مواطن: بلادي أجلتني عن المصير المحتوم مرتين في الجائحة والسودان
للوهلة الأولى بعد اندلاع المواجهات العسكرية في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بين الجانبين العسكريين في البلاد، لم يتوقع مراقبون أن تصل الأمور لأن تصبح عمليات الإجلاء أصعب المهام الدولية والإقليمية وأكثرها محوريّة، وتتركز عليها جهود الدول والمنظمات أكثر، حتى في بعض الأحيان، من البحث عن حلول عاجلة لاحتواء الأزمة والاتفاق على الهدن الإنسانية، ولكن النتيجة أن أصبح الهدف الأساسي من سلسلة الهدن التي تم التوصل إليها هو تأمين طرق الإجلاء للفارّين من مناطق الصراع المحتدم.
عدم يقين دولي بالحاجة لإجلاء الرعايا
وعقب أيام قليلة من اندلاع المعارك، قال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، إن الحكومة الأميركية «لا تتوقع تنسيقاً لعمليات إجلاء لمواطنيها من السودان عبر الحكومة الأميركية في هذا الوقت أو في الأيام المقبلة»، في إشارة إلى عدم اليقين بخصوص الأوضاع على الأرض، قبل أن يتدارك المتحدث ليوضّح أن «إجلاء المواطنين الأميركيين سيكون على نفقتهم الخاصة».
وذهب وزير الخارجية البريطاني في اتجاهٍ مشابه قائلاً: «لا يمكننا إجلاء سوى حاملي جواز السفر البريطاني، وأفراد أسرهم المباشرين».
خطوة سبّاقة
وفي الوقت الذي أعلنت فيه نقابة أطباء السودان، أنّ أكثر من 72 في المائة من المستشفيات في المناطق المتاخمة للاشتباكات «توقّفت عن العمل»، سبقت السعودية الجميع بخطوات مصحوبة باستشعار مآلات الأحداث في السودان، فبدأت في 22 أبريل بعمليات إجلاء رعاياها ورعايا أكثر من 100 دولة أخرى بلغ عددهم وفقاً لآخر إحصائية رسمية 5409 أشخاص، بينهم دبلوماسيون ومسؤولون دوليّون، في موقف يشبه «الملحمة التاريخية» كما وصف مراقبون دوليّون، في استمرار للجهود التي تُبذل بتوجيهات من قيادة البلاد، مسجلةً انطلاق واحدة من كبرى عمليات الإجلاء الناجحة عالمياً على مدى أيام متواصلة، ولم تنتهِ حتى اللحظة رغم مرور أكثر من عشرة أيام، ليتبعها بعد ذلك عدد كبير من الدول في إجلاء رعاياها، حتى تلك التي اعتبرت أن الوضع على الأرض لا يستدعي ذلك.
امتنان دولي واسع
وانبرى عدد من الزعماء والمسؤولين الدوليّين حول العالم إلى الإشادة بجهود السعودية في عمليات إجلاء رعاياها ورعايا الدول الصديقة، واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أن المساعدة السعودية في إجلاء الدبلوماسيين الأميركان «كانت حاسمة لنجاح عمليتنا»، بينما أعربت الخارجية الإيرانية عن امتنانها للمساعدة السعودية «الإنسانية والحاسمة» في إجلاء المواطنين الإيرانيين من السودان.
من جانبه قال السفير البريطاني لدى السعودية نيل كرومبتون: «إن المواطنين البريطانيين الذين قامت السعودية بإجلائهم من السودان يشعرون بالأمان في المملكة، وممتنون للدعم السخي الذي تقدمه السعودية للبريطانيين وغيرهم ممن تم إجلاؤهم من السودان إلى جدة».
وفي إحدى صور الامتنان للوقفة السعودية الإنسانية، قال السفير الموريتاني لدى السودان، وهو يحط رحاله في محافظة جدة بعد إجلائه مع آخرين على متن الباخرة التجارية «أمانة»، إن هذه اللفتة الكريمة «ليست الأولى للسعودية، فكلما كان هناك داعٍ تجدها سبّاقة لفعل الخير وإيواء المحتاجين».
وفي حديثٍ عاطفي، قال المواطن السعودي نهار الملفي لـ«الشرق الأوسط» إنه «ذاق فزعة» بلاده في إنقاذه من المصير المحتوم في مناسبتين، كانت الأولى في أبريل 2020 عندما تم إجلاؤه مع عدد من المواطنين السعوديين بأمر من خادم الحرمين الشريفين إبّان انتشار جائحة «كوفيد – 19»، على متن رحلات جوية من لوس أنجليس الأميركية، والثانية في الشهر ذاته من عام 2023 من السودان، بعدما وصل حد الخشية من النفوق في مكانه في ظل احتدام الصراع العسكري وانعدام الأمن للمواطنين والمقيمين في السودان، حسبما يصف.
4 علامات استثنائية في عمليات الإجلاء السعودية
ووفقاً لمتتبّعين، فإن استثنائية عمليات الإجلاء السعودية تمثّلت في 4 نقاط أساسيّة، أولاها: إجلاء الرعايا من الجنسيات كافة دون تمييز، ودون النظر إلى أن عدداً من الدول التي أجرت عمليّات الإجلاء ركّزت فقط على مواطنيها، وفي أحيان كان ذلك وفقاً لاختيار مشروط. وثانيها: حساسيّة عمليات الإجلاء المتكرّرة بشكل يومي بالأخذ في الاعتبار أن معظم من تم إجلاؤهم يأتون من مناطق بعيدة عبر طرق بريّة تشهد صراعات عسكرية طاحنة وصولاً إلى ميناءي بورتسودان وسواكن. والثالثة: تسخير قدرات البحرية السعودية لخدمة الهدف الإنساني بإنقاذ العالقين من المواطنين السعوديين والرعايا الأجانب في السودان. وأخيراً الاستقبال المباشر وتهيئة الأوضاع للقادمين من أراضي الصراع إلى السعودية.
غياب إحصاءات مؤكّدة لعمليات الإجلاء التاريخية
لا تسجّل الإحصاءات أرقاماً قاطعة حول عمليات الإجلاء خلال الحروب والكوارث الطبيعية التي عصفت بالمنطقة، لكنها تحتفظ، وفقاً لمراقبين، باستثنائية تنظيم عمليات الإجلاء التي جرت في الكويت بعد الغزو العراقي عام 1990، وأفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها في سبتمبر (أيلول) 2021، ووصفها وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيّان بـ«أكبر عملية إجلاء في التاريخ الأميركي»، فضلاً عن عمليات الإجلاء الدولية الجماعية بعد انتشار فيروس «كوفيد – 19»، منتصف عام 2020.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.