كان أندرو بوير، المدير التنفيذي لشركة “رويس ليزر” للمصنوعات الجلدية في نيوجيرسي بالولايات المتحدة، بحاجة إلى تحفيز العاملين لديه في الشركة، والذين كان يُطلب منهم العمل لنحو تسع أو عشر ساعات يوميا.
ولاحظ بوير أنه كلما طالت ساعات العمل، كانت إنتاجية العاملين تتراجع، ولذا قرر بعد أن تولى مسؤولية الشركة من والده تقليص ساعات العمل المطلوبة من العاملين في خط التجميع بالمصنع، والذين كان عددهم 15 عاملا، بمعدل ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا، وذلك وفقا لموقع كل عامل والمهام الموكلة إليه. كما استمر العمال في أخذ أوقات الراحة المعتادة أثناء العمل، والتي تتضمن 45 دقيقة لتناول وجبة الغداء.
كان الأمر الذي يهدف إليه بوير هو دعم الكفاءة في العمل، وليس خفض المرتبات، حتى أنه رفع نسبة تعويض العاملين في ذلك الفريق بنحو 15 في المئة. وعندما تحول العمال إلى نظام العمل لسبع ساعات يوميا، أثمرت الفكرة، وزاد إنتاج العاملين على خط التجميع بالمصنع من 10 إلى 15 في المئة، فضلا عن أن العمال أعربوا عن تقديرهم وترحيبهم بتلك الفكرة التي أتاحت لهم فرصة العودة مبكرا إلى منازلهم.
وتصدرت فكرة تخفيض ساعات العمل من أجل تحفيز العاملين وزيادة الإنتاجية العناوين الرئيسية في عدة صحف مؤخرا بعد أن تبنتها مدينة غوتنبرغ في السويد. ففي الأول من يوليو/تموز، بدأت المدينة تطبيق تجربة العمل لست ساعات يوميا فقط، ولمدة عام، وحددت شرائح من الموظفين للعمل أقل من 8 ساعات يوميا، وذلك مقابل نفس الأجر.
وكان الهدف من ذلك هو أن ينجز العاملون مهامهم في ست ساعات فقط، مع تحسين الكفاءة، وتقليل الاجازات المرضية. إنها فكرة جيدة، ولكن هل سيتحقق الغرض منها؟
تجارب متباينة
أظهرت الدراسات التي أجريت على محاولات نفذتها عدة دول لخفض ساعات العمل نتائج متباينة؛ إذ أشارت دراسة أجرتها منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ونشرتها مجلة الإيكونوميست العام الماضي أنه كلما زادت ساعات العمل، كلما قلت إنتاجية العاملين.
لكن دراسة أخرى أجريت العام الماضي في كوريا الجنوبية، ونشرت في دورية “دراسات السعادة” (Happiness Studies)، أظهرت أن الموظفين يقدرون نظام ساعات العمل الأقل من الناحية النظرية فقط، أما من الناحية العملية، فقد وجد الباحثون أن تخفيض ساعات العمل في عام 2004 من 44 ساعة إلى 40 ساعة، لم يساعد كثيرا في تحسين مستوى الرضا لدى العاملين. إذ تبين أن منح العاملين وقتا أقل لإنجاز نفس المهام المطلوبة قد زاد من الضغط النفسي عليهم، وأن حجم العمل بالنسبة للموظفين الأكثر كفاءة كان أكثر مما يمكنهم إنجازه.
وفي عام 2005 ألغى مجلس حي مدينة كيرونا في السويد مرسوما استمر العمل به نحو 16 عاما، والذي كان يقضي بالعمل لست ساعات في اليوم لصالح 250 موظفا، وذلك بزعم أن ذلك البرنامج يكلف كثيرا، وأنه يصعب إدارته بسبب طبيعته المتشعبة. وبحسب المجلس المحلي لمدينة كيرونا، فإن إدارة نظامين مختلفين للعمل – أحدهما ست ساعات والآخر ثماني ساعات يوميا- قد أصبح أمرا معقدا جدا.
وقد ذكر الموقع الإخباري الأوروبي “ذا لوكال” أن تجربة مماثلة في أحد مستشفيات العاصمة السويدية ستوكهولم قد أثارت حالة من السخط في صفوف الموظفين الذين لم تخفض ساعات عملهم.
