- ستيفن داولنغ
- صحفي
تعد عملية إطلاق المركبة الفضائية “ستارشيب” أكبر عملية شهدتها وكالة الفضاء التجارية “سبيس إكس” حتى الآن. وقد حظيت أول رحلة تجريبية للمركبة الفضائية المستقبلية على متن الصاروخ العملاق سوبر هيفي، باهتمام عالمي.
عندما انطلق الصاروخ وسط سحابة ضخمة من الدخان والغبار من منصة الإطلاق في بوكا تشيكا في ولاية تكساس الأمريكية في 20 أبريل/نيسان 2023، بشّر ذلك بعصر جديد من استكشاف الفضاء.
لكن ليس لوقت طويل.
كان من المخطط للإطلاق الأول لـ”ستارشيب” أن يشهد قيام الصاروخ بدورة واحدة من الأرض قبل إعادة دخوله في الغلاف الجوي للأرض والهبوط في المياه الدافئة لخليج المكسيك.
لكن ثلاثة من محركات التعزيز للصاروخ، البالغ عددها 33 محركا لم تعمل عند الإطلاق، وتوقف المزيد منها عن العمل مع ازدياد ارتفاع الصاروخ في الهواء. وبعد ما يقرب من أربع دقائق من الإقلاع، بدأ الصاروخ في السقوط بشكل عنيف وانفجر فوق الخليج.
كان فشل الرحلة الأولى لـ”ستارشيب” محط الأنظار حول العالم، في إطار السباق الجديد للفضاء في القرن الحادي والعشرين.
وقالت شركة سبيس إكس إن فشلها قدم العديد من الدروس التي يمكن الاستفادة منها في عملية الإطلاق التالية، والتي لن تتم إلا بعد أسابيع من إزالة آثار الأضرار التي لحقت بموقع بوكا تشيكا. ومع ذلك، لا تعد “سبيس إكس” هذه العملية فاشلة، بل نقطة انطلاق لحل المشكلات قبل الإطلاق التالي.
لكن الإخفاقات التي تصحبها ضجة وانفجارات، غالبا ما تتمخض عن صور وقصص إخبارية أفضل من النجاحات الروتينية، وغالبا ما تحظى بتغطية إعلامية أوسع. ولكن بعد أكثر من 75 عاما منذ أن بدأت البشرية في إرسال صواريخ إلى الفضاء بشكل جدي، ما مدى احتمال إطلاق صاروخ ناجح؟
ديفيد وايد أحد المتخصصين في تقييم المخاطر، وهو متعهد وكالة أتريوم سبيس إنشورانس للتأمين، والتي تدعم عمليات الإطلاق الفضائية التجارية، يقول: “عام 2022 شهد 186 عملية إطلاق. حملت هذه الأقمار 2509 أقمار اصطناعية في المدار، معظمها من ستارلينك، كوكبة الأقمار الاصطناعية التابعة لسبيس إكس”.
ويضيف وايد: “يتم إطلاق ما يصل إلى 60 قمرا اصطناعيا في المرة الواحدة على متن صاروخ فالكون 9، ومن بين 186عملية إطلاق، فشلت ثماني حالات فقط”.
يصل معدل الفشل إلى نحو 4 في المئة، أي بمعدل مرة واحدة من بين كل 25 عملية إطلاق. لكن وايد يقول إن عام 2022 كان حالة استثنائية.
فقد حطم العام الماضي الأرقام القياسية من حيث عدد إطلاق الصواريخ؛ ما يعكس مدى سرعة تنامي الحراك الفضائي، بما يزيد بـ 40 عملية عن عام 2021، وهو ضعف الرقم الذي شهده عام 2017 قبل خمس سنوات. لكن تزايد هذا الحراك، يعني أيضا زيادة المخاطر.
ويوضح وايد ذلك قائلا: “في العام الماضي، شهدنا إخفاقات أكثر مما كانت عليه في بعض السنوات؛ لأننا بدأنا نمر بمرحلة نشهد فيها عددا من مركبات الإطلاق الجديدة، ودائما ما تكون الرحلات الأولى لمركبات الإطلاق أكثر إشكالية”.
