ومع أن ارتفاع الحرارة على امتداد أشهر الصيف في تونس تتخلله عادة بعض الانفراجات، فإن البلاد سجلت في الصيف الجاري، خصوصا شهر يوليو معدلات قياسية، وصلت فيها الحرارة القصوى إلى 50 درجة مئوية، فيما يستمر نسقها التصاعدي بسبب وجود تونس تحت “القبة الحرارية”، وفقما أكده خبراء في مراكز الأرصاد الجوية.
وحذر خبراء الأرصاد الجوية في “مركز طقس العرب الإقليمي” من ارتفاع كبير لدرجات الحرارة في مناطق عدة من تونس بداية الأسبوع الجاري، بما في ذلك العاصمة التي يتوقع أن تسجل درجات حرارة قياسية، فضلا عن اشتعال حرائق كبرى في الغابات شمال غربي البلاد.
وتشير توقعات خبراء الطقس في تونس إلى أن درجات الحرارة ستواصل على نفس الوتيرة من الارتفاع حتى نهاية الشهر الجاري لتكون بذلك الأعلى منذ عقود، وأن هذه المعدلات نتيجة لعوامل مناخية وجغرافية، وبالأساس لوقوع تونس تحت ما يسمى “القبة الحرارية” وهي ظاهرة مناخية تفضي إلى موجة حر شديدة تستمر لأكثر من أسبوع في بعض المناطق من العالم.
ما هي القبة الحرارية؟
- القبة الحرارية منطقة جوية معزولة نوعا ما، تتولد نتيجة نشوء منطقة ضغط عال في طبقات الجو العليا (ستراتوسفير) بسبب الانخفاض النسبي في درجة الحرارة، مقارنة مع طبقات الغلاف الجوي الأدنى منها (التروبوسفير) ذات الحرارة الأعلى.
- هذه الظاهرة تكون عادة السبب الرئيسي لبلوغ درجات الحرارة معدلات قياسية، وذلك عندما تحبس منطقة ضغط جوي مرتفع في طبقات الجو العالية، هواء المحيط الساخن أسفل منها، ليتسبب ذلك في تسخين الهواء تحت الضغط، وتنشأ بالتالي كتلة هوائية ساخنة سطحية تختلف شدتها بحسب المنطقة.
- عندما يحاول الهواء الساخن الارتفاع لأعلى فإن الضغط العالي فوقه يجبره على النزول، إثر هذا ترتفع حرارة الهواء في الطبقة الدنيا للغلاف الجوي أكثر، وبحدود 5 إلى 10 درجات تقريبا.
- تستمر القبة الحرارية من يومين إلى 7 أيام، وقد تبقى لفترات أطول.
- وفقا لخبراء المناخ والأرصاد الجوية، فإن تونس تقع تحت ما يقارب 4 قبب حرارية تضرب الأرض على نفس خطوط العرض، وتستمر حتى أسابيع عدة، حيث يصطدم الهواء الساخن عند صعوده من الأسفل إلى الأعلى بمنطقة الضغط الجوي العالي، مما يولد ارتفاعا مهولا في درجات الحرارة.
ويتوقع أستاذ علم المناخ بالجامعة التونسية زهير الحلاوي أن تتواصل موجة الحر الشديدة التي تضرب تونس وعددا من البلدان المتوسطية حتى نهاية شهر يوليو الجاري، باعتبار أن “مناخ تونس هو المناخ المتوسطي الذي تقع خلاله البلاد تحت تأثير الكتل الهوائية الحارة القادمة من الجنوب ومن الصحراء الإفريقية”.
ويضيف الحلاوي في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”: “المناخ المتوسطي يتميز بالتذبذب سواء على المستوى الزمني، أي على امتداد الأسبوع الواحد، أو المستوى المجالي (من منطقة إلى أخرى)، وهو ما يجعل التوقعات غير دقيقة بخصوص موجة الحر”.
وبخصوص القبة الحرارية التي تقع تحت تأثيرها تونس، يرى أستاذ علم المناخ أن “لذلك علاقة مباشرة بموجة الحر الحالية، حيث إن تونس تقع تحت منطقة ضغط مرتفع يصبح فيها صعود الهواء الساخن إلى الأعلى غير ممكن، وبالتالي تشتد الحرارة وتمتد زمنيا لفترة طويلة”.
ويرى أنه “إلى جانب العوامل الطبيعية، أفضت الدراسات المناخية التي قام بها إلى اكتشاف أن عدد موجات القيظ ارتفعت بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات الماضية”، وأن “تونس كانت تشهد 3 موجات حر على امتداد الصائفة، لكن عددها يناهز 10 موجات قيظ حاليا وربما أكثر، كما أن درجة الحرارة فيها تجاوزت بكثير المعدلات العادية، هذا بجانب امتدادها الزمني (من 5 أيام إلى 4 أسابيع)، وهذا ناتج عن الثورة الصناعية والإخلالات البيئية وغيرها”.
تداعيات على الزراعة والاقتصاد
وفي السياق ذاته، يوضح أستاذ الجغرافيا الباحث في المخاطر الطبيعية عامر بحبة، أن بعض المحافظات في تونس سجلت معدلات حرارة غير مسبوقة مثل القيروان، حيث تم تسجيل 48.4 درجة مئوية يوم 8 يوليو الجاري، كما أن بعض محافظات جنوب غرب تونس مثل توزر كانت يوم 9 يوليو الأشد حرارة على سطح الأرض.
وبخصوص المخاطر الطبيعية المحتملة يقول بحبة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “حرائق الغابات هي النتيجة الطبيعية لموجات الحر الشديدة، لكن خلال هذا العام تم تسجيل عدد أقل من الحرائق رغم أن بعضها كانت نتائجه وخيمة، مثل حريق منطقة ملولة على الحدود التونسية الجزائرية”.
وأضاف: “توجد تداعيات طبيعية وبيولوجية أخرى لموجات الحر، من بينها جفاف التربة والتأثير على جودة ونوعية الخضر والغلال”.
كما شددت خبيرة المناخ آمال جراد على أن “هشاشة المنطقة الجغرافية التي توجد بها تونس ساهمت في اشتداد موجات الحر وتواترها باستمرار، خصوصا في شهر يوليو الجاري”.
وأضافت جراد في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “الواقع المناخي الحالي يفترض الكثير من التغيير في مستوى السياسات الزراعية والمائية والصناعية لتحديد المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية”.
وتابعت: “من الواضح أن النمو الاقتصادي لتونس ولكل الدول يرتكز على الطاقة، لكن هذه الغازات الدفيئة المنبعثة في الجو والناتجة عن الصناعة أصبحت تشكل خطرا مناخيا على البشرية، يفترض التأقلم مع التغيرات المناخية والبحث عن حلول جذرية للحد من مخاطرها”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.