فضلاً عن محاولة إنشاء سوق في تركيا لإعادة تصدير الغاز إلى الدول الأوروبية، بحسب خبراء طاقة عالميين، أشاروا إلى أن صادرات الغاز الروسي انخفضت 45 بالمئة في عام 2022 بعد قطع معظم الأنابيب الواصلة إلى القارة الأوروبية.
وكانت روسيا أوقفت إمدادات الغاز إلى أوروبا باستثناء نسبة قليلة وذلك في عملية عض أصابع شهدها العالم في العام الماضي بين روسيا والاتحاد الأوروبي على خلفية الأزمة الأوكرانية.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يظل معروض الغاز شحيحاً في عام 2023 وسط انخفاض الشحنات عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا، بعد أن أشارت في تقاريرها ربع السنوي الصادر في مايو الماضي، إلى أن أسواق الغاز الأوروبية والعالمية عانت من صدمة كبيرة تتعلق بالإمدادات في عام 2022 عندما خفضت روسيا شحناتها من الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 80 بالمئة.
وبحسب متحدث باسم شركة غازبروم، المسؤولة عن إنتاج وتصدير الغاز الروسي، فإن حجم إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا يبلغ 40.7 مليون متر مكعب يومياً من خلال محطة الضخ “سودغا”، وذلك وفق الرسوم التي وافقت عليها السلطات في كييف.
ارتفاع أسعار الغاز في 2022 يعوض انخفاض الصادرات الروسية
وفي تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي: “تلقت صادرات الغاز الروسي صدمة قوية بعد فقدانها زبوناً مهماً وغنياً مثل القارة الأوروبية التي كانت تستحوذ على ثلثي صادرات الغاز الروسية والتي بلغت في العام 2021 نحو 150 مليار متر مكعب تم تصديرها عبر الأنابيب، إلا أن هذه الكمية انخفضت نحو 12 مليار متر مكعب في 2022 بعد قطع خط (نورد ستريم) وبعض الخطوط الأخرى الواصلة إلى القارة الأوروبية.
ولكن على الرغم من انخفاض صادرات روسيا من الغاز في العام 2022 بنحو 45 بالمئة، فإن إيرادات غازبروم من إجمالي صادرات الغاز الروسي قد وصلت إلى نحو 80 مليار دولار بسبب ارتفاع الأسعار”.
ولكن الصورة اختلفت في العام 2023، بسبب انخفاض أسعار الغاز مع عدم تمكن روسيا من التصرف بـ 90 مليار متر مكعب من الغاز نتيجة خسارتها السوق الأوروبية، على الرغم من أنها تسعى جاهدة إلى زيادة صادراتها إلى أسواق أخرى، طبقاً لما قاله الشوبكي.
وأوضح الشوبكي أن “انخفاض أسعار الغاز يتسبب في تراجع إيرادات الغاز الروسية في العام الجاري، حيث وصلت إيرادات شهر يناير إلى 3.4 مليار دولار مقارنة مع 6.3 مليار دولار في الشهر ذاته من العام السابق لذا من المتوقع أن تنخفض إيرادات غاز بروم في العام الجاري بواقع 50 بالمئة في حال استمر انخفاض الأسعار، حيث تباع كل مليون وحدة حرارية بريطانية بـ 9 دولارات في الأسواق العالمية وهذا يشكل انخفاضاً كبير عن أسعار تخطت 50 دولاراً في العام الماضي”.
ما هي بدائل روسيا عن السوق الأوروبية؟
يشرح مستشار الطاقة الدولي الشوبكي هذه البدائل كمايلي:
- خيارات روسيا في التصرف باحتياطاتها الضخمة من الغاز على المدى القصير محدودة بعد أن كانت تعتمد على البنية التحتية القوية المؤسسة فيما بينها وبين الاتحاد الأوروبي.
- روسيا تفتقد إلى البينة التحتية مع المشترين الجدد في آسيا كالصين، إذ تحتاج إلى وقت ليس قصيراً لاستكمال البنية التحتية ومنها مشروع (قوة سيبيريا 2).
- يتم حالياً تصدير 22 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين عبر خط (قوة سيبيريا 1).
