هل تفقد وتيرة التعافي الاقتصادي الصيني قوتها؟
أخبار العالم

هل تفقد وتيرة التعافي الاقتصادي الصيني قوتها؟



أبرز تلك المؤشرات تمثل في الأداء الضعيف لقطاع العقارات، مع تراجع المبيعات إلى 63 بالمئة من مستوياتها للعام 2019 في أبريل، انخفاضاً من 95 بالمئة في مارس، بحسب بيانات شركة الأبحاث Gavekal.

وقد امتدت أزمة العقارات إلى الإنتاج الصناعي، الذي انخفض في أبريل مقارنة بأرقام 2019 المعدلة موسمياً، مع انخفاض الطلب على الأسمنت والزجاج والسلع الأخرى. علاوة على فقدان الاستهلاك المنزلي، وهو أحد الدوافع الرئيسية المقصودة للتعافي، قوته.

ولم ترق مبيعات العقارات ومعدلات الإنتاج الصناعي ونسبة نمو الائتمان، إلى بلوغ التوقعات السابقة في أبريل وحتى أوائل مايو، الأمر الذي قد يسهم في تقلص فرص النمو على النحو المستهدف.

تزامن ذلك مع ارتفاع أسعار عديد من المواد؛ من بينها النحاس والحديد، علاوة على تراجع الأسهم، والتراجع النسبي لليوان الصيني مقابل الدولار الأميركي خلال الأشهر الأخيرة (الدولار يعادل 7 يوان تقريباً). وجنباً إلى جنب تراجعت مؤشرات إنفاق المستهلك (رغم القفزة التي حققها في بداية رفع قيود كورونا).

وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء:

  • انكمش نشاط المصانع في الصين أسرع من المتوقع في مايو، بسبب ضعف الطلب، مما زاد الضغط على صانعي السياسة لدعم الانتعاش الاقتصادي غير المنتظم.
  • انخفض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات قطاع الصناعات التحويلية إلى 48.8 من 49.2 في أبريل.
  • يعد ذلك أدنى مستوى للمؤشر في خمسة أشهر وأقل من حاجز 50 نقطة الذي يفصل النمو عن الانكماش. وخالف مؤشر مديري المشتريات التوقعات بارتفاعه إلى 49.4.
  • أما قطاع الخدمات فقد سجل نموا بأبطأ وتيرة في أربعة أشهر في مايو، مع انخفاض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات القطاع غير الصناعي إلى 54.5 من 56.4 في أبريل.

وفي الشهر الماضي، تقلصت الواردات بشدة، وهبط مؤشر أسعار المنتجين (الذي يقيس تكاليف السلع عند بوابة المصنع)، وتراجع الاستثمار العقاري، وهوت القروض المصرفية الجديدة، وانخفضت الأرباح الصناعية، وجاء إنتاج المصانع ومبيعات التجزئة دون التوقعات.

أزمة ثقة

تسهم تلك العوامل مُجتمعة في تعزيز “أزمة الثقة” فيما يخص قدرة الاقتصاد الصيني على التعافي الأسرع. وهو ما عبّر عنه كبير الاقتصاديين الصينيين في غولدمان ساكس، هوي شان، في تصريحات نقلتها عن صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أخيراً، عندما قال: “بالنسبة للمستهلكين، هناك مخاوف بشأن المستقبل، وتبعاً لذلك فإنهم لا يريدون الإنفاق.. كما أن الاستثمار الخاص كذلك ضعيف جداً.. وبالنسبة لرواد الأعمال هناك إحجام عن المشاركة”.

يأتي ذلك رغم محاولات الحكومة الصينية تعزيز الثقة في الأعمال من أجل تحريك النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع بعد ثلاث سنوات مضطربة.

وفي وجود عديد من التحديات الاقتصادية، حددت الحكومة هدفاً متواضعاً للنمو عند 5 بالمئة هذا العام، مقارنة بنسبة نمو 3 بالمئة العام الماضي (وهي أدنى مستوى منذ 47 عاماً في ظل عمليات الإغلاق وسياسة صفر كوفيد).

قدرة على التعافي السريع

أستاذ الاقتصاد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، الدكتور ياسر جاد الله، يُعلق في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بقوله: “إن الاقتصاد الصيني لديه القدرة على التعافي السريع، لا سيما في ظل ما يتمتع به من مقومات، بما في ذلك تنويع مصادر الإنتاج والأسواق، والاستفادة من العنصر البشري والمقومات المادية”.

يتفق جاد الله في ذلك مع الخبراء الذين نقلت عنهم الصحيفة البريطانية تأكيداتهم على أن “هدف النمو للعام بأكمله في الصين لا يزال قابلاً للتحقق، بالنظر إلى المستويات المنخفضة المسجلة العام الماضي، عندما أغلقت السلطات شنغهاي، أكبر مدينة في الصين، ومدن كبرى أخرى لأشهر متتالية”.

يشير جادالله، إلى أن الاقتصاد الصيني مرّ بمراحل وتحديات صعبة، وتمكن من تجاوزها، علاوة على أنه قد نشأ في ظروف صعبة، ولديه قدر من المرونة على التعامل مع التحديات القائمة، والعمل في مثل تلك الظروف، لا سيما وأن التحديات القائمة ترتبط بشكل أو بآخر بأوضاع عامة يعاني منها الاقتصاد العالمي تحت وطأة تبعات وضغوطات جائحة كورونا وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية، وكذلك الضغوطات التي تفرضها الحرب في أوكرنيا.

