- ديالا العزة
- بي بي سي نيوز – عمان
“هيا يا أولاد، لقد تأخرتم عن المدرسة، عليّ الوصول إلى العمل دون تأخير، هيا هيا..” ألا تبدو هذه الجمل مألوفة؟ إذا كنتِ أماً عاملة فلا بد أنك شعرتي أن هذه الجمل تعنيكِ. لكن لا داعي للقلق ففي السطور التالية سنحاول تقديم نصائح لك وبعض القصص لأمهات يتعاملن مع العمل ومسؤوليات الحياة المختلفة بتوازن قدر الإمكان.
يحتفل العالم العربي بعيد الأم في الحادي والعشرين من مارس آذار، ولا غرابة أن يكون هو الشهر الذي يبدأ فيه الربيع، وفي ذلك ربط بين الأم والربيع فكلاهما يهب الحياة بشكل أو بآخر.
“دور الأنثى تاريخياً دور متبدل”
تقول المتخصصة في العلاج النفسي والصحة النفسية الدكتورة آلاء مراد: “إن دور الأنثى تاريخياً دور متبدل حسب عدة عوامل لوجستية ومكانية وزمانية وغيرها، ففي الثقافات القديمة كالفرعوينة والآشورية والعربية وغيرها كان للمرأة دور ببناء الإنسان وقيمه وكان كذلك العمل جزء من دورها، لكن هذه الأدوار تختلف حسب البيئة. بداية القرن الماضي مثلاً كانت المرأة أكثر استقراراً في المنزل ولكن في أواخر القرن أصبحت تساهم أكثر في الدور الاقتصادي في الأسرة لاسيما بعد الثورة الصناعية”.
و بحسب أرقام صادرة عن البنك الدولي فإن نسبة الإناث العاملات في العالم العربي عام 2021 وصلت إلى حوالي 20 في المئة بالنسبة لإجمالي العاملين. ويٌعتبر تقليص اعتماد المرأة اقتصادياً على الرجل تطوراً إيجابياً، ولكنه جلب أيضاً تحديات جديدة، حيث تعمل العديد من النساء الآن بنظامي عمل، الأول المأجور والثاني داخل المنزل دون أجر.
كما تشيرُ أرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية لعام 2023 أن عدد العاملات النساء في العالم العربي بما في ذلك دول الخليج وصل إلى حوالي 11مليون امرأة بمعدل 39 ساعة عمل أسبوعياً، كما شهد قطاع عمل النساء في العالم العربي ارتفاعاً بنسبة 71 في المئة مقارنة مع 50 في المئة للرجال.
ويبدو أن المرأة تواجه تحدياً كبيراً في الموازنة بين ظروف العمل وظروف الأسرة حيث لا تزال المرأة في معظم بلدان العالم هي المسؤولة عن أداء غالبية المهام المنزلية ومهام الرعاية. إلا أن المحافظة على التوازن بين العمل في الخارج ورعاية الأطفال والأسرة ليس بالأمر الهيّن.
دوافع عدة لعمل المرأة
تقول الدكتورة آلاء مراد:”إن المرأة في البلدان العربية والتي تعاني تحديداً من ضائقة اقتصادية أصبحت مضطرة إلى العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فأصبحت المرأة عاملة خارج المنزل وداخله على عكس والدتها وجدتها.. ما أدى إلى حدوث صراع لديها بين أدوارها المتعددة. لكن على الأم أن تعلم أن دورها إنتاجي قيمي وفكري”.
وتضيف الدكتورة آلاء:”بعض السيدات أصبحن يبحثن عن العمل من أجل إيجاد الهوية على حد تعبيرهن، فلا تكون الحاجة المادية بالضرورة هي الدافع لها للعمل، كما لا يمكن حصر دور التربية بالأم فقط، فدور الأب في التربية وقضاء وقت جيد مع الأطفال يعود بالنفع عليهم”.
“على الأطفال الحصول على حقوقهم من أمٍّ حقيقية.. وليس من أمٍّ تتعامل مع أبنائها كجزء من وظيفتها”
هل يؤثر عمل الأم سلباً على الأبناء؟ “لا يوجد جواب يقيني”، تقول الدكتورة آلاء، وتضيف: “الموضوع مرتبط بتصور المرأة عن العمل وأهدافها ومدى قدراتها التنظيمية. فالدراسات النفسية تقول إن الأهمية تكمن في نوعية الساعات التي يقضيها الأبوان مع الأطفال وليس عددها، فالوقت يجب أن يكون غنياً بالمحتوى. وهذا يعتمد كذلك على عمر الأبناء ومدى تنظيم الأهل للوقت النوعي مع الأطفال”.
