ويبدو أن شركة ASML الهولندية التي تعد من الشركات الرائدة في مجال تصنيع آلات إنتاج الرقائق المتطورة، كانت ضحية لعملية سرقة أسرار صناعية قيّمة، الأمر الذي قد يهدد بإنهاء الدور المحوري الذي تلعبه الشركة، في عالم صناعة الرقائق الالكترونية، فشركة ASML تحتكر أنظمة الطباعة الحجرية المتقدمة، العاملة بالأشعة فوق البنفسجية القصوى، التي لا غنى عنها في عملية إنتاج الرقائق المتطورة في العالم، ما يعني أن أي شركة في العالم، تريد تصنيع رقائق متطورة عليها أن تلجأ لأنظمة ASML.
من سرق أسرار ASML؟
في شهر فبراير 2023 أعلنت شركة ASMLالهولندية، عن تعرضها لسرقة على يد موظف يعمل في وحدتها بالصين، حيث أشارت حينها إلى تورط الموظف بسرقة بيانات من النظام البرمجي، الذي تستخدمه لتخزين المعلومات الفنية حول أجهزتها.
ولكن المفاجأة الكبيرة كانت بما كشفه هذا الأسبوع تقرير لصحيفة NRC الهولندية، عن أن موظف ASML المتهم بسرقة البيانات، وبعد تركه لعمله بشكل مفاجئ في الشركة الهولندية، انتقل للعمل لدى شركة هواوي الصينية، ما قد يعني أن جميع الأسرار الصناعية الخاصة بكيفية صناعة آلات إنتاج الرقائق، باتت في حوزة هواوي.
ومن غير الواضح بعد، ما إذا كان موظف ASML المتهم بالسرقة، لا يزال يعمل لدى هواوي، ولكن أشخاصاً مطلعين على التحقيق، كشفوا لبلومبرغ أن هذا الموظف له علاقات محتملة، مع كيان ترعاه الدولة الصينية ويسرق البيانات نيابة عنها.
الدور المحوري للآلة الهولندية
وتعمل شركة ASML الهولندية، في تطوير وصناعة نظم التصوير الضوئي لصناعة أشباه الموصلات، وهذه النظم تمنح ASML وبشكل حصري، القدرة على إنتاج آلات، تسمى آلات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية القصوى (EUV)، التي يتم عبرها تصنيع الرقائق المتطورة، بدقة 7 نانوميتر وما دون، وهذا ما يفسر اعتماد ثلاثة من أكبر الشركات المصنعة للرقائق في العالم، أي TSMC وسامسونغ، وإنتل، بشكل كامل على معدات الشركة الهولندية كونه لا يوجد في السوق ما يضاهي منتجاتها.
والدور الحاسم الذي تلعبه آلات شركة ASML في تصنيع الرقائق المتطورة، دفع أميركا إلى الطلب من الحكومة الهولندية إلى منع ASML من إرسال أي آلة من هذا النوع إلى الصين، بما يضمن عدم اكتساب أي طرف في الصين القدرة الذاتية على إنتاج معالج متطور، لتظهر المفاجأة في بداية شهر سبتمبر 2023، مع إعلان هواوي عن سلسلة هواتف مايت 60، المزودة بشريحة Kirin 9000s المتطورة التي تأتي بدقة 7 نانوميتر، وهو ما خلق حالة كبيرة من الجدل في الأوساط التقنية، حول الطريقة التي تمكنت فيها هواوي، من تحقيق هذا الإنجاز، دون الحصول على الآلة الهولندية.
حل لغز شريحة Kirin 9000s
وقد يقدم تقرير صحيفة NRC الهولندية، حلاً للغز المرتبط بكيفية اكتساب هواوي، لقدرة إنتاج معالج Kirin 9000s المتطور، فانتقال الموظف المتهم بالسرقة، للعمل من ASML إلى هواوي، سيوجه سهام الاتهامات للشركة الصينية بأنها تقف وراء ما حصل.
والأخبار السيئة بالنسبة لـ ASML لا تنحصر فقط باحتمالية فقدان سلطتها المطلقة، على قطاع انتاج الآلات المصنعة للرقائق، نتيجة تسرب أسرارها لهواوي، حيث أعلنت شركة كانون اليابانية خلال الساعات الماضية، عن إنتاجها لآلة طباعة حجرية ذات بصمة نانوية، يمكنها تصنيع رقائق متطورة جداً وفائقة الصغر، ما يهدد أيضاً في كسر قبضة ASML على سلسلة توريد الرقائق المتطورة في العالم.
احتمالين لا ثالث لهما
ويقول خبير التحول الرقمي رودي شوشاني، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن موضوع سرقة الأسرار الصناعية، ورغم أنه يأتي في سياق المنافسة غير الشريفة، إلا أنه يعتبر أمراً مغرياً في عالم الأعمال، لافتاً إلى أنه قبل تقرير صحيفة NRC الهولندية، الذي كشف أن أسرار ASML قد تكون وصلت لهواوي، كان الجميع في انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات الأميركية، بشأن كيفية تمكن هواوي وبالتعاون مع شركة SMIC الصينية أيضاً، من تصميم وإنتاج معالج Kirin 9000s، فمن منظور تكنولوجي، كان هناك احتمالان لا ثالث لهما لهذه الخطوة، الأول يتمثل باستحصال الشركتين الصينيتين بطريقة ما، على الجهاز الهولندي أو التكنولوجيا المرتبطة به، أما الاحتمال الثاني، فيتمثل بابتكار الشركتين لطريقة جديدة لتصنيع الشرائح بدقة 7 نانوميتر.
ويرى شوشاني أنه في حال صح تقرير الصحيفة الهولندية، فإن ذلك يعزز من احتمالية أن تكون هواوي، باتت تمتلك بالفعل أسراراً خاصة بـ ASML، الأمر الذي ساعدها على إنتاج “المعالج اللغز”، مشيراً إلى أن ASML وحدها، تدرك مدى الاختراق الذي تعرضت له، والذي قد يهدد وجودها كلاعب شبه وحيد في عالم تصنيع آلات الرقائق، فالمعلومات التي قد تكون حصلت عليها الصين، ستساعد شركاتها على التقدم بشكل كبير جداً، في صناعة أشباه الموصلات دون التأثر بأي قيود أميركية في هذا المجال.
هواوي تخفي أمراً ما
ويكشف شوشاني أن هواوي ومنذ لحظة إطلاق سلسلة هواتف مايت 60 الجديدة، لم تعط الكثير من المعلومات بشأن معالج Kirin 9000s والتزمت الهدوء والصمت، وهذا أمر مثير جداً للإستغراب ويخلق علامات استفهام، ويدل على أن هناك أمراً مخفياً لا ترغب الشركة بالكشف عنه، خصوصاً أن هواوي لم تعتد القيام بهذا الأمر في السابق، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بتحقيقها لاختراقات تكنولوجية كبيرة.
وتوقع شوشاني أن تنفي هواوي أي علاقة لها بالموظف المتهم بسرقة أسرار الشركة الهولندية، في حين ستعتمد ASML نهجاً حذراً جداً عند التعاطي مع هذا الموضوع، الذي سيجعلها موضع تحقيق أميركي لمعرفة ما هي المعلومات التي حصلت عليها الصين، وكيفية تدارك تبعات ما حصل، كاشفاً أن التطور الذي سيحصل في صناعة الرقائق الصينية خلال الأشهر والسنوات المقبلة، سيكون كفيلاً بإظهار مقدار ونوعية الأسرار التي حصلت عليها هواوي من ASML، مع ضرورة ملاحظة أن قيام الموظف الصيني بترك العمل في ASML بشكل مفاجئ في بداية العام الحالي، قد يعني أنه حصل على المعلومات التي كان يبحث عنها.
شريحة هواوي مصنوعة بآلة ASML
من جهته يقول مهندس البرمجيات والحاسوب محمد الحركة في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه رغم مرور قرابة الشهرين على إطلاق شريحة Kirin 9000s من هواوي، لا تزال هذه الخطوة مثار جدل في عالم التكنولوجيا، حيث أكد تقرير نشرته وكالة بلومبرج منذ ساعات قليلة، أن الشريحة تم صنعها من خلال استخدام آلاتASML الهولندية، في وقت لا يوجد فيه ما يشير إلى أنASML انتهكت قيود التصدير الأميركية، كاشفاً أن هذا الإعلان أدى إلى تراجع سهم ASML في مؤشر ناسداك بأكثر من 2.7 بالمئة يوم أمس، وذلك بسبب خوف المستثمرين من الأحداث المتلاحقة التي تمس بهيبة الشركة.
ASML في مأزق حقيقي
وبحسب الحركة فإنه من غير الواضح بعد، ما إذا كانت هواوي حصلت على معلومات ثمينة عن آلاتASML بفضل الموظف الذي كان يعمل لدى الشركة الهولندية، ولكن المشكلة الأكبر التي تواجههاASML حالياً تكمن في تقديم تبرير مقنع، حول كيفية تمكن هواوي و SMIC من تصنيع شريحة Kirin 9000s عبر آلتها التي كان يفترض عدم وصولها لأي جهة صينية بسبب القيود الأميركية، متوقعاً أن تواجه ASML أياماً صعبة، فالأحداث تتسارع ضد مصلحة الشركة الهولندية التي عليها تقديم جواب مقنع حول ما إذا كانت شريحة هواوي، ناتجة عن السرقة التي تعرضت لها، أم أن آلتها وصلت عن طريق طرف ثالث إلى الصين.
وشدد الحركة على أنه من الناحية العلمية، فإن التقدم الذي حققته شركة كانون اليابانية، لناحية قدرتها على ابتكار آلة لتصنيع الرقائق، غير مرتبط بسرقة الأسرار التي تعرضت لها ASML، فالشركة اليابانية لها باع طويل في هذا المجال، وهي ابتكرت طريقة مستحدثة ومختلفة جداً عن الآت ASML، كما أن آلة كانون الجديدة لصناعة الرقائق، ليست فعالة بعد في التعامل مع تصميمات الرقائق المعقدة، وأمامها طريق طويل من العقبات، لاكتساب ثقة العملاء الكبار مثل سامسونج وTSMC، ولكن هذا لا يعني أنها لا تشكل خطراً، لناحية كسر هيمنة ASML على عالم تصنيع الآت إنتاج الرقائق المتطورة.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.