هذا دفع الحكومة لاتخاذ سلسلة من التدابير لدعم تنافسية الصناعة ومحاولة الحد من هجرة الصناعيين إلى دول أخرى توفر مصادر طاقة أرخص.
وفيما يعيش القطاع الصناعي في رابع أكبر اقتصاد بالعالم مرحلة انكماش حالياً، كشفت الحكومة الألمانية، عن خطة وصفتها بـ “الضخمة” لتقليص تكلفة الكهرباء على القطاع من خلال تخفيضات ضريبية كبيرة ودعم حتى العام 2028.
ولكن خبراء اقتصاد وطاقة استبعدوا في تصريحات خاصة لـ “موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن تنقذ هذه الخطة مستقبل الصناعة على المدى القصير، ولكنها قد تقنع المصنعين بالبقاء في البلاد بدلا من نقل مصانعهم إلى دول أخرى.
وتنص خطة الدعم، التي تبلغ نحو 12 مليار يورو (نحو 13 مليار دولار) خلال العام المقبل وحده، على “خفض الضريبة على الكهرباء بشكل كبير” في قطاع الصناعة، من خلال تخفيضها من 1,537 سنت لكل كيلووات ساعة إلى الحد الأدنى الأوروبي البالغ 0,05 سنت لكل كيلوواط ساعة، على أن يستمر التخفيض “حتى العام 2025” وقد يُمدّد “ثلاث سنوات” إضافية، بحسب بيان أصدرته الحكومة أخيراً.
ووفقاً للخطة، ستستفيد الشركات الأكثر استهلاكاً للطاقة و”الأكثر مواجهة للمنافسة الدولية” من تمديد التدابير “لمدة خمس سنوات”.
وكانت ألمانيا تعتمد لسنوات طويلة على الغاز الروسي المنخفض التكلفة للتزوّد بالطاقة، لكنها استغنت عنه على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في فبراير 2022، لترتفع أسعار الكهرباء على الشركات المصنعة بشكل كبير، وهو ما هدد قطاع الصناعة في البلاد ودفع الكثير من المصانع وخصوصاً صناعة المواد الكيميائية لنقل أعمالها إلى دول أخرى مثل تركيا والصين.
وسجل الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا انكماشاً بنحو 0.1 في المئة خلال الربع الثالث من العام الجاري على أساس ربع سنوي، مقارنة بالربع الثاني من عام 2023، بينما كان الأداء الاقتصادي في الربع الثاني من عام 2023 قد ارتفع بشكل طفيف وبنسبة 0.1 بالمئة، بعد الركود في الربع الأول من عام 2023، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الاتحادي الألماني.
وتتوقع الحكومة الألمانية حدوث ركود اقتصادي بنسبة 0.4 بالمئة هذا العام، كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون ألمانيا الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تعاني من ركود هذا العام.
ألمانيا تخسر أهم شريان في اقتصادها
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي: “الاقتصاد الألماني مهدد بشكل كبير للمرة الأولى منذ توحيد ألمانيا في العام 1990، حيث استعادت ألمانيا مرة أخرى لقب “رجل أوروبا المريض”، ليصبح رابع اقتصاد في العالم مهدداً بالتراجع إلى المرتبة الخامسة ليحل مكانه الاقتصاد الهندي، وهذا كله بسبب فقدان البلاد لأهم شريان في اقتصادها وهو الطاقة رخيصة الثمن التي كانت تأتي من روسيا”.
ويوضح الشوبكي أن كل محاولات الحكومة الألمانية لدعم مستقبل الصناعة والتخفيضات الضريبية الرامية إلى تقليص تكلفة الكهرباء وخصوصاً خطة الـ 12 مليار يورو، قد يكون لها بعض النتائج على المدى الطويل، ولكن حتى الآن هذه المحاولات لا ترقى لأن تقلل تكاليف الطاقة، إذ سيعاني الاقتصاد الألماني ربما لنحو خمسة أعوام مقبلة في ظل فقدانه لأهم مدخل للإنتاج والذي تحتاجه أي دولة صناعية، وهو ما يؤدي إلى تدني تنافسية البضائع في الأسواق المحلية والأوروبية والعالمية.