“ومن المهم أن لا يشكل عملها عقبة أو مشكلة في حياة الأسرة” فإن كان عملها بوابة لضياع الأسرة والمباهاة وتشتت الأسرة فسيصبح مؤذياً، كما أن امتلاك الأم للمهارات التنظيمية يساعدها في علاقتها بالعمل والمنزل والأطفال”. بحسب ما تقول الدكتورة آلاء.
يشير تقرير صادر عن مركز Tsongas للدراسات التاريخية الى أن الأسرة في القارة الأمريكية قبل الثورة الصناعية كانت هي مركز الإنتاج، حيث عاشت معظم العائلات في مزارع وعملت لإنتاج السلع من أجل كسب العيش. وفي هذا السياق، كان وضع الرجل والمرأة متساوياً نسبياً. فالرجال هم أرباب الأسر، ولكن دور المرأة كمقدمة للرعاية ومنتجة للسلع، مثل الطعام والملابس، له نفس القدر من الأهمية. مع المراحل الأولى من التصنيع، تغيرت هذه الأنماط. و بدأ الرجال في العمل بشكل متزايد خارج المنزل. فبدلاً من بيع السلع التي أنتجوها، باع هؤلاء العمال وقتهم لأصحاب المصانع، بالتالي فقد كسبوا المال – وليس السلع – لإعالة الأسرة. و أصبح النجاح المادي – مقدار المال الذي يمكن للمرء أن يكسبه وما يمكن شراؤه به – مقياساً لقيمة الشخص.
“لا أعتقد أن النساء خلقن لهذا الشقاء”
“تعبت من الركض طوال الوقت للتنسيق بين عملي ورعاية أطفالي، على الرغم من أن ساعات عملي منطقية، لكن أركض يومياً لتجهيز أمور المنزل والأطفال، لا أعتقد أن النساء خلقن لهذا الشقاء”، تقول منى، وهي أم عاملة منذ عشر سنوات، وتضيف: “أعتقد أن أهم وظيفة خلقت لها المرأة هي الأمومة لكنها أصبحت هامشية، لأنه تم إقناعنا أن دور الأم وحده غير كافٍ وأن النظام العالمي الرأسمالي أقنع المرأة أن الوظيفة ليست إنتاج البشر. وهذا الدور غير كافٍ ويقلل من شأنك، وبالتالي تترك أطفالها لساعات طويلة، وترسلهم إلى دور الرعاية وتذهب إلى سوق العمل، كي تجني المال لتستمر عجلة الاقتصاد بالدوران”.
“حق العمل غير مرتبط بالجنس وحق المواطن على دولته أن توفر له العمل”
تقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة جنات عبد الله من تونس لبي بي سي عن تأثير الثورة الصناعية على دور الأم في رعاية الأسرة: “الدول التي تعاني من مديونية تعتبر أن رعاية الأسرة من الأمور الرفاهية مع أنها أساسية. نحن نعاني من التخلف في الوعي السياسي والمجتمعي. لأن الحكومات تفكر في المشكلات الاقتصادية فقط وتغفل عن هذه الأنماط المجتمعية”.
وتضيف الدكتورة جنات: “إن القانون يضمن للمرأة حق العمل، فحق العمل غير مرتبط بالجنس وحق المواطن على دولته أن توفر له العمل، والمفروض أن لا توجد البطالة التي تُبذّر القوى العاملة، والدولة في حاجة إلى كل ساعد وفكر، لكن الحكومات العربية الراهنة لم توفر الأطر القانونية للعمل أو غيرها، “فالرجل نفسه منتهكة حقوقه، فإذا كانت حقوق الأب وهو الزوج منتهكة فكيف يكون دوره سليماً في الأسرة؟”
“أرى في وظيفتي دوراً لمساعدة الآخرين”
ميس، طبيبة وأم لطفلتين تقول: “إن قدرة الانسان على التنظيم عندما يتعرض للضغط تكون مرتفعة. ومن الأمور التي تساعدني على التوازن بين العمل في الخارج وبين مهامي المنزلية ورعاية بناتي هو التحضير المسبق كتحضير وجبات الطعام و الملابس والمهام المنزلية الأخرى”.
وتضيف الطبيبة ميس: “العمل للمرأة شيء أساسي، حيث أشعر بشعور رائع بأني قادرة على الإنتاج وأشعر بالرضا وبدون عملي تغدو هويتي ناقصة، خاصة عملي كطبيبة، وأعتبر أني أقدّم نموذجاً جيداً لابنتي، كي تتبعني في سعي لطموحي. و أنا لا أقلل من شعور الأم التي لا تعمل، ولا أرى أن دور الطبيبة يسمو على دور الأم، لكني أرى في وظيفتي دوراً لمساعدة الآخرين. أعتبر أن الأمومة بحد ذاتها هي وظيفة، وتعد نعمة من الله، وأعتبر أن دوري كطبيبة يساعد الأمهات الأخريات وأطفالهن”.
