- ديكنز أوليوي
- بي بي سي نيوز
في قلب العاصمة الغانية أكرا، تحجب اللوحات المكسوة بالانطباعات الفنية لأعجوبة معمارية أعين المتطفلين عن رؤية ما يحدث على الجانب الآخر.
وعندما تسأل عن ماهية هذا البناء تأتيك إجابات مختلفة بحسب من تسأله، فإن المبنى المخطط الذي تبلغ تكلفته ملايين عديدة من الدولارات، والمعروف باسم الكاتدرائية الوطنية في غانا، هو إما رمز لسوء الإدارة الاقتصادية للبلاد أو استثمار استراتيجي وجريء.
وفي خطاب ألقاه في مطلع العام الجديد، بعد أسبوعين فقط من تخلف غانا فعليا عن سداد معظم ديونها الخارجية وسط تصاعد كلفة المعيشة والأزمة الاقتصادية، جدد رئيس غانا نانا أكوفو أدو، وهو يسخر من منتقديه، التزامه بتشييد هذا المبنى الديني.
وقال الرئيس في موقع البناء حيث أقيم ماراثون لقراءة الكتاب المقدس: “الكاتدرائية الوطنية هي عمل لتقديم الشكر للرب على بركاته وفضله ورحمته بأمتنا”.
وقال إن الرب أنقذ غانا من الصراع الذي عصف بالعديد من البلدان، بما في ذلك بعض جيرانها في غرب إفريقيا، الذين واجهوا العديد من التحديات الأمنية.
ثم أعلن الرئيس عن تبرع شخصي بمبلغ 100 ألف سيدي (العملة المحلية) أي ما يعادل 8 آلاف دولار لتغطية تكاليف البناء.
وكان من المتصور أن تكون هذه الكاتدرائية مكانا مقدسا لجميع المسيحيين، الذين يشكلون 70 في المئة من السكان حيث يمكن تقديم الخدمات الدينية الوطنية. لكن حماس أكوفو أدو للمشروع أدى إلى انقسام الرأي العام.
وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يتم تغطية معظم التكاليف من خلال التبرعات، مع توفير الدولة للأرض وبعض التمويل الأولي، فقد تساءل المنتقدون عن المبلغ الذي تم أنفقته الحكومة حتى الآن، حوالي 58 مليون دولار، في هذه الأوقات العصيبة اقتصاديا.
وعلاوة على ذلك، واجه المشروع مزاعم اختلاس الأموال وكذلك أسئلة حول منح مناقصة التصميم للمهندس البريطاني الغاني الشهير السير ديفيد أدجاي، وهو الموقف الذي تسبب في توتر مع بعض كبار القادة المسيحيين الذين يشكلون مجلس أمناء الكاتدرائية الوطنية.
وقد رفضت السلطات هذه المزاعم، فيما وافق مجلس الأمناء على التدقيق المالي، وكذلك وافق على السماح للبرلمان بالتحقيق في طريقة منح العقود.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الغاني ثيو أتشيمبونغ أن أولويات الحكومة في غير محلها في ضوء الوضع الاقتصادي الحالي للبلاد، والذي يشمل انخفاض قيمة العملة ، وتضاؤل الاحتياطيات الأجنبية ، والمالية العامة المتوترة.
ومضى يقول: هذه أزمة جيل، فالتضخم أكثر من 50 في المئة، والدولة غير قادرة على سداد ديونها، مما أجبر الحكومة على تقليص الإنفاق، وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة للحصول على قرض بقيمة 3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ، فإن الكاتدرائية لا تمثل أولوية للأمة”.
وكان الرئيس أكوفو أدو قد كشف لأول مرة عن خطط بناء الكاتدرائية بعد فوزه في انتخابات 2016 وتم تعيين المهندس المعماري بعد ذلك بعامين. لكن العمل على ما أشار إليه الرئيس بـ “امتنانه للرب” لم يبدأ إلا في عام 2022، بعد عامين من إعادة انتخابه.
ومع ذلك، توقف صوت الآلات الثقيلة التي تحفر الأرض وأصوات العمال وهم يتحركون ويصرخون، لقد توقف الضجيج في موقع البناء بعد أن رفض مجلس النواب في ديسمبر / كانون الأول الماضي الموافقة على تخصيص ميزانية إضافية بقيمة 6.3 مليون دولار من الحكومة.
وقد ساهم في نقاش البرلمان حينئذ النائب سام جورج، أحد أبرز منتقدي المشروع، الذي اقتبس آيات من إنجيل لوقا في العهد الجديد لانتقاد الحكومة.
وقال: “لنفترض أن أحدكم يريد بناء برج. ألن تجلس أولاً وتقدر التكلفة لترى ما إذا كان لديك ما يكفي من المال لإكماله؟ لأنه إذا وضعت الأساس ولم تتمكن من إكماله ، فإن كل من ينظر سوف يسخر منك قائلاً: “هذا الشخص بدأ في البناء ولم يكن قادراً على الانتهاء” ، فيما كان زملاؤه المعارضون مستمتعين ومبتهجين عندما انتهى من قراءة الآيات.
فالمشروع مُقام على موقع مساحته 9 أفدنة من الأرض الواقعة بين مبنى البرلمان والمسرح الوطني ومركز المؤتمرات الدولي، وهو الموقع الذي تم نقله إلى الكاتدرائية الوطنية.وكان قد احتل هذا الموقع في وقت سابق منازل سكنية للقضاة، وأثار قرار هدمها جدلا في البلاد.
وسيكون للكاتدرائية سقف متعرج عالي النبرة يقلد الهندسة المعمارية لشعب أكان، مستوحى من الفنون والثقافة الغانية الغنية. وسيشمل أيضا شعارات مثل العرش الملكي لشعب أشانتي والمظلات الاحتفالية.
وستتم دعوة فنانين من غانا ودول أفريقية أخرى لتزيين الكاتدرائية ومفروشاتها بالنقوش الدينية.
ووفقا للخطة، سيحتوي المبنى الرئيسي على 5 آلاف مقعد دائم فضلا عن مساحة تتسع لآلاف آخرين، ومدرسة للموسيقى، ومعرض فني، ومتاجر، وسرداب هو بمثابة مدفن وطني لرموز الدولة وسيكون هناك أيضا أول متحف للكتاب المقدس في إفريقيا.
ومع ذلك، فإن الفخامة لا تبهر منتقديها.
وقد صرح النائب جورج لـ بي بي سي: “لا ينبغي استخدام أموال دافعي الضرائب في تمويل تعهد شخصي للرب”.
وأشار إلى الكاتدرائية على أنها “مشروع الغرور” الذي يذكرنا بكاتدرائية سيدة السلام في ياموسوكرو – أكبر كنيسة في العالم – التي بناها زعيم استقلال كوت ديفوار فيليكس هوفويت بوانيي لتغيير مسقط رأسه.
وقال جورج: “نحن مسيحيون ولكن ليس من شأن الحكومة تمويل إقامة مبنى ديني”.
وعلى الرغم من المعارضة، لا يزال بول أوبوكو مينساه، المعين الرئاسي الذي يقود مشروع الكاتدرائية الوطنية، واثقا من قابليته للتطبيق ويرى أنه وسيلة لتعزيز الاقتصاد.
وقال: “على عكس ساحل العاج ، لدينا استراتيجية لجلب الزوار إلى غانا، علينا استخدام تديننا من أجل تنميتنا”.
وقد زار مينساه متحف الكتاب المقدس في العاصمة الأمريكية واشنطن، ويتفاوض بشأن اقتراض قطع أثرية دينية من إسرائيل لعرضها في الكاتدرائية بمجرد اكتمال تشييدها.
ويقول منتقدو المشروع إن تكلفته تتضخم باستمرار، بما في ذلك الزعم بأن التكلفة قد تصل إلى مليار دولار. لكن مينساه قال لـ بي بي سي إن تكلفة المبنى لن تتجاوز 350 مليون دولار.
وأضاف :”هذا الرقم لن يتم تجاوزه”، موضحا أن الكاتدرائية ستكون مركزا مسيحيا يجتذب الزوار في القارة وخارجها مما يجعلها مجدية اقتصاديا.
كما نفى المزاعم بأن الكاتدرائية تمثل رد الأغلبية المسيحية في البلاد على مسجد غانا الوطني الذي تبلغ قيمته 10 ملايين دولار والذي تم بناؤه بتمويل من الحكومة التركية في عام 2012.
لكن منساه قال إن المشروع “عالق في السياسات المثيرة للانقسام لبلدنا”، مضيفا أنه بينما لا يمكن تجاهل الأزمة الاقتصادية في غانا، فإن المنتقدين لم يقدروا جدوى الكاتدرائية، التي تقول التقديرات الأولية إنها يمكن أن تُدر عائدات قيمتها 95 مليون دولار في غضون 5 سنوات.
ومضى يقول:”نحن ننظر إلى ما فعلته الكاتدرائيات العظيمة لأوروبا من خلال توسيع آفاق الموسيقى والفن والهندسة، ولكن نظرا للظروف الاقتصادية التي نواجهها، يمكننا مراجعة خطتنا مثل القيام بعملية البناء عبر مراحل وإعادة النظر في نوع القطع الأثرية التي سيضمها مبنى الكاتدرائية “.
بعد أن رفض البرلمان تمويل الكاتدرائية، قال مينساه إن فريقه يبحث في طرق أخرى لجمع الأموال.
وأضاف قائلا:”نحن نطور خططا لجمع الأموال بشكل جماعي، مثل حشد مليون مسيحي للتبرع بمبلغ 20 دولارا شهريا لمدة عامين، ونريد أيضا جذب المانحين والقطاع الخاص ومجتمع الشتات للمساهمة”.
ومع ذلك، لم يتخل مينساه عن محاولة إقناع النواب بدعم تمويل المشروع حيث يأمل في تنظيم لقاء معهم لأنه يعتقد أن البعض ليس لديه فهم كامل للمشروع.
لكنه يعترف أيضا بأن المشروع مهدد حيث إنه من غير المرجح أن يكتمل العام المقبل قبل أن يترك الرئيس أكوفو أدو منصبه.
وقال منساه: “إن إنجاز هذا المشروع يعتمد على قدرتنا على زيادة الموارد المطلوبة، هذا ما نركز عليه الآن”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.