المركزي.
ولفت إلى أن كل العوامل سالفة الذكر أدت إلى حدوث ارتفاع حاد في أسعار السيارات، حيث تضاعفت مرتين أو ثلاث عن الفترات الماضية، وأصبح مشتري السيارات الأقل ثمنًا خارج قرار الشراء لارتفاع الأسعار.
وذكر أن الأزمة لم تطل فقط السيارات الكاملة لكنها طالت أيضاً القدرة على استيراد مكونات السيارات التي تستخدم بالإنتاج المحلي داخل المصانع المصرية للسيارات، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج المحلي أيضاً.
واستبعد مصطفى أن يكون هناك حل قريب للأزمة، خاصة وأنها متشابكة ومرتبطة أيضاً بالأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع التضخم عالمياً، لكنه شدد في الوقت نفسه على حلول طويلة الأمد عوائدها على سوق السيارات لن تظهر إلا بعد سنوات ومنها: التوسع في تصنيع السيارات داخل مصر سواء بتصنيع موديلات جديدة أو الاستغلال الكامل لخطوط الإنتاج المصرية الموجودة وتطويرها لزيادة الإنتاج المحلي، علاوة على جذب الاستثمارات، وهو مسار يتم العمل عليه، وهناك دلائل على ذلك، مثل الدعوة لتنمية منطقة شرق بورسعيد وجعلها مركزاً لإنتاج السيارات العالمية لقربها من منطقة قناة السويس ومحطات الحاويات الموجودة بها وميناء شرق بورسعيد.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.