- علي القماطي
- بي بي سي عربي
في السابع عشر من فبراير شباط عام 2011 انطلق حراك شعبي في ليبيا ضمن ما عُرف حينها بثورات الربيع العربي، لكن سرعان ماتحول هذا الحراك لصراع مسلح، بعد أن تصدت كتائب نظام القدافي الأمنية للمحتجين بقوة السلاح.
“الثورة كانت ضرورة وحتمية” هكذا يرى عادل الحاسي أحد الأسماء التي لمعت خلال الحرب التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، والتي انطلقت في السابع عشر من فبراير شباط عام 2011.
الحاسي شارك في تظاهرات سلمية، وحمل السلاح حين اقتضى الأمر ذلك، وسلم سلاحه في أول فرصة عقب أول انتخابات في البلاد ظناً منه أن المشكلات ستنتهي بإزاحة القذافي، وانتخاب جسم تشريعي جديد للبلاد، غير أن المشكلات لا سيما السياسية، تفاقمت وتعقدت على مدى الاثني عشر عاماً الماضية.
سياسياً، وحدت القوى المعارضة للقذافي والتي تستقر خارج البلاد صفوفها وشكلت مجلسا وطنيا انتقاليا لحشد التأييد الدولي للحراك المطالب باسقاط نظام القدافي في البلاد، واستطاع ذلك المجلس الانتقالي أن يقنع مجلس الأمن الدولي باعتماد قانون يجيز تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) لحماية المدنيين في ليبيا، بالإضافة إلى توفير السلاح للمقاتلين على الأرض.
بعد ستة أشهر استطاع مقاتلو المجلس الانتقالي السيطرة على العاصمة طرابلس، وأعلن المجلس تحرير البلاد من نظام القذافي، وبعد ذلك بشهرين وبالتحديد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 استطاع مقاتلو المجلس الانتقالي القبض على القذافي وقتله بمساعدة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
مرحلة انتقالية أولى
بدأ المجلس الانتقالي بعد إعلان تحرير البلاد بالتحضير لانتخابات تشريعية هي الأولى منذ أكثر من أربعة عقود، وتم تنظيم عملية اقتراع في شهر يوليو/تموز 2012، شارك فيها أكثر من مليوني ناخب ليبي من أصل 2.9 مليون يحق لهم الانتخاب، لاختيار مئتي عضو للمؤتمر الوطني في البلاد والذي مثل الجهة التشريعية في ليبيا، وفقا لإعلان دستوري ينظم العملية السياسية في البلاد.
ترى الدكتورة عبير أمنينة، الأستاذة المشاركة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بنغازي، في حديث لبي بي سي، أن المؤتمر الوطني حينها لم يكن يملك القرار، بل كان تحت سيطرة الجماعات المسلحة، حيث أقر عدة قوانين ساهمت في تعقيد الأزمة السياسية، من بينها قانون العزل السياسي الذي أقصى عدة شخصيات سياسية لعلاقتها بنظام القدافي.
على الأرض، كانت مؤسسات المجتمع المدني غير راضية عما يجري تحت قبة المؤتمر الوطني، إذ يصف عادل الحاسي مرحلة المؤتمر الوطني العام على أنها مرحلة حاولت خلالها شخصيات وأطياف سياسية استغلال الثورة، وحاولت تسييسها للحصول على مكاسب شخصية، لتُطلق منظمات المجتمع المدني حراكاً واسع النطاق تحت اسم “لا للتمديد” مطلع عام 2014 للمطالبة بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع، شكل المؤتمر الوطني لجنةً دستوريةً سُميت بـ “لجنة فبراير” نسبة للشهر الذي بدأت عملها فيه، وضمت برلمانيين وقانونيين لصياغة مقترح لتعديل الإعلان الدستوري، وتنظيم انتخابات مبكرة، لكن الخلافات ألقت بظلالها على عمل تلك اللجنة.
تقول الدكتورة عبير امنينة، إن اللجنة القانونية لم تسلم من سيطرة الجماعات المسلحة عليها، فاختارت القفز إلى الأمام بعد أن وصلت إلى طريق مسدود فيما يخص شروط ترشح رئيس للبلاد، فأصدرت اللجنة قانوناً ينظم انتخابات برلمانية، وأحالت مشكلة انتخاب رئيس للبلاد للجسم التشريعي القادم حتى تُخرج نفسها من المأزق.
شهر يونيو حزيران عام 2014 كان شهرا حافلا بالانتخابات في ليبيا، ففي 20 يونيو/حزيران انتخب الليبيون أعضاء هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دائم للبلاد، وعادوا مرة أخرى لصناديق الاقتراع في 25 من الشهر نفسه لانتخاب أعضاء مجلس النواب، الجسم التشريعي الجديد في البلاد.
بعد انتخاب مجلس النواب لم يستطع المجلس الجديد عقد جلسة في مقره في العاصمة طرابلس، بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على غرب البلاد، واختار مدينة طبرق شرقي ليبيا كمقر مؤقت لعقد جلساته، في حين عاد المؤتمر الوطني لعقد جلسات في طرابلس تحت حماية الجماعات المسلحة، ليعلن نفسه برلماناً موازياً في ليبيا، في أول خطوة لتقسيم البلاد سياسياً، وفي وقت كانت فيه الأزمة الأمنية، ومازالت مشكلة وسبباً لجميع الأزمات الأخرى في البلاد، وهو التفسير المشترك لكل من الحاسي وامنينة لما يجري حالياً في ليبيا، فكل منهما يرى أن قوة السلاح والجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة، كانت سبباً في كل المشكلات السياسية التي حدثت.
