بألفاظ ثقيلة كالدعوة إلى التعصب الرياضي، والتمييز بين المواطنين، والعنصرية الرياضية، فضلاً عن سب وقذف مسؤولين وأشخاص، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر يحيل ثلاث صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى النيابة العامة.
كما منع المجلس بث أحد البرامج الرياضية الشهيرة، دون أن يذكر في بيانه المقتضب الذي نُشر على صفحته، أسماء المسؤولين عن تلك الصفحات أو البرنامج الممنوع.
وقال البيان إن لجنة الشكاوى رصدت صفحات على منصات فيسبوك وتويتر ويوتيوب، تثير التعصب الرياضي بمنشورات وفيديوهات، فضلاً عن حث هذه الصفحات على “التمييز بين المواطنين والعنصرية الرياضية”، وعليه قرر المجلس الذي يملك حق وقف تراخيص وسائل الإعلام المصرية، إحالة المسؤولين عن هذه الصفحات إلى النيابة العامة لمخالفتها أحكام القانون المصري.
يأتي هذا بينما يقضي رئيس نادي الزمالك في السجن شهرًا لسب وقذف رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب، وعلى الشاشات باتت البرامج الرياضية والصفحات التابعة سواء لإعلاميين أو لاعبين سابقين، تتحدث بشكل مباشر ودون مواربة أو أحيانا بتجاوزٍ وتعصب ضد أحد الأندية، الأمر الذي يمثل عبئًا على الرياضة في مصر.
شتائم متبادلة
غالبا ما تشهد الأحداث الرياضية الكبرى في الملاعب المصرية شتائم متبادلة بين الجماهير، وبشكل أصبح يثير المخاوف لدى السلطات الأمنية في مصر من انفلاتِ الوضع أحيانا.
ويرى بعض من قابلناهم من المواطنين في الشارع أن بعض البرامج الرياضية أصبحت مصدرًا يبث التعصب للجماهير، فيقول أحمد محمود وهو طالب في جامعة القاهرة، إن البرامج والصفحات الرياضية في مصر أصبحت تمثل عبئًا على الجماهير، لأنها تركز وبشكل مبالغ فيه على ما يثير التعصب والنعرات أحيانًا.
بينما يقول سيد وهو يعمل في ورشة لتصليح السيارات إنه يتابع بشغف البرامج الرياضية وما يقوله إعلاميون بعينهم، وإن وجهة نظرهم تمثل في كثير من الأحيان وجهة نظر الجماهير ووجهة نظره هو شخصيًا.
أما محمود صاحب كشك في أحد شوارع حي العجوزة بمحافظة الجيزة، فقد دافع باستماتة عن وجهة نظر ناديه الرياضي قائلاً: “النادي الذي أشجعه على حق دائما، وهو يمثل بالنسبة لي كل شيء”.
شاركنا في الحديث أحدهم، وهو رجل كبير السن، قائلا: “صفحات التواصل الاجتماعي بلا ضابط ولا رابط، الكل يكتب ما يريد دون التزام بمبادئ أو معايير أخلاقية أو قانون؛ صفحات التواصل هي السبب”.
المهنية والأخلاق
يقول هاني حتحوت، مقدم أحد البرامج الرياضية على قناة محلية في مصر، إن بعض مقدمي البرامج تحولوا إلى مشجعين، وأحيانا يبدأون بمكايدة جمهور نادٍ بعينه أو استفزازهم طبقا لانتمائهم الرياضي، وهو ما يؤدي إلى غضب بعض الجماهير وإثارة التعصب.
ويؤكد حتحوت أن السبب في عدم الالتزام بالمعايير الإعلامية أو الأخلاقية يكمن في أن بعض المشتغلين في الإعلام لم يدرسوه، أو أن كثيرا من لاعبي الكرة السابقين تحولوا إلى إعلاميين، وهو أمر لا يرفضه، ولكنه يدعو إلى تأطيره ضمن الضوابط والدراسات.
أما الدكتور محمود زكي، المدرس في كلية الإعلام في جامعة سيناء، فيقول إن الإعلام الرياضي شهد قفزة كبيرة من حيث الكم، وزيادة ملحوظة في عدد الصفحات الرياضية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأرجع السبب إلى الإقبال الشديد من الجمهور على المحتوى الرياضي، وهو الأمر الذي انعكس على حجم الاستثمار في مجال الإعلام الرياضي.
لذا، والكلام لزكي، فإن التزام البرامج الرياضية بالمعايير المهنية الإعلامية المعروفة يُعد مثار جدل كبير لأن هذه البرامج تسعى لاكتساب المزيد من المتابعين أو مواكبة “الترند”، وهو ما يقودها لعدم الالتزام الدقيق وربما عدم الالتزام نهائيا بالمهنية أو الأكواد الصادرة من أماكن متخصصة وعلى رأسها الهيئة الوطنية للإعلام، بحسب الأكاديمي زكي.
من يدفع الثمن
انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عدد كبير من مقدمي المحتوى من غير المتخصصين ويحمل المحتوى المقدم الغث وقليلاً من السمين، وهناك من يحقق الأرباح من هذا الغث لكن المجتمع يحقق الخسائر، بحسب رأي خبراء.
ويضيف زكي أن انتشار “نعرات التعصب” يضر المجتمع وينال من سلامته، حتى إن الدولة أطلقت حملة بعنوان “لا للتعصب” لحصار النار التي تنشر التعصب.
ويفضل حتحوت عدم الإفصاح عن انتمائه الرياضي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويؤكد أهمية أن يكون التناول في البرامج متوازنا، وموضوعيا، وإن تم الإفصاح عن الانتماء، فلا بد من توافر الموضوعية، حتى القنوات الفئوية التابعة للأندية لا بد أن يتحقق فيها قدر من الموضوعية؛ حتى لا تتحول لأداة تعصب، بحسب حتحوت.
الأعلى للإعلام تأخر
ويقول الدكتور محمود زكي إن المجلس الأعلى للإعلام تحرك بشكل إيجابي في الأسابيع الماضية لتطبيق القانون على كل ما يخالف القواعد الأخلاقية أو المهنية، لكن هذا يدعونا للتساؤل عن أسباب تأخر المجلس في مثل هذه الحوادث التي تظهر فيها أطراف رياضية تمارس السب والقذف علانية حتى يتخذ هذه القرارات، وعن عدم تدخله من البداية لتطبيق الأطر المهنية وتقويم ما يحدث.
ويرى البعض أن الأخذ بيد القانون يقي المجتمع من آثار التعصب، أما التغافل عن تعصب يبثه برنامج أو أشخاص دون رقابة، فقد يجعل أجيالاً كاملة تتعصب لرأيها بشكل كامل، وترفض الرأي الآخر باعتباره فاقدا لأي وجاهة.
“مصر بحاجة ماسة إلى استرجاع شخصيتها الملتزمة بالمبادئ والمتسامحة والقوية والآخذة على يد من يخطئ في حقها أو في حق أبنائها دون تمييز، مهما كانت المناصب والأماكن، فالبلاد هي الأهم”، هذا ما قاله رجل كبير السن يمشي على مهل ويستند على عصاه، بعدما سألني عن الموضوع الذي أتحدث عنه، وأخبرته أنه عن التعصب الرياضي، فقال الرجل كلمته ومضى.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.