إن ستارشيب وبرنامج آرتميس التابع لناسا، الذي تم إطلاقه بنجاح لأول مرة في نوفمبر/تشرين الأول 2022، هو الأكثر شهرة بين مركبات الإطلاق الجديدة، لكنها مجرد بداية. فمركبات الإطلاق الجديدة، تأتي مع مزيد من الشكوك، لاسيما في رحلاتها الأولى.
انطلقت مركبة ستارشيب التابعة لشركة سبيس إكس من منصة الإطلاق، لكنها انفجرت بعد بضع دقائق من رحلتها الأولى.
يقول وايد: “عادةً، عند الإطلاق الأول أو الثاني، نتوقع الفشل بنسبة تصل إلى 30 في المئة، ثم تبدأ الأمور في التحسن بعد ذلك، ومع الرحلة العاشرة، نتوقع تناقصا في معدل الفشل بنسبة أقل من 5 في المئة”.
ويضيف: “إن تحديد سبب فشل البعض وعدم فشل البعض الآخر أمر صعب للغاية، فهناك الكثير من الجهد المبذول في أول عمليتي إطلاق أو ثلاث، مع أبحاث هائلة، وتكثيف لمراقبة الجودة، والتأكد من أن كل شيء على ما يرام. ومع ذلك، ما زلنا نشهد إخفاقات مع حدوث أمور غير متوقعة، عادة ما تكون خلال أول رحلتين”.
يقول ديفيد تود رئيس محتوى الفضاء بشركة سيراداتا، لتحليل الأقمار الاصطناعية منذ سبوتنيك في عام 1957، إن “هذا المعدل المنخفض للفشل يرجع إلى أن صاروخ سويوز الروسي الذي حلق في العديد من الرحلات المأهولة، قد استخدم لعقود عدة، وهو موثوق للغاية.
ويضيف تود أن رحلات الفضاء المأهولة بالبشر تشهد توخي المزيد من الحذر، موضحا أن الخسارة الفادحة في إعادة مكوك الفضاء كولومبيا في عام 2003، ترجع إلى “فشل إطلاق”؛ حيث إن الضرر الذي لحق بنظام الحماية الحرارية حدث أثناء الإطلاق، كما أن المركبات الفضائية البشرية مزودة بأنظمة أمان يمكنها إنقاذ الطاقم في حالة فشل الإطلاق، كما حدث مع سويوز 18A عام 1975.
على مدار عام 2022، أطلقت سبيس إكس صواريخ فالكون 9 الناجحة بمعدل صاروخ واحد كل ستة أيام. وحطمت الصين أيضا رقمها القياسي، حيث أطلقت 64 صاروخا باء اثنان منها فقط بالفشل. حتى نيوزيلندا، التي لا تتمتع بشهرة في مجال الفضاء، تمكنت من إطلاق تسعة صواريخ من مركز إطلاق فضائي ناشئ على الساحل الشرقي للجزيرة الشمالية.
إن هذه الطفرة الجديدة تمثل تحديات مثيرة للاهتمام في مجال التأمين الفضائي الجديد نسبيا؛ واستعان وايد بصاروخ وكالة الفضاء الأوروبية القادم آريان 6 كمثال، قائلا: “إن عملية التأمين ستبدأ من الرحلة الثالثة للصاروخ، وهي رهينة نجاح أول عملتي إطلاق لهذا الصاروخ، وإلا فهي خارج نطاق التأمين”.
ويقول وايد إن النمذجة الحاسوبية المتقدمة وسنوات الخبرة في إدخال الصواريخ إلى المدار، تعني توقعات أدق، لكن كل نظام إطلاق جديد عرضة لنتائج غير معروفة، تظل افتراضية حتى الإطلاق الأول.
“هناك غازات ساخنة عالية الضغط، وبيئات متغيرة بسرعة كبيرة. وإذا حدث خطأ ما، لا يمكنك فعل الكثير لإيقافه”.
إن ثمة مؤسسات لديها القدرة على رصد عمليات الإطلاق الفضائية على مدى العقود الثمانية الماضية، ورسم صورة لمدى احتمال الفشل. ففي كل أسبوع، هناك عمليات إطلاق جديدة تضاف إلى قاعدة بيانات سيراداتا، والتي تذهب إلى العملاء في شركات التأمين كتلك التي يعمل فيها وايد.
