هذا ما أبرزه تقرير صادر عن الحدائق النباتية الملكية (كيو)، وهي هيئة عامة غير إدارية في المملكة المتحدة ترعاها وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية، وهي مؤسسة بحثية وتعليمية ذات أهمية دولية في علم النبات. تشير الهيئة في تقرير لها منشور عبر موقعها على الإنترنت الشهر الجاري، إلى أنه:
- من بين أكثر من 7000 نبات صالح للأكل في جميع أنحاء العالم، هناك 417 فقط من المحاصيل الغذائية.
- يشكل الافتقار إلى النظم الغذائية المتنوعة تحدياً لسكان العالم.
- 3 نباتات فقط للمحاصيل هي الأغذية الأساسية لأكثر من 4 مليارات شخص.
- يسلط علماء (كيو) الضوء على الأطعمة المستقبلية مع إمكانية تنويع النظم الغذائية ومعالجة نقص الغذاء على مستوى العالم.
طعامنا في خطر
ذكر التقرير أن “طعامنا في خطر”، ذلك أنه يواجه مخاطر منوعة؛ من تغير استخدام الأراضي والآفات والأمراض وتغير المناخ، ذلك أن التغيير في درجة الحرارة بمقدار 1-2 درجة يهدد بإنهاء عديد من الأطعمة اليومية المفضلة لدينا.
يعلق استشاري التغيرات المناخية بالقاهرة، ماهر عزيز، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، على ارتباطات القطاع الزراعي بالتغيرات المناخية وجهود التكيف في ذلك الإطار، قائلاً:
- قطاع الزراعة عموماً يُعد من أهم القطاعات المتأثرة بالتغيرات المناخية.
- هناك إجراءات ضخمة للتكيف يشهدها القطاع في كل مكان في العالم تقريباً، وفقاً لطبيعة الطقس المختلف من بلد لآخر.
- في الأماكن التي تتزايد فيها درجات الحرارة هناك جهود ضخمة في مراكز البحوث لاستنباط محاصيل تقاوم الحرارة العالية.
- كذلك الحال في الأماكن التي تتزايد فيها ملوحة الأرض هناك أيضاً جهود لاستنباط محاصيل تواجه الملوحة، وغير ذلك من جهود لاستنباط محاصيل تقاوم آثار مختلفة لتغير المناخ.
وفي هذا السياق، يشير خبير التغيرات المناخية، إلى أن دوراً كبيراً تقوم به مراكز البحوث المتخصصة والجامعات في سبيل كيفية التكيف مع آثار تغير المناخ لجهة الوصول إلى أقل قدر ممكن من التبعات السلبية لأزمة المناخ على إنتاج الطعام وجميع المحاصيل، سواء للغذاء الإنساني أو الأعلاف وكذلك للإنتاج الصناعي، بما لذلك من أهمية قصوى متصلة بحياة البشر.
ويشير عزيز إلى أن بعض الدول حول العالم نجحت في الوصول إلى محاصيل تقاوم الجفاف أو شح المياه ومحاصيل تقاوم الحرارة العالية وأخرى تقاوم الصقيع ومحاصيل تقاوم الرياح العاتية، وغير ذلك من أفكار كثيرة في قطاع الزراعة للتكيف، ومن أجل مواجهة كل الأحوال المتبدلة بأي شكل وبأية كيفية كي لا تؤثر على الإنتاج الزراعي.
ورداً على سؤال حول “إلى أي مدى يُمكن أن يسهم تغير المناخ في تغيير الأنماط الغذائية المعتادة؟” وفي ظل دراسات تحدثت عن اختفاء بعض المحاصيل والمواد الغذائية مستقبلاً، يقول استشاري التغيرات المناخية: بالتأكيد هناك بعض التغيرات، لكن العمل يتم لتكون في حدودها الأقل، على غرار خلط الدقيق بطحين الذرة في المناطق التي تواجه مشكلة في زراعة القمح ناتجة عن التغيرات المناخية على سبيل المثال، مردفاً: “هناك بعض التغيرات المتوقعة بالأنماط الغذائية، لكن يتم العمل على أن تكون في حدود التقبل البشري لها، دون حدوث تغيير كبير في الأنماط الأساسية يجد معه الإنسان نفسه غير قادر على التكيف”.