“الدولة انتهكت دور الأم عندما لم تمنحها حقوقها”
وبالعودة للخبيرة الاقتصادية الدكتورة جنات فتقول: “إن الأم هي التي تنتج العنصر البشري، الأم تستثمر في أبنائها، لا بد إذاً لهذا الاستثمار أن يكون له عائد عليها. هل يعقل أن هذه الأم التي تستثمر في أبنائها لا يوجد لها عائد مالي. وبالتالي المجتمع انتهك دور الأم. الدولة انتهكت دور الأم عندما لم تمنحها حقوقها. فمن حق المرأة أن تحافظ الدولة على استثمارها، وأصبح العرف هو الطاغي، وأصبحت المرأة تفكر بأولويات مثل الإيجار والدراسة والدواء والطعام فطمس دورها كأم.”
“أصبحت الأم تشعر أنها مجبورة على العمل لإثبات أنها تقدم الكثير أمام زوجها والمجتمع”
تقول لانا وهي أم غير عاملة: “يأتيني إحساس بالتقليل من الشأن لأنني أمٌ “فقط”، نتيجة ضغط المجتمع، خصوصاً عندما يسألني أحدهم أنت أمٌ فقط؟، حيث أصبحت بعض الأمهات يشعرن أنهن مجبرات على العمل لإثبات أنفسهن أمام المجتمع وأمام الزوج. أنا اخترت أن أترك العمل منذ سنوات كي أقضي وقتاً مع أطفالي، أحب أن أشرف على كل شيء يقوم به أبنائي، وفكرة أن يعودوا من المدرسة ولا يجدونني في استقبالهم بالنسبة لي غير واردة، لا أحب أن يأخذ أحد مكاني أو دوري، وهذا الدور يعجبني”.
“السوشال ميديا قتلت شخصية الأم”
أما هناء وهي أم لخمسة أطفال فتقول عن تجربتها: “عشان الولد يتباهى بأمه، لازم تكون تشتغل بمكان معين وهذا بسبب السوشال ميديا وهذا يؤثر على العلاقات الأسرية. أول مرة لجأت للعمل كان بسبب الدافع المادي البحت كي أعيل أطفالي لضعف دخل زوجي وتعثره عن العمل في كثير من الأحيان، وكانت تجربة جديدة خارج إطار المنزل وإطار الزوجية”.
وتضيف هناء: “أصبحت أجد نفسي كأنثى خارج المنزل، فلم يعد هدفي مادياً فقط وإنما الخروج من المنزل وأن أجد احتراماً لنفسي في مكان غير البيت والأولاد. وتمكنت من إعالة أسرتي. ما أندم عليه كثيراً هو أني أصبحت ضحية اتكاليةِ زوجي. وتنبهت لهذا الأمر عندما أصبحت أعمل لوقت طويل بظروف صعبة بالإضافة إلى غيابي الطويل عن أطفالي، لدرجة أن مدرسة أبنائي استدعتني بعد بكاء وشكوى أطفالي من كثرة تغيبي.
وعطفاً على ما ذكرته السيدة هناء، تذكر جمعية علم النفس البريطانية أن انخفاض الشعور بالذنب لدى الآباء يؤدي إلى إعطاء الأولوية للعمل فيما يؤدي ارتفاع الشعور بالذنب لدى الأمهات بالتقليل من التركيز على حياتهن المهنية بجانب أسرهن بينما يسهل على الآباء التركيز فقط على حياتهم المهنية.
“أولوية كاذبة”
يقول عالم النفس الكندي جوردان بيترسون: “إن على المجتمع، ويقصد المجتمع الغربي، إعادة التفكير في تقييم علاقة الوظيفة بالأمومة، ولا نعلم كيف سنحل هذه المسألة ولكن على الأقل لنحظى بنقاش ذكي للاعتراف مبدئياً بأن الفكرة المزروعة في عقل معظم النساء منذ عمر التاسعة عشر بأن الوظيفة هي الأولوية الأولى تعد فكرة كاذبة!
السعي للإنجاز
ونختم بنصيحة المتخصصة في العلاج النفسي والصحة النفسية الدكتورة آلاء مراد والتي تقول: “إن علينا الوعي بفكرة الأمومة والتربية، فهي مفاهيم شاسعة تقوم على بناء السلام والأمان والقيم والاستقرار والنضج، و يجب أن لا نغفل أن الإنسان يعرّف بنفسه وليس بلقبه في العمل أو وظيفته..”
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.