وانخفضت مستويات التضخم بأفضل من التوقعات إلى 7.9 بالمئة في يونيو، مسجلة أدنى مستوى في 14 شهراً، بينما كانت التوقعات تشير إلى تراجع مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في الشهر نفسه إلى 8.2 بالمئة من 8.7 بالمئة في مايو.
ولا يزال التضخم في بريطانيا عند مستويات أعلى من جيرانها الأوروبيين، حيث سجل التضخم في منطقة اليورو تباطؤاً إلى مستويات 5.5 بالمئة في يونيو، متماشياً مع التوقعات، وذلك مقارنة بـ 6.1 بالمئة في مايو.
وتضغط عديد من العوامل على معدلات التضخم في المملكة المتحدة، لا سيما “نمو الأجور”، في وقت يركز فيه النقاش حول التضخم هناك الآن بشكل مفرط على “نمو الأجور”، إذ يقوم مزودو السلع والخدمات بتمرير تكاليف أجور أعلى للمستهلكين.
أمر مضلل وخطير!
في مقال له بصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، ذكر الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، أن “إلقاء اللوم على نمو الأجور في التضخم هو أمر مضلل وخطير”:
- يتم تأطير الزيادات المفرطة في الأجور بشكل متزايد على أنها السبب الوحيد لمشكلة التضخم في المملكة المتحدة التي تسبب صعوبات في الرهن العقاري وتجبر العائلات على اتخاذ خيارات صعبة مع تقلص قوتها الشرائية.
- في حين أن هذه الرسالة اكتسبت قوة دفع أخيراً بسبب أحدث بيانات الأجور وتحذيرات التضخم من وزير المالية البريطاني وبنك إنجلترا، إلا أنها “جزئية” ويمكن أن تكون “مضللة” بسهولة.
- يمثل ذلك الأمر مبالغة في تبسيط تحدي التضخم والاستجابة السياسية المناسبة. كما أنه يزيد من مخاطر الركود الاقتصادي، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة التضخم وأسعار الفائدة الحالية.
ووفقاً لأحدث البيانات، بلغ نمو الأجور السنوي لفترة الثلاثة أشهر المنتهية في مايو 7.3 بالمئة، متجاوزاً التوقعات البالغة 7 بالمئة.
وارتفعت أجور القطاع الخاص بنسبة 7.7 بالمئة، متجاوزة 5.8 بالمئة في القطاع العام.
ودفع إصدار البيانات أسعار الفائدة في السوق إلى أعلى، في حين أن مزودي الرهن العقاري استجابةً للزيادات السابقة في الأسعار رفعوا متوسط معدل الرهن العقاري لمدة عامين إلى أكثر من 6.6 بالمئة، وهو مستوى غير مسبوق منذ 15 عاماً.
تقييد الأجور
جاءت البيانات بعد دعوات لـ “تقييد الأجور” من كل من وزير الخزانة المستشار جيريمي هانت، وحاكم بنك إنجلترا أندرو بيلي، وقد أبقى بيلي الباب مفتوحاً للمرة الثانية على التوالي لرفع سعر الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية في الاجتماع القادم للجنة السياسة النقدية بالبنك.
وفي تقدير العريان، فإنه فيما يركز النقاش حول التضخم في المملكة المتحدة الآن بشكل مفرط على “تضخم دفع الأجور”، مع قيام مقدمو السلع والخدمات بتمرير تكاليف أجور أعلى للمستهلكين، فإن هذا مؤسف لثلاثة أسباب، وهي:
- أولاً: يأتي في وقت تآكلت فيه الأجور الحقيقية بالفعل بشكل كبير بسبب التضخم.
- ثانياً: دوافع التضخم أكثر تعقيداً وتنوعاً من مجرد الأجور. وهي تشمل: (استجابة السياسة الأولية الخجولة لما وصفته معظم البنوك المركزية بشكل خاطئ بأنه تضخم مؤقت، علاوة على سلاسل التوريد الدولية المعطلة، وكذلك سوق العمل الضيقة، وترتيب أولويات الحفاظ على هامش الربح من قبل بعض الشركات).
- ثالثاً: التركيز المفرط على تقييد الأجور كأداة رئيسية لخفض التضخم يزيد من احتمالية حدوث ركود. الأمر الذي من شأنه أن يقوض طلب الأسر في وقت تشكل فيه تكاليف الرهن العقاري المرتفعة بالفعل عبئاً كبيراً على الأسر.
