عادت قضية سحب الأطفال من أسرهم في أوروبا لتشغل حيزا من نقاشات رواد مواقع التواصل العرب. وهذه المرة، ارتكز النقاش بشكل أساسي حول هيئة الرعاية الاجتماعية في ألمانيا .
لا يعد إجراء سحب الأطفال من ذويهم قضية جديدة في ألمانيا، البلد الذي يلزم نفسه باتفاقية حماية حقوق الأطفال. وهو إجراء يشمل جميع فئات المجتمع والأسر التي” تسيء معاملة أطفالها”.
لكن القضية أثارت مؤخرا تفاعلا واسعا، عقب انتشار مقطع مصور لعائلة مسلمة، وهي تتهم أفرادا من الشرطة بانتزاع ابنها بالقوة.
المعلومات المتوفرة حول القضية جد محدودة بيد أن المقطع سبب لغطاً وجدلا كبيرين عبر المنصات الرقمية. وشاعت حوله الكثير من الأخبار والتفسيرات، ما دفع الشرطة الألمانية للتوضيح في وقت لاحق.
ووثق المقطع المصور جزء من الحديث الذي دار بين أسرة الطفل وعناصر الشرطة وهيئة حماية الأطفال.
وفي الخلفية، ظهر الطفل وهو يبكي محاولا الإفلات منهم. ويعتذر على بي بي سي نشر الفيديو احتراما لخصوصية الطفل.
كما ظهرت أسرة الطفل وهي تطالب عناصر الشرطة بإبقائه في كنف عائلته قائلة إنه يعاني من مشكلات صحية، ولا ينبغي سحبه منهم.
فيما رد أحد أفراد الشرطة بإنهم جاؤوا لتنفيذ قرار المحكمة ومكتب رعاية الشباب والأطفال المعروف بـ “يوغند آمت”.
وهي الإدارة العامة المسؤولة عن المساعدة الاجتماعية وحماية الشباب ودعم الأسرة في البلدان الناطقة بالألمانية.
تعاطف وانتقادات
وقد حظيت العائلة بتعاطف عربي واسع، وشارك العشرات المقطع داعين إلى تحويل الفيديو إلى قضية رأي عام.
كما أدى الانتشار الواسع للفيديو إلى ظهور وسوم باللغة العربية من بينها وسم “أوقفوا خطف أطفالنا” و #انقذوا_المسلمين_في_المانيا”.
وتتضمن تلك الوسوم أخبارا واتهامات عادة ما تقابل بنفي قاطع من قبل دوائر الخدمات الاجتماعية في عدد من الدول الأوروبية.
و ينظر قطاع من المعلقين العرب إلى إجراء سحب الأطفال باعتبارها “خطوة ظالمة تضر الطفل وأسرته على حد سواء”.
ومن المتفاعلين مع الفيديو الأخير من يشبه ذلك الإجراء بـ “الاختطاف” بل ثمة من يتهم الحكومة الألمانية “بتعمّد خطف أطفال العرب والمسلمين” على وجه الخصوص.
‘تضليل الرأي العام ‘
الشرطة الألمانية ردت بدورها على تلك المزاعم مشيرة إلى أن التعليقات التي رافقت انتشار الفيديو تضمنت ادعاءات كاذبة حول أسباب سحب الطفل.
ورغم أن شرطة مدينة برمرهافن أكدت حدوث الواقعة إلا أنها أوضحت بأن “الفيديو المتداول يظهر جزءا صغيرا من إجراء أمرت به المحكمة لنقل طفلين لدور الرعاية”.
وتابعت الشرطة في بيان نشرته أمس السبت بأن “سحب الأطفال يعد دائما الملاذ الأخير، ولا يُتخذ إلا لأسباب جدية”.
وختمت بالقول” لا يمكننا تقديم أي تفسيرات إضافية بشأن أساس هذا القرار.ندرك مدى صعوبة الفيديو المتداول لكن رجاء لا تنشروا الأخبار المضللة” .
رغم البيان التوضيحي الذي أصدرته الشرطة الألمانية، تواصلت الانتقادات الموجهة للهيئة الاجتماعية وحاول اقتراح حلول أخرى بدلا من “انتزاع الطفل من والديه”
ولم تقتصر الانتقادات على قرار سحب الأطفال فحسب، بل طالت مرحلة احتضان الطفل من قبل عائلات مستضيفة.
فما هي الآليات والحالات التي تلجأ فيها دور الرعاية الاجتماعية لسحب الطفل؟
يتمحور دور تلك المؤسسات حول نقطة أساسية تتلخص في شعار “حماية الطفل تأتي قبل الجميع”.
يطبق ذلك الإجراء في كافة دول الاتحاد الأوروبي مع وجود اختلافات بسيطة في الآليات المتبعة بين الدول.
يطبق قرار سحب الأطفال من أسرهم بعد تلقي سلسلة من التبليغات تفيد بتعرض الطفل إلى ماذا. ومن بينها :
- تعرض الطفل إلى الأذى الجسدي أو النفسي
- أو عند إهمال الطفل كتركه دون رعاية صحية و عدم الاهتمام بنظافته وغذائه.
ويبدأ التحقيق مع أي عائلة بعد ورود شكوى ضدها. وتتطلب المسألة إجراءات طويلة تبدأ باجتماع مع الأهل عدة مرات وإرشادها لتحسين سلوكهم تجاه أطفالهم. وتختلف الإجراءات باختلاف الحالة ونتائج التحقيق. وقد ينتهي الأمر بتوجيه تنبيه للأسرة فحسب أو وضع الأهل والأطفال تحت المراقبة لفترة.
ولكن ثمة حالات تستوجب الإسراع لحماية الطفل. وفي حال اتخاذ قرار بسحب الحضانة من الأسرة، يحق للوالدين اللجوء إلى المحكمة والاعتراض. كما يحق للأهل رؤية أطفالهم خلال تلك الفترة.
نظرية مؤامرة أم تعارض ثقافات؟
من جهة أخرى، انتقد فريق من المعلقين الخطاب الذي تبناه بعض المتفاعلين مع الفيديو الأخير.
فهم يرون أن بعض التدوينات تعمدت الترويج لنظرية المؤامرة ولفكرة “التمييز الديني”.
وفي هذا السياق، حاول بعضهم دحض تلك النظرية، مستدلا بتقارير للتأكيد على أن قرار سحب الأطفال طال الكثير من العائلات الألمانية والأوروبية التي فقدت أولادها نتيجة الإهمال.
ودعا آخرون إلى تبني خطاب عقلاني بعيدا عن العاطفة وأشاروا بعضهم إلى الحكومة الألمانية تراعي الخلفية الدينية لجميع الأطفال ولا تفرض أي قيود على مظاهر الدين ولا تعتبرها أسبابا لسحب الأطفال، لكنها تتدخل إذا كان الطفل يتعرض للقمع أو الضرب أو الإهمال.
وفي هذا الإطار علق محمد أمين قائلا: بطلوا تخاريف ونظريات مؤامرة هذه الدول تحترم الطفل.. وتؤمن بالفرد لا بالمجموعة.. ورغم الثغرات الموجودة في بعض الدول وقساوة الإجراءات إلا إنها تحمي الطفل من الممارسات القمعية. المسألة مسألة فجوة ثقافية بين عالمنا وعالهم”.
وشارطه في الرأي كثيرون ممن أشاروا إلى أن الفيديو المتداول قديم .
فوصف المغرد عبد الغاني الفلموجي الحملة المنتشرة بالفارغة فكتب قائلا لا زائدة ألمانيا يعيش بها الملايين من المسلمين وبها مئات المساجد وحرية العقيدة يكفلها القانون والدستور والدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع.. عندما تكرر الشكوى يتم سحب الأطفال من أي أسرة حتى الألمان وكل الديانات مش بس المسلمين”
إلا أن آخرين أصروا على وصف تلك الإجراءات بـ التعسفية” وطالبوا بمراعاة الخصوصيات الثقافية للعائلات المهاجرة.
ثمة من قال إن” تلك الإجراءات تعمل على تفكيك الروابط الأسرية وهدم قيمة الأبوين بحجة حماية رفاهية الطفل”.
كما يرى فريق آخر بأن آلية السحب “تفتقر لأبسط المعايير الأخلاقية والإنسانية وقد تنجر عليه نتائج كارثية داخل المجتمع”.
الجدل العربي حول قوانين سحب الأطفال في أوروبا لا يعد أمرا جديدا، إذ سبق أن تفجر الجدل ذاته قبل سنوات في السويد.
ويرجع البعض سر اهتمام العرب المتزايد بتلك القضية في الآونة الأخيرة إلى موجة الهجرة المتزايدة من الشرق الأوسط بتجاه أوروبا خلال العقد الأخير.
بين ما ينتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، من أخبار بشأن سحب أطفال من أسرهم المهاجرة أو المسلمة، وبين ما تقوله هيئات الخدمات الأوروبية، في محاولاتها لتصحيح تلك الأخبار، تبرز هوة واسعة تعكس التعارض الكبير بين قيم اللاجئ الأسرية والمجتمع الذي لجأ إليه، خاصة الاختلاف الجذري في أساليب تربية الأطفال.
أو هذا على الأقل ما تعكسه نقاشات البعض على مواقع التواصل الاجتماعي.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.