في هذا السياق، يبرز دور القطاع الخاص بوضوح كبير؛ إذ يمكن أن يكون له تأثير واسع على تحسين الوضع البيئي والمساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة، في وقت تتسارع فيه التحديات البيئية، وتتعاظم الحاجة إلى تبني سلوكيات واستراتيجيات مستدامة تحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
يأتي دور القطاع الخاص كمحرك حيوي للتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة ومسؤولية بيئياً. سواء كان ذلك من خلال تكنولوجيا نظيفة وممارسات الإنتاج المستدامة والتزام الشركات بتقديم المنتجات والخدمات التي تسهم في تحسين البيئة، وبحيث يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا بارزًا في مساعدة المجتمع الدولي على التكيف مع التحديات المتزايدة.
ودعا صندوق النقد الدولي، في تقرير له أكتوبر الماضي، إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص المتعلقة بالمناخ، وبشكل خاص في الدول الناشئة، بغية الوصول إلى الهدف المأمول “صافي الانبعاثات الصفري بحلول العام 2050”.. وتشير بيانات الصندوق في هذا السياق إلى أنه:
- يتعين استثمار 2 تريليون دولار سنوياً بحلول العام 2030 (طبقاً للبيانات التي أوردتها وكالة الطاقة الدولية).
- المبلغ المقرر حالياً -من إجمالي الـ 2 تريليون المطلوبين- يصل إلى 400 مليار دولار فقط للسنوات السبع المقبلة.
- من الضرورة بمكان رفع مساهمة القطاع الخاص من 40 بالمئة إلى 80 بالمئة، لتلبية الاحتياجات الكبيرة إلى الاستثمارات المناخية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
أدوات القطاع الخاص
ومن بن أبرز الأدوار التي يمكن الرهان على القطاع الخاص للقياد بدور فاعل ومؤثر فيها فيما يخص العمل المناخي، وفي ظل تضافر الجهود لمواجهة أزمة الأزمات الكبرى التي تهدد البشرية، ما يلي:
- الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة: يمكن للشركات دعم البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا البيئية لتطوير حلول نظيفة وفعّالة.
- تحسين كفاءة الطاقة والاستدامة: تحسين الكفاءة الطاقية وتبني ممارسات استدامة تقلل من الآثار البيئية للعمليات الصناعية.
- الالتزام بأهداف الانبعاثات الصفرية: وضع أهداف واضحة للحد من الانبعاثات الكربونية وتبني مبادرات لتحقيقها.
- الاستثمار في المصادر المتجددة: دعم مشاريع الطاقة المتجددة والاستثمار في البنية التحتية الخضراء.
- تطوير سلاسل الإمداد المستدامة: تعزيز التعاون مع الموردين وتحفيزهم على تبني ممارسات مستدامة.
- تسليح المستهلكين بالمعلومات: توفير معلومات شفافة للمستهلكين حول المنتجات البيئية وتشجيعهم على اتخاذ قرارات استهلاك مستدامة.
دور القطاع الخاص
استشاري التغيرات المناخية والتنمية المستدامة بالقاهرة، د. سيد صبري، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن دوراً مهماً ورئيسياً للقطاع الخاص يمكن أن يقوم به بشكل أوسع في المرحلة المقبلة لدعم الجهود على صعيدي التكيف والتخفيف فيما يخص تبعات أزمة المناخ، يتمثل في مجموعة المشاريع -من بينها المشاريع المذكورة- والتي تساعد على المسارات المختلفة لمواجهة أزمة المناخ بالتعاون مع الجهات الرسمية (الحكومية) في الدول.
ويشير إلى أن ضرورة تكامل الأدوار بين الحكومات والقطاع الخاص، على أن تعمل الحكومات على تهيئة البنية التحتية والمشاريع الريادية -لا سيما في الدول الناشئة بشكل خاص- بما يفتح المجال أمام ضخ المزيد من الاستثمارات من جانب القطاع الخاص في المشاريع المرتبطة بمواجهة التغير المناخي، مشيراً إلى أهمية اضطلاع الحكومات بمسؤولياتها في تهيئة البنية بالنسبة للمشاريع عالية المخاطر والتي تتطلب تكنولوجيات عالية، لتشجيع القطاع الخاص.
ويضيف: “مشاريع مثل مشروعات الطاقة الشمسية وغيرها، هي ذات كلفة عالية، وتحتاج بنية تحتية قوية ومهيئة، ومن أجل تشجيع القطاع الخاص في البلدان الناشئة تحديداً على الانخراط فيها بشكل أوسع يتعين أن تقوم الدول بدعم هذه التوجهات وتهيئة البنية الملائمة في أدوار تكاملية”.
علاوة على ذلك، يشدد صبري على أهمية تطوير التشريعات بقصد التيسير دعم القطاع الخاص في الولوج بشكل أكثر تأثيراً في المشاريع المتعلقة بالمناخ، ومن خلال تقديم تسهيلات وحوافز مختلفة للدخول بمشاريع، وبما يمكن المستثمرين من تحقيق هامش ربح، لا سيما وأن أي مستثمر ينظر في المقام الأول إلى العائد الذي سوف يجنيه.
تسهيلات حكومية
ومن أجل دعم القطاع الخاص للقيام بدور أوسع في سياق مواجهة التغيرات المناخية، فإن ثمة تسهيلات عديدة أخرى مطلوبة من الحكومات، لدعم القطاع، على النحو التالي:
- توفير التشريعات والحوافز: إقرار تشريعات تشجع على الممارسات المستدامة وتوفير حوافز مالية للشركات التي تتبنى تلك المبادرات.
