احتضنت سماح قشطة (29 عاما) مولودتها الجديدة وتفحصت وجهها الصغير وعينيها السوداوين، ثم ما لبثت أن أجهشت بالبكاء قائلة: “الظروف أجبرتني، ولدت في وقت غير قادرة على تأمين شيء لطفلتي”.
وعلى الرغم من أنها تعمل قابلة، تعاني سماح من النقص الحاد في احتياجاتها مثل معظم الأمهات الأخريات في غزة.
وجاءت إلى المستشفى ومعها عدد قليل من الحفاضات وعلبة من حليب الأطفال وزجاجة من المياه لإعداد الحليب.
وبعد وقت قصير من ولادتها، كانت سماح ترقد على سرير بجانب النافذة مع طفلتها نايا عندما تعرض منزل مجاور للقصف في غارة جوية.
إنهاك في المشرحة
يدير سعيد الشوربجي (50 عاما) مشرحة مستشفى ناصر، ويعتمد على متطوعين يعملون بواقع ثمانية في كل نوبة عمل.
وتبعد المشرحة 30 مترا فقط عن قسم الولادة.
ويصل قبل السادسة صباحا، أي قبل ساعة من وصول أي شخص للتعرف على الجثث.
ويعاني الشوربجي، وهو أب لست بنات وولدين، من الحرمان من النوم، فقد يستيقظ خلال ست ساعات 40 مرة مع كل مرة يدوي فيها القصف.
وتدير منظمة خيرية المشرحة وتمولها تبرعات محلية أخرى، وتقدم المشرحة خدماتها بالمجان.
ويحدد الشوربجي وطاقمه هوية القتلى ويكفنونهم ويرسلونهم إلى المسجد لتُصلى عليهم صلاة الجنازة ثم إلى قبورهم.
ويُسمح لأفراد الأسرة الأقربين بدخول المشرحة لتلاوة القرآن وترديد الأدعية وتقبيل جثث أحبائهم.
وصُممت ثلاجات حفظ الموتى في المشرحة لاستيعاب 50 جثة، لكن فيبعض الأيام تعج بمثلي ذلك الرقم وتُوضع الجثث على أرضية المستشفى.
ولا يتمثل التحدي في التعامل مع عدد الجثث التي تصل فحسب، فالمشرحة تعاني من نقص الوقود في غزة وتطلق نداءات من أجل المساعدة في حمل القتلى إلى المسجد وإلى المقابر.
وإيجاد مكان في المدافن أمر عسير وخطير، فقد قُصف المدفن الرئيسي في البلدة كثيرا إلى حد دفع كثيرين إلى حفر قبور بأنفسهم في المدينة وفي مخيم اللاجئين.
تحت الحصار في خان يونس
يُسمع دوي انفجارات ليلا في المدينة بعضها بعيد والبعض الآخر قريب.
ويوجد نقص خطير في الإمدادات جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة ومنعها توريد الوقود والكهرباء ومعظم المواد الغذائية إليه.
وعادة ما يعيش في مدينة خان يونس نحو 440 ألف شخص، لكن هذا العدد يُعتقد أنه زاد للمثلين الآن.
وفي 13 أكتوبر طلبت إسرائيل من أكثر من مليون شخص ممن يعيشون في شمال القطاع الانتقال إلى الجنوب.
وقال مسؤولون أميركيون إن الجميع استجابللتحذير باستثناء نحو 300 ألف شخص، وإن كثيرين منهم جاءوا إلى خان يونس.
ومن بين النازحين عبلة عوض، وهي امرأة مسنة سبق وأن عاشت معاناة التهجير تحديدا في عام 1948 عند قيام إسرائيل.
كانت عبلة في الخامسة من عمرها عندما غادرت عائلتها قرية حليقات التي أعلنت إسرائيل ضمها لأراضيها لاحقا.
وانتقلت عبلة إلى خان يونس قادمة من مخيم جباليا للاجئين الواقع شمال قطاع غزة.
ويستمر العمل في سوق الخضار في خان يونس لكن الأسعار زادت للمثلين.
وعند المخابز يصطف المئات في طوابير من الفجر حتى غروب الشمس.
وتنتشر أكوام من القمامة وأسراب من الذباب في كل مكان، وتسببت ندرة المياه ونقص مرافق الصرف الصحي في تفشي أمراض جلدية.
ويملك عدد قليل من السكان المحظوظين ألواحا شمسية فوق منازلهم تساعدهم على سحب المياه الجوفية من المضخات وشحن هواتفهم المحمولة.
ويضطر كثيرون آخرون إلى الوقوف في طوابير منذ الصباح الباكر لملء حاويات صغيرة بالمياه من الآبار القريبة.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.