«روائع الموجي» تعيد ذكراه بليلة طربية في الرياض
نغمات من الطرب الأصيل حامت في أجواء الرياض لتنثر على مدينة الفن أجمل ما ابتدعه “فارس النغم”، محمد الموجي، في حفل استعرض أبرز روائعه الموسيقية التي ابتكرها مع كبار الفنانين خلال مسيرته الممتدة لخمسين عاماً قدّم خلالها أكثر من 1800 لحن.
حضر الحفل الذي استقطب كبار الشخصيات الفنية في مسرح الراحل أبو بكر سالم، الآلاف من متذوقي الموسيقى في ليلة من الوفاء للفنان الراحل أشرف عليها ابنه الموسيقار يحيى الموجي. وقاد الفرقة الموسيقية المايسترو وليد فايد.
واكتسى مسرح أبو بكر سالم حلة بطابع كلاسيكي ينتمي في تصميمه إلى فترة الستينات والسبعينات، لينقل الجمهور إلى تلك الفترة الذهبية التي ازدهرت بها مسيرة الموجي وتميزت بتعاونه مع أبرز المطربين آنذاك ليصنعوا أروع الأغاني التي ما زالت تتردد حتى اليوم.
واستعرض الموسيقار وليد فايد من خلال فرقته التي يشارك بها 130 عازفاً، إبداعات أسطورة اللحن وانتاجه الذي لوّن به النوتة الموسيقية العربية بمجموعة من الألوان والألحان العبقرية.
وأحيا الفنانون عبادي الجوهر، وماجد المهندس، وصابر الرباعي، وأنغام، وشيرين عبدالوهاب، ومي فاروق، وزينة عماد، ليلة استثنائية غُنيّت فيها أشهر الأغاني التي وضع الموجي بصماته الموسيقية الفريدة عليها.
وبدا الحفل بفيلم وثائقي يستعرض مسيرة “فارس النغم” وومضات من حياته يحكيها رفاقه الذين تحدثوا عن أبرز مواقفه معهم وحبه الشديد للموسيقى والفن وعبقريته في صياغة اللحن بشكل مبهر ساهم في انطلاق مسيرته بأعمال ما زال يسمعها الجمهور إلى اليوم.
واستذكرت غنوة، ابنة الموجي، في الوثائقي بعض القصص التي تذكرها عن والدها، مشيرة إلى أن البيئة التي نشأ بها كانت محبة للفن، حيث كان يستمع الى الإسطوانات الموجودة في منزل عائلته دائماً، مما جعله يعشق الفن وينشىء به الحس الموسيقي منذ الطفولة.
كما قال الناقد الفني ورفيق دربه طارق الشناوي في الوثائقي إن الموسيقى تجري بدم الموجي، حيث كانت موهبته استثنائية كموسيقار ولا تتكرر، فكان يلحّن بعبقرية وذكاء مما جعل أعماله كلها تنجح في شكل كبير.
وشارك في الحفل أيضاً أمير الطرب العربي صابر الرباعي الذي بدأ وصلات الليلة الجميلة بأغنية “جبّار” التي كتبها الشاعر حسين السيد ولحنها الموجي لرفيق دربه العندليب عبدالحليم حافظ أواخر الستينات الميلادية، بالإضافة إلى أغنية “يا مالكاً قلبي” التي كتبها الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، و”قارئة الفنجان” التي أداها الرباعي بصوته الفريد الذي ملأ المسرح طرباً.
وبرقتها المعهودة، دخلت سلطانة الأغنية العربية أنغام، بخطوات رقيقة لتبدأ بشدو رائعة أخرى للعندليب “صافيني مرة” بلحنها العظيم الذي كان أحد أسباب زيادة شهرة عبدالحليم والموجي وانطلاقتهما للنجومية، فغنتها أنغام بإحساس جميل داعب القلوب وكان للحضور كنسمة ربيعية لطيفة، قبل أن تُلحقها بأغنية نجاة الصغيرة “عيون القلب”.
ودخلت الشابة السعودية، زينة عماد، المسرح بابتسامة خجولة وخطى واثقة نحو تسجيل اسمها بين الكبار. فذات الـ 24 ربيعاً، دائماً تأتي بحضور ملفت في المحافل الكبرى، لتغني رائعة الفنانة الراحلة فايزة أحمد “ياما القمر عالباب” بأداء استثنائي وموّال اثبت أنها مستقبل الأغنية السعودية.
عبادي الجوهر، موسيقار الجزيرة العربية، كعادته وقف شامخاً على المسرح لتستقبله الجماهير العريضة بالتصفيق المتواصل حتى عمّ الصمت على الجميع احتراما لصوته الفريد، ليبدأ بغناء “كامل الأوصاف” ويسحر الحضور، ويتبعها برائعة صديقة الراحل طلال مداح “لي طلب” ليتفنن بها على العود بحضور شاعرها الأمير بدر عبدالمحسن.
وبإطلالة جميلة، صعدت مي فاروق على المسرح لتغني كعادتها لأم كلثوم، وتبدع بإحدى أجمل ما لحّن الموجي لكوكب الشرق “اسأل روحك” لتدغدغ مشاعر الحاضرين وتطير بهم إلى فضاء الحب والغرام.
وبعد غياب طويل عن المسارح السعودية، عادت شيرين لتثبت حضورها أمام جمهور صفّق لها طويلًا، ولم تخفت أصوات الصفقات إلا عندما بدأت تشدو بصوتها الجميل، لتبدع بأغنية الراحلة فايزة احمد “قلبي ليك ميال” و”للصبر حدود” لأم كلثوم وتعبّر بعدها عن سعادتها الغامرة بالغناء في ليلة الموجي الذي تحبه كثيراً.
ماجد المهندس كان مسك الختام، وبحضور لافت وقف على المسرح ليغني بإحساسه المعهود، ليغني “رسالة تحت الماء” و يطوف بصوته الرقيق على العيون الساهرة، ليشاركه يحيى الموجي، إبن الراحل، بعزف منفرد على الكمان، رافقتها دموع شوق لوالده الذي صنع مجداً من خلال عبقريته الموسيقية الفذة، ليختم المهندس برائعة الراحلة الجزائرية وردة “أكذب عليك”.
واكتملت لوحة الفن والنغم في الأمسية التي تعد واحدة من أكثر الأمسيات العربية أهمية خلال الفترة الأخيرة، بتسلم أسرة الفنان الراحل درعاً تذكارية من الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه المهندس فيصل بافرط، وتقديم نجله الموسيقي يحيى الموجي بمشاركة الموسيقار العالمي رمزي يسّي وصلة طربية أمتعت الجمهور الذي ملأ المسرح تصفيقاً وتفاعلاً.
وتميزت ليلة “روائع الموجي” باستعادة عدد من الأغاني التي تمثل جزءاً من تاريخ الفن العربي، حيث لامست ذائقة الجمهور في لحظات الفرح الذي عم أرجاء الحفل، وانتقل إلى بقية العالم عبر 10 قنوات فضائية، وثلاث إذاعات، ومنصتين رقميتين.
ويعد الموجي أحد أبرز الملحنين العرب، حيث تعاون مع كبار المطربين والشعراء، وساهم معهم في إحداث نقلة نوعية باللحن والأغنية العربية، وأصبح أحد أهم الموسيقيين الذين أسسوا الموسيقى الشرقية الحديثة وأبرز مبتكريها.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.