ونقلت تقارير بريطانية، عن اقتصاديين من المملكة المتحدة تقديراتهم بأن بنك إنجلترا قد يضطر لدفع الاقتصاد البريطاني إلى الركود من أجل ترويض التضخم، ذلك أنه يعطي الأولوية ضمن سياسته لكبح جماح التضخم والوصول به إلى المعدل المستهدف.
وسلط تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، الضوء على الانتقادات التي تعرض لها وزير المالية، جيريمي هانت، بعد دفاعه الأخير عن السياسات الاقتصادية والمالية، عندما قال إنه يعتقد بأن هذا كان ثمناً يستحق الدفع، على الرغم من الألم الذي تسببه بالفعل للعائلات بسبب تكلفة المعيشة المستمرة. ونقلت الصحيفة في الوقت نفسه تصريحات عدد من السياسيين والاقتصاديين حول شبح الركود الذي يهدد الاقتصاد تبعاً لذلك:
- زعيم حزب العمال، كير ستارمر، قال: “لا أحد يشعر بتحسن بعد 13 عاماً من هذه الحكومة.. أنا قلق حقاً بشأن الرهون العقارية.. يكافح الناس لدفع الفواتير.. الرهون العقارية جزء كبير من ذلك”.
- مدير المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، جاجيت تشادا: إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع “فنحن في خطر الوقوع في براثن الركود”.
- نائبة زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي ديزي كوبر: “يؤدي فشل الحكومة في خفض التضخم إلى ارتفاع معدلات الرهن العقاري مع استمرار الفوضى الاقتصادية التي يعاني منها المحافظون”.
وفي تصريح لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، كانت الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، الأستاذ المساعد في جامعة نيوهامبشير، إليزابيث كارتر، قد أشارت إلى أن ثمة مخاوف واسعة في بريطانيا بشأن حدوث نوع من الركود الاقتصادي مماثل لسيناريو العام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية.
إلا أن ثمة فوارق أساسية بين ركود 2008 وشبح الركود المحتمل في المرحلة المقبلة، على أساس أن ركود 2008 جاء بعد أكثر من 60 ربعاً من النمو، بينما تعاني بريطانيا حالياً من ركود الأجور ومعدلات نمو هزيلة يرزح تحتها الاقتصاد البريطاني، وفي وقت يواجه فيه البريطانيون أزمات متزامنة مع ارتفاع تكلفة المعيشة.
فخ الركود
من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي بمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ألمانيا وقعت أخيراً في فخ الركود “وأرى أن بريطانيا سوف تتبعها في هذا الاتجاه”، مشيراً إلى أن “النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة ضعيف (0.1 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري 2023) ويسير على هذا الاتجاه.
ويُحدد الرفاعي أبرز العوامل الرئيسية التي تعزز من تلك التقديرات المرتبطة بتوقعات الركود الاقتصادي في المملكة المتحدة، على النحو التالي:
- الأوضاع التي يواجهها الاقتصاد البريطاني ككل، مع ارتفاع أسعار الفائدة.
- هناك تباطؤ في القطاع العقاري التجاري والاستثماري وكذلك السكني؛ بسبب رفع الفائدة.
- الاقتصاد البريطاني والقطاع المصرفي يعتمد على القطاع العقاري بشكل أكبر من دول أوروبية أخرى، ومع ضعف القطاع يؤدي ذلك إلى ضعف نسبة النمو الاقتصادي، وكذلك بالتزامن مع عوامل اقتصادية أخرى.
- التحديات التي تضغط على التبادل التجاري بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، في ظل عدم التوصل لاتفاق تجاري بينهما حتى الآن (بعد خروج بريطانيا من الاتحاد).
ويضيف الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية في لندن، إلى تلك العوامل، الانكماش الذي يشهده القطاع الصناعي في بريطانيا (على خطى انكماش القطاع في ألمانيا أيضاً)، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن قطاع الخدمات وإن كان يسجل نمواً فإنه يتبع القطاع الصناعي بعد أشهر. وجميعها عوامل تدفع الاقتصاد البريطاني إلى الركود.
وفي الوقت الذي رفعت فيه الأسواق المالية تكاليف الاقتراض من الحكومة البريطانية إلى أعلى مستوى منذ رئاسة ليز تراس، أصبحت قدرة رئيس الوزراء على الوفاء بوعده بخفض التضخم إلى النصف هذا العام ، وهو أحد التعهدات المركزية الخمسة لرئاسته للوزراء “موضع تساؤل”.
أولوية كبح جماح التضخم
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي بصحيفة “فاينانشال تايمز البريطانية” أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه”من الواضح تماماً أن بنك إنجلترا يعطي الأولوية لمكافحة التضخم وارتفاع الأسعار”، مشدداً على أن “التضخم أكثر ما يقلق الحكومة البريطانية، وهو ما أكد عليه في أكثر مناسبة الأسبوع الماضي وزير المالية البريطاني جيريمي هانت، حتى لو تسبب ذلك في حدوث ركود”.
وبموازاة ذلك، يشير إلى أن صندوق النقد الدولي كان يتوقع دخول بريطانيا في مرحلة انكماش مزدوج مع الركود الاقتصادي، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، لكنّ حدثت انفراجة أخيراً تعطي المركزي البريطاني هامشاً كي يتحرك، فيما يخص تعديل التوقعات وابتعاد شبح الركود هذا العام.
