فالحرب الأكثر أهمية بين الولايات المتحدة والصين في السنوات القليلة الماضية لم تكن حرب الرسوم الجمركية التي بدأها دونالد ترامب في العام 2018 كما يعتقد البعض، بل هي الحرب التكنولوجية التي بدأت في عهد سلفه بارك أوباما، وفقاً لخبراء اقتصاد أكدوا أن لهذه الحرب جانبين الأول منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة عن طريق منع نقل التكنولوجيا والثاني تعظيم الفجوة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.
بحسب، مؤسس شركة التكنولوجيا الصينية رن تشانغ فاي، فإن هواوي أوجدت بدائل صينية محلية لأكثر من 13 ألف مكون في منتجاتها تأثرت بالعقوبات التجارية الأميركية، وأعادت تصميم أربعة آلاف من لوحات الدوائر الكهربائية لمنتجاتها.
وكانت الولايات المتحدة قد وسعت خلال الأعوام الأربعة الماضية، حربها الاقتصادية على الصين، من خلال التعريفات الجمركية، وضوابط التصدير، والقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي، وأدرجت الإدارة الأميركية في عام 2020، الشركات العاملة في صناعة التكنولوجيا بالصين ضمن قائمة سوداء، يحظر على الشركات الأميركية وتلك التابعة لحلفائها التعامل معها، كما صعّدت إدارة الرئيس بايدن حربها الاقتصادية بشكل كبير في أكتوبر 2022 من خلال سن عقوبات بتقييد عملية تصدير أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.
ما هي الرقائق الإلكترونية؟
الرقائق الإلكترونية هي مكونات صغيرة دقيقة تنتج من السليكون وتدخل في معظم الصناعات المتطورة، مثل الهواتف والحواسب والسيارات وغيرها، وتشكل أساس الدائرة التي تمنحها قدراتها الفائقة، حيث يستغرق تصنيع الرقاقة أكثر من 3 أشهر، وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرف بتجهيزات خاصة وآلات بملايين الدولارات.
وتخطط الصين لضخ استثمارات نحو 143 مليار دولار في صناعة الرقائق المحلية، في خطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات ولمواجهة تحركات أميركية تستهدف إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني. حيث تتضمن خطط بكين إعفاءات ضريبية وحزم حوافز لمدة 5 سنوات، وإعانات وقروض لدعم أبحاث وإنتاج أشباه المواصلات، في حين استثمرت هواوي 23.8 مليار دولار في البحث والتطوير خلال 2022.
حرب تكنولوجية
الخبير الاقتصادي عبدالله الشناوي يؤكد في تصريحات لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية أن “الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بدأت في نهاية عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما وازدادت وتيرتها خلال رئاسة دونالد ترامب وتصاعدت أكثر في ظل إدارة جو بايدن، وهذه الحرب التكنولوجية الأكثر أهمية من حرب الرسوم الجمركية، ولها جانبان الأول يتجلى في منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة (مع كل الآثار الاقتصادية والعسكرية المرتبطة بذلك) عن طريق منع نقل التكنولوجيا، بينما يتعلق الجانب الثاني بتعظيم الفجوة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين”.
ويشرح الدكتور الشناوي أن “حرب الرقائق تمثل نقطة اشتعال جديدة في العلاقات الأميركية الصينية حيث أشار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن ضوابط تصدير التكنولوجيا ستكون خط الدفاع الأول ضد القوى العظمى المنافسة مثل الصين وروسيا، لذلك يشهد العالم حالياً صراعاً جديداً تم إبرازه على أنه حرب الرقائق، وتشبه هذه الحرب الجديدة الصراع بين أوكرانيا وروسيا، فقد دخلت الولايات المتحدة والصين في منافسة شرسة على صناعة الرقائق، حيث تعتمد أنظمة الدفاع الأميركية والصينية اعتماداً كبيراً على أشباه الموصلات في الصراع في المستقبل لذلك فإن المنافسة الشرسة المستمرة على صناعة أشباه الموصلات بين الولايات المتحدة والصين لها تداعيات طويلة الأجل في الجغرافيا السياسية”.
سباق أشباه الموصلات
وتُعرف أشباه الموصلات بأنها مواد صلبة بلورية تمتلك قدرة متوسطة على توصيل الكهرباء، بحيث لا توصل الكهرباء بكفاءة المواد الموصلة لكنها ليست أيضاً من المواد العازلة، وتمتاز بكفاءتها في مجال الطاقة، وتستخدم على نطاق واسع في صناعة الأجهزة الإلكترونية وكل ما يتعلق بحياة البشر من أجهزة الكمبيوتر إلى الأجهزة الطبية والمنزلية والألعاب والسيارات وحتى الصناعات العسكرية.