معدلات البطالة

كما يلفت الخبير المتخصص في الشؤون الاقتصادية الصينية، إلى ما تعكسه مؤشرات البطالة في الصين، والتي تعكس فرصاً توظيفية مناسبة نسبياً، وهي من بين المؤشرات التي تعزز الثقة في الاقتصاد الصيني وقدرته على التعافي.

وطبقاً لـ Citi فإن معدل البطالة الرئيسي انخفض إلى 5.2 بالمئة في شهر أبريل الماضي، مع زيادة فرص العمل بالنسبة للعمال المهاجرين الذين يعملون في المصانع الصينية بنسبة 3.1 بالمئة عن مستويات ما قبل كورونا في الربع الأول.

وتبعاً لذلك، يعتقد محللون بأنه “مع تعزيز سوق العمل على نطاق أوسع، لا يزال هناك أمل في أن الاستهلاك والعقارات سيجدان أقدامهما في الأشهر المقبلة”، وفق تقرير صحيفة الفاينانشال تايمز.

ويضيف جادالله، في السياق نفسه عوامل أخرى داعمة لقدرة بكين على التعافي السريع، من بينها تنويع الأسواق الخارجية (بالنسبة للصادرات والواردات) بالنظر إلى أن “الصين نجحت في غزو أسواق العالم، ولديها تنوع واسع في هذا السياق، وإن فقدت سوقاً فإن لديها بدائل مختلفة”.

ويقلل من أثر الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية على بلوغ الصين مستهدفاتها للنمو، موضحاً أن الهدف الرئيسي من الحرب هو “إبطاء” تقدم الاقتصاد الصيني على النحو الذي يُهدد الاقتصاد الأميركي، بينما المؤشرات الاقتصادية والقدرات الإنتاجية التي تتمتع بها بكين تقول إنها قادرة بشكل أو بآخر على بلوغ مستهدفاتها.

ويستدل أستاذ الاقتصاد المدير السابق لمركز البحوث الصينية بالقاهرة، على ذلك بالإشارة إلى حصة الصين من الاقتصاد العالمي.

ربع النمو العالمي

وطبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، في فبراير الماضي، فإنه “من المتوقع أن يسهم الاقتصاد الصيني بربع النمو العالمي هذا العام، على الرغم من أن عدم اليقين بشأن كوفيد-19 وقطاع العقارات قد يبطئ الزخم”.

وفي أبريل الماضي، أظهرت بيانات صينية رسمية، أن الاقتصاد الصيني سجل نمواً بأعلى من المتوقع في الربع الأول بلغ 4.5 بالمئة على أساس سنوي، بدعم من تحرك صانعي السياسات لتعزيز النمو بعد إلغاء القيود الصارمة لمكافحة كوفيد-19 في ديسمبر.

وعلى أساس فصلي، أظهرت البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.2 بالمئة في الفترة من يناير إلى مارس.

من جانبه، يشير رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، المختص بالشؤون الصينية، الدكتور عماد الأزرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن “الاقتصاد الصيني اقتصاد ضخم ومتنوع، ولدى بكين قدرات هائلة وقدرة على امتصاص الصدمات، بما يجعله قادراً على تحقيق التعافي السريع”.

ويلفت إلى أن السلطات الصينية “تسير بخطى ثابتة لاحتواء أثر الأزمات، ومعالجة التحديات التي تواجه عدد من القطاعات، من أجل مضاعفة قدراتها الاقتصادية في المرحلة المقبل”، مستدلاً على ذلك بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة في القطاع الإسكاني وقطاع العقارات لاحتواء الأزمة وجذب ثقة الناس.

ويوضح أن “الحكومة الصينية اتخذت عدداً من الإجراءات فيما يخص القطاع العقاري، تضمنت تقديم تسهيلات كبيرة للشركات والأفراد، مع منح قروض ومنح ميسرة وإعفاءات لبعض الشركات، وبما يشجع على زيادة الطلب وحركة البيع”، وذلك بالنظر إلى ما يمثله القطاع العقاري والسكني من أهمية خاصة بالنسبة للصين التي يبلغ عدد سكانها نحو مليار ونصف المليار نسمة.

زوبعة عابرة

وبالنسبة لصانعي السياسة الصينيين، فإن “السؤال هو ما إذا كان الركود الأخير هو مجرد “زوبعة” أو ما إذا كانت الحكومة ستحتاج إلى التدخل بمزيد من الدعم؟”، وهو السؤال الذي طرحه كبير الاقتصاديين الصينيين في مورغان ستانلي، روبن شينغ، في تصريحات نقلتها عنه صحيفة فاينانشال تايمز.

وبحسب شينغ، فإن المسؤولين (الصينيين) سينتظرون لمراقبة نشاط التصنيع خلال الشهرين المقبلين قبل اتخاذ قرارات جديدة، مشيراً إلى أنه يمكن أن تُتخذ تدابير التحفيز في شكل إعانات موجهة لشراء المركبات وتخفيف القيود على شراء العقارات وتمويل مشاريع البنية التحتية.





المصدر


اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *