بدأت الأحاديث بعد تداول فيديوات نشرها إسرائيليون – بينهم مجندون سابقون- بشأن “استحالة” اختراق الجدار الأمني المجهز بأحدث وسائل الرقابة والكشف والاستشعار دون أن يتلقى الجيش تحذيرا بذلك.
وبالتزامن وجهت شخصيات سياسية وإعلامية انتقادات لاذعة لنتنياهو وحكومته متهمة إياه بأنه تجاهل تحذيرات مصر بشأن هجوم وشيك، وأن سياسته تجاه غزة في السنوات الأخيرة هي سبب مباشر لما حدث.
رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، موشيه يعالون، قال في حديث لقناة “كان11” الإسرائيلية: “أرى أن نتنياهو يتحمل كامل المسؤولية عن الإخفاق، حكومة واهمة وكل ما تريده هو سحق النظام القضائي، حكومة مكونة من مذنبين ومشتبه بهم (..) على المعارضة أن تنحّي نتنياهو من منصبه”.
زهافا غلئون، الزعيمة السابقة لحزب “ميرتس” نشرت تغريدة تشير فيها إلى ضرورة عزل نتنياهو، وقالت فيها: “انتهت الحملة ضد الانقلاب النظامي وبدأت حملة لاستبدال الحكومة”.
وعلى حسابها في منصة “إكس” نشرت مؤسسة الحقوق والمساواة “زولات” التالي:
“نتنياهو مذنب. في نهاية الحرب، عندما يعود الأمن إلى المواطنين، يتعين حل حكومة الطوارئ القائمة. ولن يتمكن نتنياهو وأعضاء حكومته من الهروب من هذا الفشل”.
مكتب نتنياهو نفى في بيان رسمي، مساء الخميس، أن نتنياهو كان على علم بالهجوم موضحاً أنه تلقى خبرا في الساعة 6:29 صباحا في نفس اليوم، أي مع بدء الهجوم.
من جانبها، اعترفت المؤسسة العسكرية أنها تلقت معلومات بشأن تحركات غير عادية على الحدود مع غزة، لكنها فُسرت على أنها “تدريبات” أو محاولة خطف أو تسلل “ضعيفة” وذلك بعد اجتماع تقييم شارك فيه رئيس الأركان وعدد من كبار الضباط تقرر في نهايته عدم رفع حالة التأهب.
نتنياهو.. كبش فداء لإرضاء الشعب
يواجه نتنياهو أكبر فضيحة أمنية وعسكرية وسياسية واستخباراتية في تاريخ إسرائيل، وبالنظر إلى الماضي، حرب أكتوبر 1973 وحرب لبنان 2006، لم يسبق أن نجا رئيس إسرائيلي بنفسه بعد إخفاق مشابه. فهل انتهى مستقبل نتنياهو السياسي؟
يقول رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي ونائب الكنيست السابق، سامي أبو شحادة، في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “لا يهم من هو رئيس الحكومة الإسرائيلي حاليا، ففي جميع الأحوال لا يصمد رئيس حكومة إسرائيلي في منصبه بعد مفاجأة عسكرية استخباراتية بهذا الحجم”.
ويفسّر ذلك بعدم قبول المجتمع الإسرائيلي دفع أي ثمن لأجل الحرب، قائلاً: “المجتمع الإسرائيلي لديه قناعة فيما يتعلق بالحرب نابعة من حرب 1967، أن إسرائيل قادرة على اكتساح العالم العربي في 6 أيام دون أن تدفع ثمناً” وبناء على ذلك “لا يقبل المجتمع الإسرائيلي إلا بحرب بلا ثمن، فهم غير مستعدين لدفع أي ثمن لأي حرب”.
ويضيف أبو شحادة أن أسبابا عدة يمكن أن ترجح سيناريو التخلص من نتنياهو، وهي “وجود محاكم ضده وحركة احتجاج قوية تقودها المعارضة بسبب التعديلات القضائية. والأهم أن الساحة السياسية الإسرائيلية ستبحث عن كبش فداء نظراً لأنها لا تستطيع محاسبة المؤسسة العسكرية عبر تحميلها مسؤولية الفشل رغم كونه فشلا عسكريا” لذلك “نتنياهو وجزء كبير من حكومته سيكونون كبش الفداء لإرضاء الشعب”.
تتفق هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، مع أبو شحادة، إذ قالت في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية” إن المشهد الإسرائيلي يظهر أنه فور انتهاء الحرب “سيتّجه الإسرائيليون إلى تشكيل عدة لجان تحقيق لبحث الإخفاق السياسي والعسكري والاستخباراتي والأمني، هذه التحقيقات وفق توقعاتي ستنهي مسار نتنياهو السياسي”.
لكن تضيف غانم إنه من غير المتوقع أن يتنازل نتنياهو بسهولة بطبيعة الحال، ودليل على ذلك “هو تشكيله لحكومة الطوارئ التي سينتهي دورها بانتهاء الحرب ومن ثم تعود حكومته لممارسة أعمالها، ومن غير المتوقع أن يتجه لانتخابات مبكرة إن لم يُجبر على ذلك”.
لماذا يحمل الإسرائيليون نتنياهو مسؤولية الإخفاق؟
ليست هذه هي الحرب الأولى على حدود إسرائيل الجنوبية مع قطاع غزة، وليست أول مواجهة تجري بوجود نتنياهو على رأس السلطة في إسرائيل. لكن الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل منذ اليوم الأول، يدفع الإسرائيليين لإلقاء اللوم على حكومة نتنياهو والمطالبة بإزاحته فور انتهاء الحرب. لكن ما هي سياسات حكومة نتنياهو الأخيرة التي تجعل من المحاسبة هذه المرة ذات عواقب وخيمة؟
في هذا السياق تقول مديرة مركز “مدار”، إن تحميل نتنياهو المسؤولية من قبل المجتمع الاسرائيلي والمستوى السياسي كذلك ينتج من أن حكومته انتهجت سياسة ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتقوية حركة حماس، عبر إدارة الصراع معها وغض الطرف عن نشاطها، وبالمقابل إضعاف السلطة الفلسطينية بهدف منع إقامة دولة فلسطينية.
وفي تقارير إعلامية انتُقدت حكومة نتنياهو لسياسة “إضعاف” الجيش في الجبهة الجنوبية وتوجيه التركيز حول المستوطنات، تلبية لطلبات وزراء حكومة نتنياهو من تيار اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش الذين يضعون الاستيطان في الضفة في سلّم أولوليات الحكومة.
حكومة الطوارئ.. طوق النجاة؟
مع اتفاق تشكيل حكومة طوارئ، أو “حكومة حرب”، تضم نتنياهو وزعيم المعارضة بيني غانتس ووزير الدفاع الحالي يوآف غالانت، وكل من القائد السابق للجيش غادي آيزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، مراقبين. يُطرح سؤال حول تأثير هذه الخطوة على مستقبل نتنياهو، ما الذي يقف وراءها؟
يقول أبو شحادة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن حكومة الطوارئ في الحالة الإسرائيلية هي “أمر مُعطى” نظرا للانتقادات الإسرائيلية التي يتعرض لها نتنياهو، لذلك، وفق أبو شحادة، هدف نتنياهو من هذه الخطوة أن يكون هناك مسؤولية جماعية على جرائم الحرب، ويريد تقاسم المسؤولية مع شخصيات ذات خبرة عسكرية ولديهم قبول لدى المجتمع الإسرائيلي، وإن كان هناك بعض صور الانتصار فسوف ينسب نتنياهو قيادة الانتصار لنفسه”.
المشهد الإسرائيلي-الفلسطيني المعقد يجعل من الصعب التحليل والتنبؤ بالخطوة القادمة، لكن ما إن تضع الحرب أوزارها قد يجد نتنياهو وحكومته أنفسهم أمام أسئلة عصية على الحل وميزان في الغالب لن يميل لصالحهم.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.