ويشدد العريان على أنه يتعين على المملكة المتحدة أن تقود الآخرين في تنفيذ استجابة سياسية أكثر شمولاً، ويجب أن يكمل هذا النهج ارتفاع أسعار الفائدة وقيود الأجور بإجراءات هادفة لتنشيط جانب العرض.
كما يجب أن تستفيد من انتقال الطاقة الضروري، وأن تتبنى الابتكارات التكنولوجية المثيرة وإعادة تقييم أفضل مسار لنقل التضخم إلى مستوى منخفض ومستقر.
لكنه يعتقد بأن مثل هذا النهج لن يقلل من مخاطر الركود التضخمي فحسب، بل سيعزز أيضًا احتمالات نمو الإنتاجية المستدام ويوسع إمكانات النمو في البلاد.
وسيوفر فرصة أفضل لمواجهة التحديات طويلة الأجل التي يفرضها تغير المناخ، والديون المرتفعة، والنمو المنخفض، والتفاوت المفرط في الدخل والثروة والفرص.
الأجور ليست السبب الوحيد
من جانبه، يلفت زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، جاكوب كيركيغارد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه “نظراً لضيق سوق العمل في المملكة المتحدة، فإن الأجور تلعب دوراً مهماً في التضخم، لكنها ليست العامل الرئيسي، على النحو التالي:
- اهتز سوق العمل في المملكة المتحدة بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبسبب الوباء وما إلى ذلك، مما أدى إلى مشاكل مطابقة كبيرة (مطالب أعلى للأجور).
- شهد القطاع العام في المملكة المتحدة خفضاً نسبياً كبيراً في الأجور مقارنة بالقطاع الخاص لعدد من السنوات، ما يعني أن مطالب الأجور العامة في الوقت الحالي حادة للغاية بعد سنوات من التقشف.
ويضيف: “لذلك، ليست الرغبة في التغلب على انخفاضات الأجور الحقيقية فقط هي التي تدفع الأجور في المملكة المتحدة إلى الارتفاع، ولكن أيضاً عديد من المشكلات الاقتصادية طويلة الأجل التي تواجه لندن”.
ويتابع: “ذلك بالإضافة غلى العجز العام في المهارات في عديد من المناطق، والناتج عن عدد كبير جداً من المتسربين من التعليم وما إلى ذلك، وبالتالي ربما لا تشكل هذه الأمور عاصفة كاملة ولكنها بالتأكيد مجموعة من المشكلات التي تأتي إلى ذروتها في نفس الوقت”.
وفي سياق متصل، يعلق زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، على البيانات الصادرة أخيراً بخصوص معدلات التضخم في يونيو، مؤكداً أنها “تشكل أخباراً جيدة لبنك إنجلترا، لأنها تشير إلى أنه لن يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد”.
بنك انجلترا
وفي السياق، يشير الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن “بنك انجلترا واجه صعوبات أكبر من الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي حول معدلات التضخم، لا سيما وأن نسب التضخم في بريطانيا أعلى من أميركا والاتحاد الأوروبي”.
ويضيف: “بدأ بنك انجلترا في رفع معدلات الفائدة قبل الفيدرالي وبوتيرة أسرع نسبياً حينها.. لكن معدلات التضخم بدأت في التراجع في المناطق الأخرى أسرع من بريطانيا”، موضحاً أن أحدث بيانات التضخم والتي تشير إلى انخفاض بأفضل من التوقعات إلى 7.9 بالمئة في يونيو، من شأنها أن تخفف الضغط على بنك إنجلترا، لا سيما أن التضخم كان من أهم التحديات الكبرى هذا العام.
ويعتقد الرفاعي بأن “سبب من أسباب ارتفاع معدلات التضخم في بريطانيا بصورة أعلى من الدول المجاورة هو (البريكست)، لا سيما بعد انتهاء إغلاق كورونا، وقد رأينا تأثر الاستيراد وعمليات توريد المنتجات من أوروبا وما صاحبها من صعوبات وعراقيل، لا سيما في قطاع الأغذية”.
ومن المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة للمرة 14 على التوالي في 3 أغسطس، بعد أن رفع بالفعل سعر الفائدة الرئيسي إلى 5 بالمئة في مايو من 0.1 بالمئة في ديسمبر 2021.
ووعد رئيس الوزراء ريشي سوناك في وقت سابق من هذا العام، بخفض التضخم إلى النصف بحلول نهاية عام 2023 قبل الانتخابات الوطنية المتوقعة في عام 2024، وهو هدف وصفه وزير المالية جيريمي هانت بأنه يمثل تحديًا.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.