وتقترب الأسعار في السوق الموازية من مستوى الـ 50 دولاراً للدولار، ويتم تداولها بأسعار مختلفة ما بين (45 وحتى 48 جنيهاً) طبقاً لما تُظهره بعض الصفحات المتخصصة في مراقبة أسعار التنفيذ الفعلية في السوق الموازية. بينما لا يزال السعر الرسمي دون الـ 31 جنيهاً.
ومع اتسارع الفجوة، يعتقد محللون بأن الجنيه مقوم في السوق الموازية بأدنى من سعره الحقيقي أمام الدولار، وأن حالة عدم اليقين الراهنة التي يواجهها الاقتصاد المصري والعالمي تدفع إلى تقييمات “مُبالغ بها” للدولار، بينما السعر العادل لا يتجاوز الـ 40 جنيهاً للدولار.
وتشير تقديرات فيتش سوليوشنز، إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل العملة المصرية لمستويات بين 40 إلى 45 جنيهاً، وذلك في توقعاتها للربع الأول من العام المقبل 2024.
أزمة الدولار
يعزي خبير أسواق المال، عضو الجمعية المصرية للمحللين، ريمون نبيل، ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية أخيراً إلى نفس العوامل القائمة التي تضغط على العملة في مصر، لا سيما عاملي التسعير ونقص الدولار، فيما تُضاف إلى ذلك المخاطر الجيوسياسة المرتبطة بالتصعيد الحادث في غزة منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي.
- المخاطر الجيوسياسة الراهنة -ومع المخاوف المرتبطة بتوسع الحرب- فاقمت من حالة القلق لدى المتعاملين.
- أثرت تلك المخاطر بشكل أو بآخر على قطاع السياحة، الذي تضرر من الحرب القائمة، وهو أحد الروافد الرئيسية للعملة الأجنبية في مصر.
- يضاف إلى ذلك نقص تحويلات المصريين في الخارج في الآونة الأخيرة، طبقاً لما تُظهره بيانات المركزي المصري (انخفضت بنسبة 30.8 بالمئة إلى 22.1 مليار دولار في 2022-2023).
- من بين العوامل أيضاً، أزمة الاستيراد واضطرار بعض الشركات إلى سحب الدولار من السوق الموازية لعدم توافره.
بالنسبة لقطاع السياحة، يفسر ذلك قائلاً: “بعد المعدلات الإيجابية الواسعة في النصف الأول من العام، تهدد هذه الأزمة الجيوسياسية القطاع بأكمله، وبالتالي حرمان البلد من عوائد السياحة بالعملة الأجنبية.
تشير تقديرات شركة تحليلات السفر ForwardKeys، إلى أن حجوزات الطيران والسفر إلى مصر تراجعت بنسبة 35 بالمئة خلال أول ثلاثة أسابيع من الحرب في غزة، فيما تراجعت معدلات السفر عموماً لمنطقة الشرق الأوسط بنسبة 26 بالمئة.
واستقبلت مصرفي النصف الأول من العام الجاري 2023، قرابة 7 ملايين سائح، وهو ما يعد الأعلى في تاريخ البلاد خلال هذه الفترة.
مبالغة في القلق
ويشير نبيل إلى تأثير “فقدان الثقة” الحالي في الاقتصاد المصري، والذي دفع عديداً من المتعاملين للتحوط بالذهب وشراء الدولار الأميركي لحفظ قيمة أموالهم، لكنه يعتقد بأن “فقدان الثقة” مبالغ فيه بشكل كبير، وأن السعر الحالي للجنيه في السوق الموازية لا يعبر عن سعره الحقيقي، في وقت تسعر فيه مؤسسات عالمية الدولار مقابل 37 أو 38 جنيهاً، فيما تضيف السوق السوداء زيادة 20 بالمئة على هذا المعدل.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن التقييم الحالي للعملة المصرية يأتي نتيجة ندرة السيولة فقط، وبالتالي فإن الأزمة سوف تنتهي عندما تحدث وفرة.
- خفضت وكالة فيتش، الشهر الجاري، تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى “B-” هبوطا من “B”، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وارتفاع في الديون الحكومية.
- وفي أكتوبر، خفضت وكالتا التصنيف موديز وستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لمصر بدرجة واحدة أيضا.
ومن المرجح أن تواجه مصر ارتفاعاً كبيراً في استحقاقات الديون الخارجية في السنوات المالية المنتهية في يونيو 2024 ويونيو 2025، مقارنة بتلك المنتهية في يونيو 2023، بحسب فيتش، والتي تتوقع أن تساعد إيرادات السياحة وقناة السويس وانتعاش التحويلات في احتواء احتياجات التمويل من الواردات الأكبر حجما.