إن بيانات سيراداتا حول العمليات الفاشلة، لا تدور حول فشل وصول الصاروخ إلى المدار فحسب، بل تتضمن كذلك عدم وصول حمولة الصاروخ إلى المدار المقصود أو تعرضها لأضرار كبيرة أثناء الإطلاق.
على سبيل المثال، كانت عمليات الإطلاق في الخمسينيات، التي شهدت بداية سباق الفضاء، ذات معدلات متباينة للإخفاقات بشكل صادم بنسبة وصلت إلى أكثر من 70 في المئة. ومع أوائل الستينيات، بدأ هذا الرقم في الانخفاض وقد ظل يحوم حول نفس النقطة منذ ذلك الحين بنسبة تصل إلى 7 في المئة (9 في المئة إذا شملت حالات الفشل في إطلاق الأقمار الاصطناعية).
يقول تود: “دائما ما تواجهك مشكلات في بداية حياتك المهنية، وإخفاقات كبيرة، ومع مرور الوقت لمركبات الإطلاق الغربية، تصل إلى حالة من الاطمئنان”.
ومع ذلك، لا يمكن قول الشيء نفسه دائما عن الصواريخ المصنوعة في دول مثل روسيا؛ فنظام إطلاق بروتون، الذي أطلق مركبات سويوز لمحطة الفضاء الدولية قد خالف هذا الاتجاه إلى حد ما.
“كان لصاروخ بروتون، الذي أُطلِق لأول مرة عام 1965، سجل صادم”.
وقارن تود معدل نجاح بروتون بصاروخ أريان 4 الأوروبي وصاروخ دلتا 2 الأمريكي، وكلاهما حقق أكثر من 100 عملية إطلاق ناجحة على التوالي.
“شهد بروتون فشلا كل 20 أو 25 رحلة. وأعتقد أن روسيا في الستينيات شهدت انضمام الكثيرين إلى هذه الصناعة بسبب سباق الفضاء، وكانوا صفوة خريجي الجامعات”.
وأضاف وايد أن سقوط الاتحاد السوفياتي قلل بشكل كبير من صناعة الفضاء الروسية، ما جعلها تفتقر إلى الموارد المادية.
“ضاع الكثير من هذه المعرفة. وبالنسبة لبروتون فإن من شارك في صناعة مكوناته، يكون على دراية بما هو أكثر من مجرد الإرشادات المنصوص عليها، ما يجعله قادرا على تشغيل النظام بشكل أفضل بلمسات بسيطة”.
وعندما يتعلق الأمر بالإطلاق الأول لصواريخ جديدة، فإن فشل ستارشيب يبدو معقولا تماما، حتى بعد مرور ثمانية عقود على بدء عصر الصواريخ، فالإطلاق الأول لسلسلة صواريخ جديدة، لديها مساحة للفشل في أول مرتين، وفق تود، وصناعة الفضاء المتطورة تتطلب صناعة صاروخ جديد بعد كل صاروخ جديد.
“التطور هو إحدى المسائل التي تواجه صناعة الصواريخ، التي تبدأ ثم تمر بمراحل سيئة، إلى أن تصل إلى نقطة جيدة من التطور، ثم يُطلب من مصممي الصواريخ صناعة صاروخ أفضل، فيبدؤون من جديد”.
ومع ذلك، اكتشف وايد من خلال البيانات أمرا آخر مثيرا، وهو أن احتمال حدوث فشل يرتفع بشكل مفاجئ مع المرة السادسة للإطلاق.
“رصدنا حدوث فشل في رحلتين من بين أول 10 رحلات، والأولى والثانية عادة ما تصل معدلات فشلهما إلى 30 في المئة. ثم يأخذ المعدل منحنىً للأسفل”.
“الرحلة السادسة غالبا ما تشهد معدلا مرتفعا للفشل بشكل خاص. ومن الصعب معرفة السبب بالتحديد في تلك المرحلة، قد يرجع إلى التعود على دورة التصنيع الروتينية، أو أن مراقبة الجودة لم تصل للمستوى المطلوب بعد، أو أن اللمسات النهائية لم تكن كما ينبغي وغيرها من الأسباب، التي قد تؤدي إلى عدم نجاح عملية الإطلاق”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.