- من المتوقع ترتفع صادرات الغاز الروسي باتجاه الصين عبر خط (فوة سيبيريا 1) إلى 38 مليار متر مكعب في 2025.
- من المتوقع أن يرتفع إجمالي صادرات الغاز الروسي باتجاه الصين عبر (قوة سيبيريا 1) و(قوة سيبيريا 2) ومن الغاز المسال إلى 100 مليار متر مكعب نهاية العقد الحالي.
- تسعى روسيا على مضاعفة قدراتها التصديرية للغاز الطبيعي المسال 3 مرات عبر الموانئ الروسية إذ تحاول حالياً تحويل شبكة غاز (نورد ستريم) في الأراضي الروسية إلى موانئ تصدير الغاز المسال.
- زيادة قدراتها التصديرية من الغاز المسال في الموانئ القريبة من السواحل الصينية في منطقة (سخالين) ومناطق أخرى.
- إمداد جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً مثل أذربيجان وكازاخستان بالغاز
- إمداد تركيا بالمزيد من الغاز (الآن تركيا ثاني أكبر مستورد للغاز الروسي)، وهناك محاولات لإنشاء سوق للغاز في تركيا بهدف إعادة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا لكن لم يتضح بعد كيفية تفعيل هذه السوق، إذ يوجد حالياً شبكة أنابيب “ترك ستريم” و”بلو ستريم” إلى تركيا تصدر من خلالها روسيا 27 مليار متر مكعب من الغاز.
- أيضاً تحاول روسيا الاعتماد بشكل أكبر على الغاز في داخل البلاد بدلاً من الفحم لتصريف كميات إضافية من الغاز الذي كان يذهب إلى السوق الأوروبية.
وبالمحصلة، أضاف الشوبكي أن روسيا تعتمد على الصين وتركيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بهدف تصدير أكبر كمية ممكنة من الغاز خلال المرحلة المقبلة مع إصرارها على التأقلم تدريجياً مع الأسواق الجديدة ومع إيرادات منخفضة من الغاز على الرغم من قسوة هذا الامر على موازناتها.
نجاح لافت لروسيا في إيجاد أسواق بديلة
من جانبه، أكد الدكتور ممدوح سلامة خبير النفط العالمي المقيم في لندن في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن إحلال الاتحاد الأوروبي مصادر غاز بديلة للغاز الروسي أثرت سلباً على حجم صادرات الغاز الروسي، بعد أن كان الاتحاد الأوروبي لسنوات طويلة أكبر سوق للغاز الروسي المرسل عبر الأنابيب إضافة إلى جزء من صادرات الغاز السائل الروسي، مشيراً إلى أن الغاز الروسي يُرسل في غالبيته سواء كان سائلاً أم غازاً عادياً إلى منطقة حوض المحيط الباسيفيكي وبالتحديد إلى الصين.
وأضاف الدكتور سلامة: “ستتمكن روسيا من إيجاد بدائل لسوق الاتحاد الأوروبي في مجال الغاز مثلما نجحت في إيجاد أسواق بديلة للنفط إذ أن الصين والهند وحدهما تشتريان الآن كل صادرات روسيا من النفط، ناهيك عن أن الصين لها مساهمة واستثمارات كبيرة في الغاز السائل المنتج في منطقة المحيط المتجمد الروسي.
“إن نجاح روسيا كان لافتاً في إيجاد أسواق بديلة لمعظم صادراتها من الطاقة، ومن المؤكد أنها ستنجح في مجال الغاز مثلما نجحت في مجال النفط، وفقاً لخبير النفط العالي، الذي أكد أن جزءاً لا باس به من الغاز الروسي لا يزال يُرسل عبر خط “ترك ستريم” إلى تركيا ومن هناك يمكن إيصاله إلى دول أوروبية لا تزال تستخدم الغاز الروسي.
ويرى الدكتور سلامة أن استخدم دول أوروبية للغاز الروسي لن يتوقف في المستقبل، بل يؤكد أنه الاتحاد الأوروبي سيكون خلال عامين أو ثلاثة مجبراً على استئناف شراء الغاز الروسي المرسل عبر الأنابيب لأنه أرخص بكثير من الغاز السائل، فضلاً عن أن الاقتصاد الأوروبي أساساً بني في الماضي على الغاز الروسي المرسل عبر الأنابيب.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.