لما حاصر أبو جعفر المنصور ابن هبيرة، قال: إن ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء. فبلغ ذلك ابن هبيرة، فأرسل إلى المنصور: أنت القائل كذا وكذا؟ فاخرج إليَّ لتبارزني حتى ترى. فكتب إليه المنصور: ما أجد لي ولك مثلاً إلا كأسد لقي خنزيراً، فقال له الخنزير: بارزني، فقال الأسد: ما أنت لي بكفء، فإن نالني منك سوء كان ذلك عاراً عليّ، وإن قتلتك قتلت خنزيراً، فلم أحصل على حمد، ولا في قتلي إياك فخر، فقال له الخنزير: إن لم تبارزني لأعرفن السباع أنك جبنت عني. فقال الأسد: احتمال عار كذبك أيسر من تلويث راحتيّ بدمك.
وهناك رجل رفع فيه عند المنصور بأن عنده أموالاً لبني أمية، فأمر بإحضاره، فلما حضر قال المنصور: رُفع إلينا أن عندك ودائع وأموالاً وسلاحاً لبني أمية، فأخرجها لنا لنجمع ذلك إلى بيت المال. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين أنت وارث لبني أمية؟ قال: لا، قال: فلم تسأل إذن عما في يدي من أموال بني أمية ولست بوارث لهم ولا وصياً؟
كما دخل عمارة بن حمزة يوماً على المنصور في مجلسه، فقام رجل وقال: مظلوم يا أمير المؤمنين. فسأله: ومن ظلمك؟ رد عليه الرجل: إنه عمارة بن حمزة، غصبني ضيعتي. فقال المنصور: يا عمارة، قم فاقعد مع خصمك. فرد عليه عمارة: ما هو لي بخصم، إن كانت الضيعة له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد وهبته إياها.
دخل شاب على المنصور فسأله عن وفاة أبيه، فقال: مات، رحمه الله، يوم كذا، وكان مرضه، رضي الله عنه، كذا وكذا، وترك من المال، عفا الله عنه، كذا وكذا. فانتهره الربيع – وكان لقيطاً – وقال له: أبين يدي أمير المؤمنين توالي الدعاء لأبيك؟ فقال الشاب: لا ألومك يا هذا؛ فأنت لم تعرف حلاوة الأبوة. فضحك المنصور ضحكاً لم أسمعه من ملك من قبل.
دخل ابن هرمة على المنصور وامتدحه، فقال له المنصور: سل حاجتك. قال: تكتب إلى عاملك بالمدينة إذا وجدني سكران فلا يحدني. فقال له المنصور: هذا حد لا سبيل إلى تركه، ثم قال لكاتبه: اكتب إلى عاملنا بالمدينة من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاجلده ثمانين، واجلد الذي جاء به مائة. فكان رجال الشرطة يمرون عليه وهو سكران فيقولون: من يشتري ثمانين بمائة؟ فيمرون عليه ويتركونه. صدق من سمّاه (ابن الهرمة)، بل إنه من وجهة نظري (ابن ستين هرمة).
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.