وتعد الولايات المتحدة الدولة الرائدة في سباق أشباه الموصلات في السوق العالمية التي بلغت قيمة حصتها السوقية أكثر من 200 مليار دولار في عام 2020، وهي أيضاً تقوم بتصدير أشباه الموصلات بنسبة 50 بالمئة من السوق العالمية، وفي الأساس، تعد أشباه الموصلات أكبر الصادرات من الولايات المتحدة وتستثمر أكثر من خمس المبيعات في البحث والتطوير، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الأعمال الصيدلانية، ولا تزال أميركا تعتمد على تايوان لتصدير أشباه الموصلات. من ناحية أخرى أصبحت الصين الآن مشاركاً رئيسياً ناشئاً في سباق أشباه الموصلات، وتتوسع صناعة أشباه الموصلات منذ عام 2015، حيث تأمل جمعية صناعة أشباه الموصلات في أن تتفوق الصين على تايوان بحلول عام 2030 بحصة سوقية تبلغ 24 بالمئة وبدعم من مبادرة “صنع في الصين 2025″، طبقاً لما قاله الدكتور الشناوي.
كيف تحاول أميركا إعاقة تقدم الصين في الرقائق؟
يجيب الدكتور الشناوي على هذا التساؤل من خلال النقاط التالية:
- وضعت أميركا ضوابط تصدير شاملة بحيث يصعب على الشركات بيع الرقائق ومعدات تصنيعها والبرامج التي تحتوي على التكنولوجيا الأميركية الى الصين، كما حظرت ومنعت المواطنين الأميركيين والمقيمين الدائمين من دعم وتطوير إنتاج الرقائق في مصانع معينة في الصين وهذا يضرب الاقتصاد الصيني بشده في هذا المجال.
- تم تقديم 53 مليار دولار منح وإعانات للشركات التي تصنع أشباه الموصلات في أميركا.
- أوقفت شركه آبل صفقات شراء الرقائق من واحدة من أنجح الشركات في الصين في أعقاب القيود وتنوي أمريكا توسيع النطاق يشمل كل الشركات الى جانب الشركات الفردية الصينية.
أما الرد الصيني فقد تمثل بما يلي:
- تقديم شكوى لمنظمه التجارة العالمية وهذا سوف يستغرق سنوات عدة ولذلك سوف تركز الصين على الاحتياجات الاستراتيجية الوطنية وتجمع القوى لإجراء البحوث العلمية والتكنولوجية المحلية الرائدة ويرى الرئيس الصيني انه سينتصر في معركة التقنيات الأساسية.
- رفعت الصين تأمين سلاسل التوريد إلى أعلى أولوياتها.
- تعزيز القوة التكنولوجية.
- تخطيط الابتكار الوطني القائم على الأمن.
- بدعم من مبادرة” صنع في الصين 2015″ التهمت الصين تايوان في مجال صناعة أشباه الموصلات خلال العامين الماضيين، وتستمر صناعة أشباه الموصلات في التقدم عن 9 بالمئة وقد تصل مبيعاتها إلى 114 مليار دولار بحلول عام 2024.
من سيفوز في حرب الرقائق؟
أصبحت حرب الرقائق الآن حرباً أكثر من كونها صراعاً جيوسياسياً وبالتالي من الصعب للغاية تحديد الفائز في حرب الرقائق، نظراً لأن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة العالمية، فإن بعض الدول ستحاول تكوين تحالف مع الولايات المتحدة وحلفائها، ويمكن القول أن الولايات المتحدة ستهيمن على تكنولوجيا أشباه الموصلات للذكاء الاصطناعي والتركيب العسكري بينما تأخذ الصين زمام المبادرة في مجال الإلكترونيات الدقيقة مثل الحوسبة السحابية والأجهزة الإلكترونية، بحسب الشناوي، الذي أكد أنه لن يكون هناك رابحون أما المستهلكون فهم الخاسرون في النهاية.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي: “اذا كانت الصين قد حققت أي فوز فهو على المدى القصير وفي معركة واحدة، لأن هناك حرباً تكنولوجية أكبر دائرة بين العملاقين الصين والولايات المتحدة و حلفائها، ولايمكن لأحد الجزم بمن سينتصر في هذه الحرب ولكن ستكون الأمور سجالاً من منتج تكتيكي إلى آخر، فهذه المعارك مستمرة ومتغيرة طوال الوقت، وتتعلق المعركة حاليا بنقص الرقائق الإلكترونية الذي يشهده العالم حالياً، حيث تمتلك الصين دوراً مهماً في إنتاج هذه الرقائق وتوريدها للعالم بأسره، وتحاول الولايات المتحدة الآن توفير مزيد من الدعم لصناعة الرقائق الأميركية لتعزيز التنافسية وتخفيض الاعتماد على الصين في هذا المجال”.
ويوضح القمزي أن “الحرب دخلت الآن مجال التكنولوجيا الفائقة وقد تنجح الولايات المتحدة وحلفاؤها في تأخير تقدم الصين للوصول إلى الرقائق الدقيقة وتعطيل تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية ولكن في النهاية ستصل الصين إلى ذلك فهي لا تقل في قدراتها العلمية عن الولايات المتحدة الأميركية ولكن ما يؤثر عليها هو النظام الاقتصادي المركزي الذي يقرر توجهات الاستثمار المالي وميزانيات الإنفاق في هذه المجالات بعكس الولايات المتحدة ذات اقتصاد أكثر حرية يقود السوق نفسه توجهات الاستثمار حسب الطلب”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.