ولكن، حتى لو كان هناك نية لتخفيض فاتورة الطاقة بالشكل الذي برز في الخطة التي كشفت عنها الحكومة مؤخراً، فهذا سيخلق ديونا على الدولة، وسيتسبب بعجوزات في الموازنة وسيؤدي إلى اختلال الميزان التجاري للاقتصاد الألماني، طبقاً لما قاله الشوبكي.
لا يوجد مصدر طاقة رخيص على المدى القصير
ورداً على سؤال فيما إذا كانت خطة الدعم والتخفيضات الضريبية الأخيرة ستترك تأثيرات إيجابية قصيرة المدى على الصناعة الألمانية قال مستشار الطاقة الدولي: لا يوجد مصدر طاقة رخيص على المدى القصير يعوض العبء على الصناعة، فوجود طاقة رخيصة للمواطنين والمؤسسات وللقطاعات هذا يعني أن الحكومة تدعم وتخفض الأسعار وهذا لا يسمى تخفيض فاتورة الطاقة، بل هو فقط إزاحة العبء من فاتورة المواطن إلى فاتورة الحكومة وبالتالي ترتيب أعباء وديون وعجز”.
ويضيف الشوبكي: “تعد ألمانيا من الدول التي ترفض حتى الآن الطاقة النووية وبالتالي مصادرها الوحيدة في المستقبل إذا لم تفضل الرجوع إلى الغاز والنفط الروسي باعتباره السبيل الوجيد لنمو اقتصادها بشكل صحي لرخص ثمنه، فسيكون بالتأكيد الغاز والنفط في الأسواق العالمية بأسعار مرتفعة وكذلك الطاقة المتجددة التي لا تزال غير اعتمادية وغير موثوقة ونسبتها لا تتجاوز الـ50 بالمئة من خليط الطاقة، ما يعني لن يكون هناك طاقة رخيصة على المدى القصير حتى لو قدمت الحكومة الدعم لأنه سيكون على حساب الموازنة وتراكم الدين العام”.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي: “من الممكن أن تشكل المبادرة التي اتخذتها الحكومة الألمانية لتخفيف تكاليف الكهرباء المرتفعة لقطاعها الصناعي من خلال تخفيضات ضريبية كبيرة ودعم خطوة مهمة في تخفيف الركود، فمن خلال خفض ضريبة الكهرباء من 1.537 سنتًا لكل كيلوواط/ساعة إلى الحد الأدنى الأوروبي البالغ 0.05 سنتًا، واستمرار هذه التخفيضات حتى عام 2025 مع تمديد إضافي لمدة ثلاث سنوات، تهدف الخطة إلى توفير التكاليف للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وخاصة تلك التي تستهلك طاقة كبيرة مثل الصناعات الكيماوية”.
ويوضح القمزي أن هذه الخطوة يمكن أن تنجح في إقناع المصنعين الألمان بالبقاء في البلاد بدلا من نقل مصانعهم إلى مناطق أخرى مثل الولايات المتحدة وغيرها.
وهذا يُبرز الضغط الذي تتعرض له ألمانيا التي اعتمدت بشكل كبير ولمدة طويلة على الغاز الروسي الذي توقف بعد الحرب الروسية الأوكرانية مما أدى الى ارتفاع تكاليف الكهرباء على المصنعين في ألمانيا بحسب القمزي.
الخطة الحكومية لا تعوض عن أسعار الطاقة المرتفعة
ويضيف الخبير الاقتصادي القمزي: “على الرغم من أن التدابير المقترحة قد تكون مفيدة، إلا أنها قد لا تعوض عن أسعار الطاقة المرتفعة والتحديات الاقتصادية الأوسع بشكل كامل، علاوة على ذلك، يشير الخلاف بين الوزراء حول تطبيق سقف سعري للطاقة إلى عدم وجود توافق في الآراء حول أفضل نهج لدعم الصناعة، ومع توقع الحكومة الألمانية ركوداً بنسبة 0.4 بالمئة هذا العام، وتوقع صندوق النقد الدولي أن تكون ألمانيا الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي تعاني من الركود، فإن فعالية هذه المبادرة سوف تعتمد إلى حد كبير على تنفيذها وعلى تغيرات المشهد الاقتصادي العالمي”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.