- تشجيع على الابتكار والبحث والتطوير: توفير دعم مالي وتشجيع على الابتكار من خلال الاستثمار في البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا النظيفة.
- تشجيع على التقارير المستدامة: فرض متطلبات على الشركات لتقديم تقارير دورية حول أثرها البيئي وتنفيذ استراتيجيات استدامة.
- تسهيل الوصول إلى تمويل مستدام: توفير تسهيلات للشركات للحصول على تمويل يدعم المشاريع البيئية.
- تعزيز التعاون العام-الخاص: تشجيع على التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال شراكات لتحقيق أهداف بيئية محددة.
- التثقيف ورفع الوعي: تعزيز حملات تثقيفية حول أهمية المسؤولية البيئية وفوائد الاستدامة.
ووفق صبري، فإنه من خلال دعم القطاع الخاص وتوفير التسهيلات اللازمة، يمكن للحكومات أن تلعب دورًا حيويًا في تحفيز المشاركة الفعّالة في العمل المناخي، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.
تحديات التمويل والاستثمار
لكن استشاري التغيرات المناخية والتنمية المستدامة بالقاهرة، يشير في الوقت نفسه إلى مجموعة من العقبات والعوائق التي تقف حائلاً أمام توسع مشاركة القطاع الخاص في تلك المشاريع، تأتي على رأسها الأوضاع الاقتصادية الراهنة التي يعاني منها العالم، وارتفاع حدة المخاطر (..).
ويمكن للأزمات الاقتصادية أن تؤثر بشكل كبير على دور القطاع الخاص في مشاريع مواجهة تغير المناخ بعدة طرق، على النحو التالي:
- تقليل التمويل: خلال الأزمات الاقتصادية، قد يقلل القطاع الخاص من استثماراته والتمويل المتاح للمشاريع البيئية ومشاريع التكنولوجيا الخضراء. قد يكون ذلك نتيجة لقلة السيولة المالية وتراجع الاستثمارات بسبب عدم اليقين الاقتصادي.
- تأخير المشاريع: قد يتسبب التقليل من الاستثمارات في تأخير المشاريع المخطط لها، وهو ما قد يؤثر على الجهود المستدامة والتكنولوجيا النظيفة التي يمكن أن تلعب دورًا في مواجهة تغير المناخ.
- تقليل الابتكار: قد يكون للأزمات الاقتصادية تأثير سلبي على التفكير الابتكاري وتطوير التكنولوجيا البيئية. يمكن أن يكون التركيز الرئيسي للشركات في مثل هذه الفترات على البقاء أو الاستمرارية بدلاً من الاستثمار في مشاريع طويلة الأمد.
- تغير في الأولويات: قد تتغير أولويات الشركات خلال الأزمات الاقتصادية لتركيزها على الاستمرارية وتحقيق الربح السريع بدلاً من الاستثمار في مشاريع تستغرق وقتًا طويلاً لتحقيق عوائد مالية.
- تأثير على الدعم الحكومي: قد تؤثر الأزمات الاقتصادية على قدرة بعض الحكومات على تقديم تحفيزات اقتصادية لتعزيز المشاريع المستدامة، مما يقلل من إمكانية دعم القطاع الخاص لهذه المشاريع.
- فقدان وظائف: إذا كانت الأزمة الاقتصادية تؤدي إلى فقدان وظائف كبيرة، فإن ذلك قد يتسبب في تقليل الاهتمام بالقضايا البيئية وتغير المناخ، حيث قد يكون الاهتمام الأول للأفراد هو البقاء على قيد الحياة وتأمين متطلباتهم الأساسية.
وكان نائب مدير إدارة الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، رود دي مويج، في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت، الشهر الماضي، أن حوالي 40 بالمئة من الأسواق الناشئة تم تصنيفها على أنها أقل من درجة الاستثمار، مما يعني أنها ليست في الوقت الحالي “جزءا من المجال القابل للاستثمار”. يعكس ذلك خصوصية المشهد بالنسبة للبلدان الناشئة التي تواجه تحديات مضاعفة ومتصاعدة.
وكان الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، والرئيس المعيَن لمؤتمر الأطراف “COP28″، قد جدد الدعوة إلى ضرورة مضاعفة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرّات بحلول العام 2030، وذلك خلال كلمته أمام معرض ومؤتمر “أديبك2023″، مؤكداً أن العالم بحاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 43 بالمئة على الأقل بحلول 2030 لتفادي تجاوز ارتفاع درجة حرارة الأرض عن مستوى 1.5 درجة مئوية، وأن الاستثمارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة بلغت مستوى قياسيا قدره 1.7 تريليون دولار في العام الماضي.
المجتمع الدولي
ويتحدث استشاري التغيرات المناخية في الوقت نفسه، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، عن أهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به المجتمع الدولي عموماً في سياق الاضطلاع بمسؤولياته إزاء أزمة المناخ، ووفاء الدول الكبرى بتعهداتها، معتبراً أن بعض تلك التعهدات “محل شك” في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعتري بعض هذه الدول، كما أن الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف المناخية تتعرض لهجمات مرتدة بسبب التأثير الأوسع لهذه الأوضاع الاقتصادية، من بينها لجوء بعض الدول للعودة إلى استخدام الفحم لتوليد الكهرباء، في ظل أزمة الطاقة.
فيما على الجانب الآخر يتعين أن تدفع أزمة الطاقة وغيرها من الأزمات المماثلة إلى توسيع الاستثمارات في مصادر الطاقة البديلة والمضي قدماً على صعيد المزيج الطاقوي، الأمر الذي يفترض معه أن يسرع من استثمارات وجهود القطاع الخاص في هذا السياق، للاستفادة من الفرص المواتية.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.