- في وقت سابق الشهر الجاري، أعلن صندوق النقد عن أنه لم يعد يتوقع أن يقع الاقتصاد البريطاني في ركود هذا العام، حيث قام بتحديث التوقعات التي نشرت الشهر الماضي، لكنه حذر من أن التوقعات لا تزال ضعيفة.
- توقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.4 بالمئة في العام الجاري، بعد أن كان يتوقع انكماشه بنسبة 0.3 في توقعاته السابقة في أبريل.
- تحسن التوقعات جاء بدعم من مرونة الطلب غير المتوقعة، إضافة إلى نمو الأجور بشكل أسرع من المعتاد، وارتفاع الإنفاق الحكومي وتحسين ثقة الأعمال، بحسب الصندوق.
- كما أسهم أيضاً في تحسين التوقعات، انخفاض تكاليف الطاقة، وتحسن أوضاع سلاسل التوريد العالمية.
ورغم تحسن التوقعات واتجاهها للنمو، مع تحسن البيانات بعض الشيء في الأشهر الأخيرة، إلا أنها “لاتزال ضعيفة”، وفق الصندوق.
وبدوره، يلفت القاسم إلى المخاوف لدى المقترضين ومشتري العقارات بأن أسعار الفائدة سوف تستمر في الارتفاع مجدداً، بعد أن تم رفع الفائدة 12 مرة، وليس من المتوقع أن يكون ذلك نهاية المطاف كما يبدو من تصريحات وزير المالية البريطاني.
وأظهرت أحدث بيانات من مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي في البلاد قد تباطأ بأسرع وتيرة منذ نحو 30 عاما إلى 8.7 بالمئة في أبريل من 10.1 بالمئة في مارس، كما أنها المرة الأولى الذي يهبط فيها التضخم إلى خانة الآحاد منذ أغسطس الماضي.
أداء سيء
يعلق الخبير الاقتصادي بصحيفة “فاينانشال تايمز البريطانية” في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قائلاً: “أداء الاقتصاد البريطاني كان سيئاً جداً، بينما الآن هناك بعض التحسن، وتشير التوقعات لانخفاض التضخم إلى 6 بالمئة بنهاية العام، بينما كانت الحكومة تتوقع نزوله إلى 2.5 أو 3 بالمئة لكنها تبدو أماني مستحيلة في مثل هذه الظروف”.
لكنه لا يعتقد بأن انخفاض معدلات التضخم بشكل معقول بهذه الصورة يشكل حلاً سحرياً للاقتصاد الذي لا يزال يعاني بشل كبير مع زيادة الأسعار، مردفاً: “كما أن الخطورة تكمن في أن أسعار العقارات جمدت وتراجعت المبيعات في بريطانيا وكذلك المقترضين من البنوك ممن يعانون بشدة، خاصة في ظل التوقعات بارتفاع الفائدة إلى 5.5 بالمئة وهو أعلى معدل منذ عقود”.
وتقدر الأسواق أن بنك إنجلترا قد يرفع أسعار الفائدة إلى 5.5 بالمئة بحلول نهاية العام، الأمر الذي أدى إلى كبح أسعار السندات وأدى إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض الحكومي.
وتبعاً لذلك ورغم العوامل الإيجابية المرتبطة بسياسة الحكومة وبنك انجلترا المركزي، يُلمح القاسم إلى أنها أيضاً قد تقود إلى ركود متوقع تعاني معه بريطاني لمدة طويلة قد تستغرق العام المقبل 2024 وربما بعده، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة واستمرار الحرب في أوكرانيا، وكذلك الخسائر الكبيرة (بحدود 15 بالمئة من الناتج القومي) نتيجة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكان نائب مدير صندوق النقد الدولي السابق، محمد العريان، قد ذكر أن بنك إنجلترا سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة لفترة أطول، وهو ما قال إنه سيعني ركوداً أو نمواً قريبًا من الصفر.
اضطراب سوق السندات
وإلى ذلك، نقلت صحيفة “تليغراف” البريطانية، عن مدير الأصول في مجموعة Abrdn، لوك هيكمور، توقعاته في تصريحات إذاعية له بأن تشهد بريطانيا ركوداً بنهاية هذا العام أو أوائل العام المقبل في أعقاب اضطراب سوق السندات، وذلك رغم توقعات سابقة قبيل أيام لصندوق النقد بشأن أن اقتصاد المملكة المتحدة لن يواجه الركود هذا العام.. وقال هيكمور:
- يمكننا أن نرى التضخم يظل أعلى لفترة أطول، وسيقوم بنك إنجلترا برفع أسعار الفائدة أعلى مما هي عليه في الوقت الحالي.
- هذا سيؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف الرهن العقاري، الأمر الذي سيضع مداخيل الناس “تحت ضغط كبير”.
- مع ارتفاع الفائدة وأزمة معدلات الرهن العقاري والتضخم المرتفع، سيكون من الصعب بشكل متزايد تجنب الركود.
- لا أعتقد بأنه سيكون ركوداً صعباً حقاً، لكننا سنشعر به، وستتعرض دخول الناس للكثير من الضغوط من معدلات الرهن العقاري المرتفعة.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.