قنبلة موقوتة
منذ بداية الأزمة في ليبيا، شكلت الأمم المتحدة بعثة ً سياسية ً لمساعدة ليبيا على الانتقال الديمقراطي للسلطة خاصة وأن الحراك الشعبي فيها تحول إلى عسكري، وكانت أول خطوة فعلية للبعثة الأممية هي إطلاق حوار وطني بين الأطراف السياسية لرأب الانقسام الذي حدث في 2014، فجمعت ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني وشخصيات فاعلة في الدولة، لإجراء جولات حوار انطلقت من مدينة غدامس جنوبي ليبيا، ثم انتقلت إلى جنيف في سويسرا، ثم الصخيرات في المملكة المغربية.
وبعد جولات عدة، وقعت الأطراف الليبية بالأحرف الأولى على اتفاق سياسي في 11 يوليو/تموز 2015 ينظم مرحلة انتقالية ثالثة في البلاد عبر حكومة وفاق وطني يرأسها مجلس رئاسي بقيادة فايز السراج، مهمتها تمهيد الطريق لصياغة دستور دائم، بالإضافة إلى إنهاء الوجود العسكري في البلاد.
“الاتفاق السياسي أو اتفاق الصخيرات أُجهض قبل أن يرى النور”، هكذا تنظر الدكتورة عبير امنينة لذلك الاتفاق الذي اعتبرت أنه نص على “قنبلة موقوتة” أثارت نزاعاً سياسياً استمر حتى اليوم، وتمثلت في بند صلاحيات القائد العام للجيش والتي يتمسك مجلس النواب بمنحها لقائد قوات شرق ليبيا المشير خليفة حفتر، في حين يتمسك المعارضون لهذه الفكرة بمنح تلك الصلاحيات لرئيس الحكومة فايز السراج في تلك المرحلة.
الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات أعاد أيضا هيكلة الأجسام التشريعية، إذ منح لمجلس النواب صفة تشريعية باعتباره آخر جسم منتخب في البلاد، في حين منح المؤتمر الوطني العام صفة استشارية تحت اسم مجلس الدولة، وأوكل للجسمين مهمة صياغة قاعدة دستورية تنظم انتخابات رئاسية وبرلمانية دائمة في البلاد، لكن المدة الزمنية التي نص عليها الاتفاق انقضت دون أن تنجز الأطراف المذكورة فيه أيّاً من مهامها.
في الرابع من أبريل نيسان 2019، أطلق قائد قوات شرق ليبيا المشير خليفة حفتر حملة عسكرية باتجاه العاصمة طرابلس “لتخليصها من الجماعات المسلحة”، وإنهاء حكم حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج والتي انتهت صلاحيتها بموجب الاتفاق السياسي “الصخيرات”.
أطلقت الأمم المتحدة حواراً جديداً في ليبيا تحت اسم “منتدى الحوار الوطني” لإنهاء حالة الانسداد السياسي الذي تمر به ليبيا، وسرعان ما اتفق المشاركون في هذا الحوار على تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، لإنهاء الانقسام في البلاد، وتم تحديد 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 موعدا لإجراء انتخابات في البلاد كضمان لنجاح ذلك الاتفاق على المدى القصير، وضمان انتهاء المراحل الانتقالية على المدى الطويل في البلاد.
انتخابات مستحيلة
المعضلة الكبيرة في ليبيا تبقى ذاتها، وهي عدم وجود قاعدة دستورية لإنجاز الانتخابات في ظل وجود تشكيلات مسلحة تسيطر على السياسيين، وهو ما كان عائقاً أمام إنجاز الانتخابات في موعدها المحدد، وتقول الدكتورة عبير امنينة إن هذه المرحلة سيطرت عليها أيضا المصالح السياسية التي أعاقت إنجاز قاعدة دستورية للبلاد، إذ إن السياسيين الموجودين في صدارة المشهد الآن، يخشون أن تنتج الانتخابات عملية سياسية تُقصيهم.
ويبدو أن ليبيا الآن تتجه نحو مرحلة انقسام جديدة بعد أن شكل السياسي الليبي فتحي باشاغا حكومة موازية نهاية عام 2021، تحظى بدعم قائد قوات شرق ليبيا، وتحاول انتزاع السلطة من حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
ومع كل ما تمر به ليبيا من صراع سياسي، يرى عادل الحاسي أن الأمل مازال قائما لبناء دولة ليبية، معولا على الأجيال القادمة لبناء الدولة، في حين تقول الدكتورة عبير امنينة إن الحل الوحيد في ليبيا، هو حوار وطني شفاف، بعيد عن المحاصصة ولا يخضع لضغط الجماعات المسلحة.
من جانبها لم تفقد الأمم المتحدة الأمل في أن يتفق الليبيون فيما بينهم، إذ أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي عن جولات جديدة من الحوار السياسي تنطلق خلال الأشهر القادمة، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة في ليبيا.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.