مجموعة من المحاصيل تفرض نفسها
وإلى ذلك، ضمت قائمة (الحدائق النباتية الملكية) مجموعة متنوعة من المحاصيل والمكونات التي يمكن أن تفرض نفسها على أنظمتنا الغذائية في المستقبل والنباتات التي يمكن أن تظهر على أطباقنا بحلول العام 2050.. وهي:
- القهوة البرية: وجد الباحثون أخيراً أن نوعاً نادراً من القهوة البرية من غرب أفريقيا العليا، والمعروف باسم قهوة سيراليون، يمكنه تحمل درجات حرارة أكثر دفئاً، وهذا يفتح إمكانية تكاثر وإنتاج محاصيل قهوة جديدة مقاومة للمناخ للاستهلاك العالمي، بما يساعد على حماية زراعة البن من أزمة المناخ.
- الفونيو: نوع عشبي موطنه السافانا في غرب إفريقيا، يتحمل الظروف الجافة وتستخدم حبيباته الصغيرة لصنع العصيدة والكسكس وحتى المشروبات. ويحتوي على نسبة عالية من الحديد والكالسيوم وعديد من الأحماض الأمينية، وكذلك فيتامينات ب ، كما وجدت الأبحاث الحديثة.
- الصبار: يوجد أكثر من 1500 نوع من الصبار، بعضها صالح للأكل. تشمل هذه الأنواع التين الشوكي.
- الموز الكاذب: محصول آخر لديه القدرة على تعزيز الإنتاج الغذائي المستدام على المدى الطويل. يُزرع هذا النوع القريب من الموز بشكل شائع في إثيوبيا.
- كما تضم قائمة النباتات التي يمكن أن تظهر في غذائنا بحلول 2050 أيضاً كلا من: فاصوليا الموراما والأعشاب البحرية والأرز البري ونبتة الـ Akkoub والبندانس والسبانخ.
إجراءات التكيف
من جانبه، يشير استاذ الاقتصاد الزراعي بالقاهرة، الدكتور جمال صيام، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن ثمة مجموعة من المُتغيرات التي تحملها جهود وإجراءات “التكيف” مع تغير المناخي، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقطاع الزراعي حول العالم، وذلك لجهة الاعتماد على محاصيل دون غيرها، وبالتالي تغير أنماط الغذاء في المستقبل لصالح تلك المحاصيل.
ويشير إلى أن الوضع يختلف باختلاف المنطقة ذاتها، حيث لا تواجه كل دولة نفس التحديات ونفس الانعكاسات (بنفس الشكل والتأثير) المرتبطة بالتغيرات المناخية، وتبعاً لذلك تُبنى السياسات الزراعية الاستباقية في سياق التكيف في مواجهة المتغيرات والتحديات التي تواجه كل دولة، من خلال اعتماد “الزراعة الذكية المناخية” من خلال تبني تركيب محصولي وممارسات زراعية تتناسب مع المتغيرات.
ويشير إلى أثر ارتفاع درجات الحرارة على زراعة محاصيل بعينها، ولصالح الاعتماد على محاصيل لديها القدرة على مواجهة الإجهاد المناخي على ذلك النحو، فضلاً عن تأثير ارتفاع نسبة الملوحة والجفاف في بعض البلدان في تغيير نمط الزراعة لصالح محاصيل بعينها قادرة على تحمل الملوحة.
يضاف إلى ذلك “استنباط سلالات جديدة” يُمكنها مقاومة الظروف المناخية المختلفة التي تحدث في أي بلد، على سبيل المثال فيما يخص “قصب السكر” وتأثر زراعته مستقبلاً بالنقص المحتمل في الأمطار الساحلية ومن ثم ملوحة التربة، وبالتالي يمكن العمل على سلالات وأنماط زراعية مختلفة لتقليل عملية البخر. وتضم القائمة عديداً من المحاصيل الأخرى مثل الأرز على سبيل المثال.
أطعمة تزيد الإنبعاثات!
وكان تقرير صادر عن الأمم المتحدة قد ذكر في سياق آخر مجموعة من النباتات التي يتسبب إنتاجها في التغير المناخي، ذلك أن الغذاء يمر بعدة خطوات من نمو ومعالجة ونقل وتوزيع وتحضير واستهلاك والتخلص منه في بعض الأحيان.
كل خطوة من هذه الخطوات تولد غازات دفيئة تحبس حرارة الشمس وتسهم في تغير المناخ. يرتبط أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان بالغذاء.
وذكر التقرير أن “الحد من الانبعاثات من قطاع الأغذية يتطلب تغييرات في جميع المراحل، من المنتجين إلى المستهلكين”. وقد يؤدي الاعتماد، عند الاقتضاء، على النظم الغذائية الغنية بالنباتات، مع المزيد من البروتين النباتي (مثل الفاصوليا والحمص والعدس والمكسرات والحبوب) والأقل من الأطعمة الحيوانية (اللحوم والألبان) والأقل من الدهون المشبعة (الزبدة والحليب والجبن واللحوم وزيت جوز الهند وزيت النخيل) إلى انخفاض كبير في كمية انبعاثات غازات الدفيئة، مقارنة بالأنماط الغذائية الحالية في معظم البلدان الصناعية.
تأثير بعدة طرق
من جانبه، يشير كبير المحاضرين والمدير المشارك بالبرنامج المشترك لعلوم وسياسة التغيير العالمي في مركز أبحاث السياسات البيئية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، جون رايلي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: إنه “من المحتمل أن يؤثر تغير المناخ على إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية بعدة طرق”، موضحاً أن:
– بنفس الحد الذي يعتمد فيه الناس على الإنتاج المحلي قد يحتاجون إلى التفكير في محاصيل مختلفة، أو الاعتماد أكثر على استيراد الأغذية التقليدية من أماكن أخرى.
– هناك تكيفات محلية أيضاً، تشمل سبل الري والزراعة في أوقات مختلفة نوعاً ما من السنة.
– أو استخدام أنواع مختلفة من المحاصيل قد تكون أكثر تكيفاً.
– يقوم علماء المحاصيل كذلك بتطوير أصناف أكثر مقاومة.
– من المحتمل أن نتوقع المزيد من فشل المحاصيل والأضرار بسبب الطقس القاسي.
ويشدد على أنه “قد تكون الزراعة الاستوائية وشبه الاستوائية أكثر عرضة للخطر؛ لأن درجات الحرارة بالفعل قريبة من العتبات الحرجة للمحاصيل”.
ويشير الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة والبيئة والزراعة، إلى أنه “كانت هناك عديد من الدراسات حول محاصيل الحبوب الرئيسية (الأرز والقمح والذرة وفول الصويا) ولكن النتائج تختلف بشكل كبير”.
ويضيف: “كذلك من المعروف أن الإجهاد الحراري يؤثر على الدواجن والماشية، ويؤثر على الإنتاجية، ولكن لا توجد دراسات واسعة النطاق حول الكيفية التي قد يؤدي بها تغير المناخ إلى زيادة هذا التهديد.. كذلك لم يتم إجراء الكثير من الدراسات حول الفواكه والخضروات ومجموعة متنوعة من المحاصيل الأخرى”.
ويختتم حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بقوله: “نظراً لأن المناخات الحالية مختلفة جدًا في جميع أنحاء العالم تختلف آثار تغير المناخ في أماكن مختلفة، فمن الصعب التعميم حول التأثيرات المحتملة من خلال الدراسات التي أجريت في أماكن قليلة. من المحتمل أن تزداد الآفات والأمراض، ويمكن أن يؤثر الطقس على العمليات الميدانية (الزراعة والحصاد) وكذلك نقل الأغذية”.
أنماط الطعام
وإلى ذلك، فإن الاستاذ بمدرسة التصميم البيئي والتنمية الريفية بجامعة غويلف الكندية، واين كالدويل، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تغير المناخ سوف يؤثر على أنماط طعامنا، على النحو التالي:
– بعض المحاصيل لن تكون مجدية في بعض المناطق (في إشارة للمناطق التي تضربها آثار التغير المناخي وتؤثر على المحاصيل الزراعية بشكل مباشر، مثل الجفاف وارتفاع نسب الملوحة، بخلاف إلى آثار ارتفاع درجات الحرارة.. إلخ)
– سوف تحتاج المحاصيل الأخرى إلى التغيير (بمعنى تغيير نمط الزراعة من خلال استنباط أنواع جديدة يُمكنها التعامل مع تغير المناخ).
– بالإضافة إلى ذلك، ستفقد بعض المناطق إنتاجيتها.
ويشير الاستاذ في التخطيط والتنمية الريفية وعضو في مجلس “غرين بيلت” التابع لوزارة الشؤون البلدية في كندا، إلى خارطة سابقة أعدتها الأمم المتحدة تحدد مجالات زيادة الإنتاجية ومناطق خفض الإنتاجية، وبما يحدث تغييرات جوهرية على مستوى العالم.
وكانت الأمم المتحدة قد ذكرت في تقرير لها إلى أن تفاقم تغيّر المناخ بسبب زيادة إطلاق غازات الاحتباس الحراري وتلوث التربة وفشل المحاصيل. ويتسبب نقص الإمدادات من المغذيات في تجريد النباتات من المواد الغذائية القائمة في أجزاء أخرى من العالم، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الغلة ونقص المغذيات الدقيقة في المحاصيل.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.