وفيما أبقت الوكالة على التوقعات المستقرة، فإنها شددت على أن تلك التوقعات تعكس أنه بعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر، فإن الإصلاحات وتباطؤ المشاريع العملاقة وتعديل سعر الصرف سوف تتسارع، ومن المرجح أن تؤدي إلى برنامج أكبر لصندوق النقد الدولي.
أدوات الدين
من جانبها، تشير خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، إلى أن شح الدولار يدفع السوق الموازية لهذه المستويات، وفي ظل مضاربات قوية تشهدها هذه السوق، وكذلك مع ارتفاع سعر العقود الآجلة بمستويات أوسع من السعر الرسمي.
وتضيف: “إذا استطاعت الدولة توفير الدولار من خلال عددٍ من الأدوات الحالية، من بينها أدوات الدين بالعملة الأجنبية، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى استقرار السوق بشكل أو بآخر”، مشيرة إلى أن “المضاربين على الدولار يأبون هذا الاستقرار، بالنظر إلى أن العملة الأميركية تعد استثماراً بالنسبة لهم، علاوة على أن التعاملات في السوق الرسمية (البنوك) لا تتم بسلاسة (في إشارة لإجراءات الحصول على الدولار والصعوبات في هذا الصدد)”.
وقال البنك المركزي، إن مصر باعت أذون خزانة لأجل عام بقيمة 656.7 مليون يورو في مزاد بمتوسط عائد 4 بالمئة.
وستحل هذه الأذون محل أذون مستحقة بقيمة 699.2 مليون يورو تم بيعها العام الماضي بمتوسط عائد 2.3%، وفقاً لـ “رويترز”.
وتلفت رمسيس إلى أنه رغم زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية إلا أن الفجوة لا تزال قائمة وأزمة وفرة الدولار تطغى على المشهد، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية القائمة، وهو وضع يؤثر بشكل كبير على عملات الدول غير المرتبط بالترودولار.
- ارتفع صافي الاحتياطيات الأجنبية لمصر إلى 35.102 مليار دولار في أكتوبر من 34.97 مليار دولار في سبتمبر، بزيادة بقيمة 132 مليون دولار، وفق بيانات المركزي.
- هذه هي المرة الأولى التي تتخطى فيها احتياطيات مصر الأجنبية مستويات الـ 35 مليار دولار منذ مايو من العام 2022.
وتشير خبيرة أسواق المال إلى أن مصر تسعى لإيجاد وسائل لفك الارتباط مع الدولار، من بينها مؤشر الجنيه المصري الذي يربط الجنيه بسلة عملات، إلا أن تلك الإجراءات تستغرق وقتاً، لافتة في السياق ذاته إلى تصاعد الضغوطات الراهنة، ومن بينها خفض التصنيف الائتماني لمصر.
وحول ما إن القرار المرتقب لـ “تعويم الجنيه” أو تحرير سعر العملة من شأنه الدفع باستقرار سعر الصرف، تعتقد رمسيس بأن “التحرير لن يؤدي لاستقرار سعر الصرف طالما ظلت الفجوة موجودة على النحو الراهن ومع شح الدولار.. الحل الوحيد توفير الدولار، وضبط العرض والطلب في السوق.. إذا حدث تعويم بالوضع الراهن فإن ذلك من شأنه أن يلحق بآثار سلبية على المشهد الاقتصادي ويرفع كلفة الدين”.
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية واسعة، وضغوطات على المالية العامة، وسط حالة عدم يقين تعتري الأسواق تبعاً لتفاهم العوامل الخارجية بداية من الحرب في أوكرانيا وصولاً للحرب في غزة أخيراً.
وأظهرت بيانات من البنك المركزي المصري أن التضخم الأساسي تباطأ إلى 38.1 بالمئة في أكتوبر من 39.7 بالمئة في سبتمبر.
وبحسب بيان للمركزي المصري، فقد سجل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، معدلاً شهرياً بلغ 1.8 بالمئة في أكتوبر 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 3 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.1 بالمئة في سبتمبر 2023.
فيما تسعى الدولة المصرية للتخفيف من آثار الضغوط التضخمية، وقد استثنى قرار زيادة أسعار الوقود أخيراً، السولار (الديزل)، لا سيما كون أي زيادة بأسعاره تؤثر مباشرة على النقل والشحن وأسعار السلع الغذائية وغير ذلك.
وأبقى البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير في آخر اجتماعاته، مطلع الشهر الجاري، قائلاً إنه يركز على التضخم في المستقبل وليس في الوقت الحالي وإن النمو الاقتصادي مستقر فيما يبدو في الربع الثالث من يوليو إلى سبتمبر.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.