منقبو الذهب في السودان.. رحلات الموت على تخوم الحرب
أخبار العالم

منقبو الذهب في السودان.. رحلات الموت على تخوم الحرب



وليس أمام موسى غير البقاء حائراً وسط الصخور في منجم “الخناق” نحو 170 كم شمال مدينة دنقلا، يتأمل واقع مظلم يحدق به ورفاقه المعدنيين، بعد أن أوشكت موادهم الغذائية والمياه التي بحوزتهم على النفاد، في حين لم تكن العودة إلى عائلته في إقليم كردفان غربي البلاد ممكنة، إذ توفقت معظم السيارات العاملة في المواصلات ونقل المؤن بسبب شح الوقود وغلاء أسعاره.

ويروي عبدو لموقع “اسكاي نيوز عربية” مأساة حقيقية يعيشها آلاف الأشخاص في المنجم الذي يقيم فيه بعد أن توقف الإمداد الغذائي والمائي والمالي أيضاً نظراً لعزوف التجار “الصاغة” عن شراء الذهب المستخلص نتيجة انعدام السيولة النقدية وهو ما سيقود إلى وقف شامل لعمليات التنقيب عن المعدن.

ووجد شباب السودان أنفسهم مضطرين إلى سلك ما يسمونه بـ”رحلة الموت” لما يجابهها من مخاطر عديدة، والانتشار في مناطق متفرقة في ربوع بلادهم بحثاً عن الذهب بعد أن ضربتهم البطالة والفقر لسوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، كما يحمل التعدين اليدوي مغريات بالثراء السريع استناد إلى عامل الحظ.

ودفعت هذه المحفزات مليوني شخص -وفق آخر حصيلة لوزارة المعادن السودانية، إلى التوجه والعمل في مناجم التعدين اليدوي المنتشرة في ولايات الشمالية، ونهر النيل، والبحر الأحمر، وجنوب وشمال كردفان، والنيل الأزرق وصاروا يعتمدون عليه بشكل رئيسي كمصدر للكسب خلال عقد ماضي من الزمان على الأقل.

ويساهم قطاع التعدين التقليدي “اليدوي” بنسبة 75 بالمئة من إنتاج السودان من الذهب الذي يصل 93 طن في العام، وفق تقارير جهات دولية مختصة، بينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى دخول نحو 35 طن فقط من هذه الكميات إلى خزينة الدولة في العام.

تحطم السوق

ويعتمد المعدنون على البيع الفوري للذهب الذي يستخلصونه إلى تجار مقيمين في أسواق محلية بالقرب من مناجم التعدين حتى يتسنى لهم شراء الغذاء وكل معيناتهم اللوجستية لمواصلة العمل، ولكن الصاغة أصبحوا غير قادرين على شراء الذهب بسبب إغلاق السوق الرئيسية في الخرطوم “عمارة الذهب” نتيجة المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع”.

ويقول حسن إبراهيم – صاحب متجر في “عمارة الذهب” إن “السوق تعرض لعمليات تحطيم ونهب واسعة خلال فترة الأحداث بعد أن اضطر الجميع إلى مغادرة متاجرهم الخاصة بتداول الذهب حيث يقع السوق على بُعد 500 متر جنوب القصر الرئاسي، وهي منطقة ساخنة شهدت اشتباكات مسلحة عنيفة خلال الأيام الماضية”.

يضيف إبراهيم في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” “إغلاق عمارة الذهب يعني توقف عمليات التعدين في كل السودان نتيجة لعدم وجود مراكز أخرى لتداول الذهب حيث لا توجد بورصة، فبالتالي لا يستطيع المعدنيين التقليدين الاستمرار في العمل فهم يعتمدون على التسويق الفوري لتسير أمورهم، فهذه الحرب أضرت بهم كثيراً”.

وتمكن المنقب التقليدي “قاسم القمير” من العودة إلى الخرطوم بعد أن قضى 6 أشهر في مناطق التنقيب عن الذهب في ولاية نهر النيل، ويشير إلى مخاطر كبيرة تحدق بزملائه المنقبين الذين تركهم خلفه فهم سيواجهون شبح البطالة على أسوأ الفروض نظراً لصعوبة الاستمرار في العمل في ظل غياب عمليات التسويق للذهب المستخلص.

ويقول القمير لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تحتاج عمليات التنقيب إلى سيولة نقدية لدفع تكاليف ترحيل الأحجار إلى السوق ومن ثم طحنها وغسيلها بالزئبق لاستخلاص الذهب، كما تحتاج عمليات تفجير آبار التعدين إلى تشغيل المولدات الكهربائية ففي ظل انعدام الوقود لم يتمكن المعدنيين من الاستمرار في العمل، فسوف يضطر جميعهم إلى الذهاب لعائلاتهم مما يخلق مزيد من الضغط الإجتماعي في المدن”.

صعوبة الخيارات

ومنذ اندلاع المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف شهر أبريل الماضي، توقف النظام المصرفي بالكامل وأغلق بنك السودان المركزي والمصارف التجارية أبوابها وهو ما ألقى بظلال قاتمة على مجمل الأوضاع الحياتية للمواطنيين السودانيين، وقد نال المعدنيين التقليديين نصيب كبير من أزمة النقد.

ويقول موسى عبدو الذي تحدث لموقع “سكاي نيوز عربية” عبر الهاتف بعد أن عثر على إشارة ضعيفة في قمة الجبل إنه “أصبح بين خيارين أحلاهما مر، فإما البقاء هناك ومواجهة شبح الموت جوعا، أو المغامرة بالعودة إلى الديار تحت نيران الحرب، ليشكل عبء جديد على عائلته التي غادرها خلال وقت قريب وكان يأمل في الكسب لمساعدتها.

يشير إلى أن هذا يعكس لسان حال الآلاف من الشباب معه في منجم “الخناق” الذي يبعد عن عاصمة الولاية الشمالية “دنقلا” بنحو 170 كم متر شمالا، فجميعهم يعيشون الآن في حالة نزاع بين العودة خاويي الجيوب أو مواصلة رحلة الموت التي بدأت قبل اندلاع الحرب والتي كانت مليئة بالمخاطر وعوامل القتل، مثل انهيار المناجم وسموم الزئبق والسيانيد وكل مستخلصات الذهب.





المصدر


اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *