- ديالا العزة
- بي بي سي نيوز – عمان
قبيل ساعات الغروب في أواخر أيام شهر رمضان، جاءني حارس العمارة التي أقطنها ليقول باكياً “أبو أحمد.. مات”.
أصبت بحزن شديد، فهذا الشخص الذي اختار أن يترك بلده الأم ويغترب عن الأهل والأحباب، لم يكن فقط حارساً للعمارة السكنية التي أعيش فيها وإنما كان جاراً، وفي كثير من الأحيان أميناً على أسرار بيوت الساكنين، وقد يكون من حيث لا يدري كوّن لنفسه عائلات أخرى في الغربة.
أبو أحمد، حارس العمارة القديم الذي عمل في الأردن لأكثر من ٣٥ عاماً، عاد خلالها بضع مرات فقط لزيارة أهله في مصر، إلا أن الزيارة الأخيرة كانت بلا عودة.
خلال السنوات الطويلة التي عاشها أبو أحمد في الأردن عمل في الزراعة طويلاً إلى أن انتهى به المطاف في حراسة المباني السكنية، وكان من أثره الطيب أن يعتني بالأزهار التي تزين مدخل المبنى فيبتهج السكان بحسن حفاظه على المكان.
تقوم وظيفة حراسة المباني السكنية في الأردن – والتي عادة ما يشغلها عمال مصريون – على العناية بالمبنى من حيث النظافة وتنظيم الإنارة وتنظيف سيارات الساكنين وفي بعض الأحيان قضاء بعض حاجياتهم من المشتريات إذا لزم الأمر. وتكاد لا تخلو عمارة سكنية في العاصمة عمّان من وجود حارس يقطن في غرفة صغيرة عادة ما تكون في الطابق السفلي في البناية.
وتظهر أرقام صادرة عن وزارة العمل لتوزيع العمالة الوافدة بحسب الجنس في المملكة لعام 2022 أن عدد العمال الوافدين من مصر بلغ 143877 عاملاً.
وفي اليوم الذي تحيي فيه دول عدة عيد العمال في الأول من مايو/ أيار ويأخذ فيه العمال في حوالي 107دول حول العالم عطلة رسمية للاحتفال بإنجاز العمال وقوانين العمل خلال السنوات الماضية، سنتعرف على قصص بعض هؤلاء العمال عن قٌرب.
“أنا أدفع للغربة سنين من عمري”
يقول جمال – حارس عمارة في الثلاثينيات من عمره-: “ما دفعني لترك مصر والقدوم للعمل في الأردن منذ عام 2012 هو الفرق في الأجور، فأنا أستطيع بالأجر الذي أتقاضاه الآن تغطية تكاليف معيشتي وإرسال مبلغ لعائلتي في مصر وادخار بعض المال كي أتمكن من الزواج ومساعدة عائلتي”.
ويقول جمال إن المجالات مفتوحة للعمل أمامه في الأردن، في الزراعة أو الخدمات أو أي قطاع سواء بشكل يومي أو شهري، “فلا حواجز أمامي من العمل لأني حر من الحواجز الاجتماعية التي تمنع بعض الشباب في بلدي الأم من العمل، أنا أعمل بكل حريتي هنا”.
ولأن الهدف في الغربة هو العمل فقط، “أنا أدفع للغربة سنين من عمري” يضيف جمال أنه لا يتوانى عن العمل لساعات طويلة من أجل كسب الرزق.
ومن بين الصعوبات التي تواجه العمال كما يقول جمال، هو ما أسماه “الاتجار بالتصاريح”، حيث يرى أن البعض يتاجرون في استصدار وتجديد تصاريح العمل للوافدين المصريين. فعلى سبيل المثال يقول جمال إن تكلفة تصريح العمل تصل إلى حوالي 550ديناراً أي ما يقارب 800 دولار، ولكن البعض يستغل هذا الأمر فيتقاضى من العامل حوالي ألف أو ألفي دينار أي ما يعادل 1500 إلى ثلاثة آلاف دولار. “وهذه معاناة حقيقية تواجه المصريين” كما يقول جمال.
وبحسب الموقع الرسمي للحكومة الأردنية فإن رسوم إصدار تصريح عمل لوافد قادم من خارج البلاد لأول مرة تساوي 500 دينار أردني لمدة سنة واحدة مع بدلات بقيمة 15ديناراً لبطاقة العمل. وكذلك رسوم تجديد التصريح سنوياً تبلغ 500دينار يُضاف إليها رسوم الفحص الطبي الذي تصل تكلفته إلى 85 ديناراً أي قرابة مئة دولار.
ويختم جمال حديثه عندما سألته عن حلمه “أول مرة يُوجه لي هذا السؤال، أحلم، بحياة مستقرة وأن أكوّن أسرة وأعيش أنا وأهلي بمستوى فوق المتوسط وأحقق لأهلي ما لم يتمكنوا من تحقيقه في حياتهم. وأن أعود لبلدي وأعيش باستقرار وأن يكون لدي مشروعي الخاص”.
أب و سبعة أبناء من بينهم “موهوب كرة القدم”
تروي إيمان قصة حارس العمارة أبو عصام الذي يعيش مع زوجته وأبنائه البالغ عددهم سبعة منذ عشر سنوات. ويعد استقدام العائلة أمراً غير هين، فيحاول رب الأسرة توفير اللازم للعائلة من مناحي العيش وما يتبع ذلك من نفقات تعليم وصحة غير متوفرة لهم في كثير من الأحيان.
ومع ذلك تقول إيمان إن أحد أبناء أبو عصام واسمه عبد الله اجتهد كثيراً في الدراسة خلال مرحلة الثانوية العامة وتمكن من الحصول على معدل مرتفع وبواسطة أحد المعارف تمكن الشاب من دخول الجامعة ودراسة تخصص علم الحاسوب.
“الابن الآخر عمره 12 عاماً، وموهوب جداً في كرة القدم، حيث اكتشفه أحد صيادي المواهب من إسبانيا وتعاقد معه على التدريب واللعب مقابل مبلغ سنوي”.
ومع ذلك فإن تحديات كبيرة تواجه هذه العائلة، حيث اكتشفت إيمان أن العائلة أصبح لديها طفلة مؤخراً ولكن أمرها كان سراً حتى لا ينزعج سكان العمارة التي يعيشون فيها من كثرة عدد أفراد عائلة أبو عصام.
وهناك صعوبات أخرى تتمثل بالالتحاق بالمدرسة أو الحصول على العلاج تحيط بفئة العمال الوافدين، خاصة في الحالات التي يقيم فيها العامل بطريقة مخالفة أو لم يحصل على تجديد لتصريح عمله. فعلى مستوى الالتحاق بالمدارس، تطلب وزارة التربية والتعليم من الطلاب غير الأردنيين وثائق عدة من بينها تصريح عمل الوالد والإقامة السنوية وقبول من المدرسة التي يرغب الطالب بالالتحاق بها وغيرها من الأوراق.
و بحسب موقع الإحصاءات العامة الأردني فإن عدد العمال الوافدين الحاصلين على تصاريح عمل في مختلف المحافظات الأردنية وقطاعات مختلفة مثل الزراعة والتعدين وأنشطة الإقامة والخدمة الاجتماعية والأنشطة المالية وغيرها وصل إلى 292271 عامل عام 2022
“حاول إنقاذ سجّادة فسقط وأصيب بالشلل”
تروي السيدة دينا قصة إبراهيم، حارس العمارة التي تسكنها والذي عمل فيها لأكثر من عشر سنوات. اعتاد إبراهيم على خدمة السكان ومساعدتهم في بعض المهام الصعبة مثل غسل سجاد البيوت عن طريق رفعه إلى سطح العمارة.
تقول السيدة دينا “في أحد الأيام رفع إبراهيم إحدى السجادات ووضعها على سور السطح كي تجف إلا أن ريحاً قوية جعلتها تتحرك من مكانها فحاول إبراهيم اللحاق بها لتثبيتها ومنعها من السقوط فإذا به يسقط من أعلى البناية، ما أدى إلى حدوث قطع في النخاع الشوكي لديه بسبب تعرض رقبته للأذى بشكل كبير”.
وتضيف السيدة دينا إنه تم نقل إبراهيم إلى أحد المستشفيات الخاصة وتم إجراء عملية جراحية له بتكلفة 17 ألف دينار ما يقارب حوالي 23 ألف دولار، “تم جمعها عن طريق حملة إلكترونية لأن المبلغ باهظ جداً ولأن التأمين الصحي الذي من المفترض أن يغطي إصابة إبراهيم لم يُجد نفعاً”.
وتقول السيدة دينا إن الحادث تسبب بشلل إبراهيم وبالتالي تعطل عن العمل فعاد إلى أهله في مصر كي يجد من يرعاه ولا تزال على تواصل معه ومع أسرته وتحاول تقديم المساعدة بين الحين والآخر.
وتتراوح رسوم اشتراك غير الأردنيين في التأمين الصحي سنوياً بين 50 إلى 115 ديناراً حسب الفئة العمرية.
وبحسب تقرير صادر عن المرصد العمالي الأردني بمناسبة عيد العمال، فإن أكثر من 12 ألف إصابة عمل وقعت عام 2021 منها 86 في المئة للمُؤمن عليهم من الأردنيين و 13 في المئة لغير الأردنيين، وقد احتل قطاع الصناعات التحويلية العدد الأكبر في تسجيل الإصابات يليه قطاع الصحة والعمل الاجتماعي.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.