وتقول مؤلفة كتاب (تأقلم مع الأمر: اجعل ما يهمك يحدث كل يوم)، وليامز يوست: “في اقتصاد العولمة التنافسي، أجد أن النماذج الجامدة، وتلك التي تعتمد على مفهوم القالب الواحد الذي يناسب الجميع، يصعب تطبيقها حرفيا.”
الآثار السلبية لخفض ساعات العمل
ويتفق مع ذلك الرأي كيني كلاين، من مؤسسة “ميدبريبس” (MedPreps) التعليمية لإعداد الدارسين في مجال الطب، والذي طبق في عام 2012 نظاما لتقليص ساعات العمل لنحو 20 موظفا في مؤسسته، دون أن يخفض رواتبهم، لكن تجربته باءت بالفشل بعد أن استمرت لأربعة أشهر فقط.
وقد ثبت أن إعطاء أولئك الموظفين ست ساعات فقط للعمل يوميا قد غير من الثقافة المتبعة في الشركة نحو الأسوأ، على حد قول كلاين.
ويقول كلاين إن الموظفين عملوا بشكل أكثر جدية، وإنه كان يحصل على المزيد من الإنتاجية منهم، لكنهم لم يتفاعلوا مع بعضهم البعض على الإطلاق، وكانوا أقل سعادة في العمل.
فمع تقليص الوقت المحدد لتناول الغداء، وأوقات الراحة الأخرى، توقفت تماما روح العلاقات الوثيقة التي كان ينعم بها موظفو الشركة، والتي كانت سائدة بينهم قبل ذلك.
ويفسر أندرو بوير، من شركة “رويس ليزر”، ذلك بأن بعض العاملين بحاجة إلى مزيد من الوقت لتحقيق الإنتاجية المطلوبة، مما دفعه لتخفيض ساعات العمل الخاصة بفريق الإنتاج لديه، ومنح أعضاء فريق التطوير والتصميم بالشركة زيادة في رواتبهم، وشجعهم على العمل لعشر ساعات يوميا بدلا من الثماني ساعات المعتادة. والهدف من وراء ذلك هو منحهم فرصة لابتكار أفكار جديدة، ولتشجيع التعاون بين أعضاء الفريق في مساحة زمنية أكبر.
ويقول بوير: ” الزيادة في الوقت جعلت الأجواء في الشركة أكثر راحة، وقللت كثيرا من التوتر، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة إنتاجية كل عامل منهم.”
كلمة السر: المرونة
وتقول ويليامز يوست إنه لكي ينجح نظام العمل لساعات أقل يتعين على الشركات التعامل مع فكرة تغيير نظام ساعات العمل بصورة مرنة واسترشادية يمكن تعديلها لتلائم الاحتياجات المختلفة للعمل والعمال.
وتتسائل يوست: “ماذا عن الأعمال التي ينبغي إنجازها في فترات زمنية تكون فيها أماكن العمل قد أغلقت أبوابها؟ وماذا عن الشركات التي تراكم العمل إلى 40 ساعة أسبوعيا على الموظفين الذين تدفع لهم مقابل 30 ساعة فقط من أجل إنجاز ذلك العمل؟”
أما بالنسبة لجودي غرينستون ميللر، المدير التنفيذي والمؤسس المشارك لمجموعة “بيزنيس تالانت” العالمية للاستشارات، والذي يعمل معه 75 شخصا من الذين اختاروا العمل لعشر ساعات، أو 20 أو 30 أو 40 ساعة أسبوعيا (مقابل أجر تعويضي مناسب)، فإن معرفة المدة الزمنية التي تستغرقها المهمة المطلوبة من كل عامل على حدة تعد أمرا أساسيا في ذلك السياق.
ويقول ميللر: “إذا اشتغل الناس أكثر من اللازم ينتهي بهم الأمر إلى عدم الرضا.”
وتتفق مع هذا الطرح ديبي كاريو، المديرة التنفيذية ومؤسسة شركة “كالغاري” لتطوير الموارد البشرية، ومقرها مقاطعة ألبيرتا بكندا. ولمواجهة مشكلة تثاقل الموظفين في أداء عملهم، وكمثال لعشرات الشركات الكندية والأمريكية التي توفر شركة “كالغاري” المساعدة لها، ينجز فريق تلك الشركة المكون من 12 شخصا معظم مهام العمل في الفترة ما بين التاسعة صباحا والثالثة بعد الظهر.
وتقول كاريو: “لا يصبح الناس منتجين بعد أسبوع من العمل يصل إلى 37 ساعة.”
وتضيف: “المزيد من الوقت لا يعني أن ذلك أفضل.”
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.