- إندانغ نوردين وراجا لومبانراو
- بي بي سي إندونيسيا، كوالالمبور
“ساعدوني، أنا أتعرض للتعذيب على أيدي صاحبة العمل، أنا ملطخة بالدماء ساعدوني!”، هذا ما كتبته ميريانس كابو على ورقة، قامت بطيها وإلقائها خارج البوابات الحديدية للشقة التي كانت تعمل فيها كخادمة في ضواحي كوالالمبور.
مرت إمرأة من جانب المنزل لتلتقط هذه الورقة، وبمجرد قراءتها أخذتها إلى ضابط شرطة متقاعد يعيش في نفس المبنى. قال الشرطي المتقاعد: “لو بقيت في هذا المنزل لكانت ماتت بالتأكيد”.
في يوم 20 ديسمبر/كانون الأول، طرقت الشرطة الماليزية باب الشقة التي كانت تعيش فيها ميريانس ولم تتركه لمدة ثمانية أشهر.
وصفت ميريانس اللحظة التي رأت فيها الشرطة على باب الشقة فكادت تنهار من التعب. وأضافت أن عناصر الشرطة قالوا لها: “لا تخافي، نحن هنا”، وتقول إنها المرة الأولى التي تستعيد فيها الشعور بالقوة.
تنبيه: تحتوي هذه القصة على تفاصيل قد يجدها بعض القُراء مؤلمة.
بعد تسع سنوات، لا تزال ميريانس تناضل من أجل العدالة في قضيتها، والتي لا تعتبر فريدة من نوعها، إذ تكشف مدى ضعف العمال المهاجرين غير المسجلين، ومدى استعصاء العدالة حتى للذين بقوا على قيد الحياة ليروا قصتهم.
في عام 2015، اتهمت الشرطة صاحبة عمل ميريانس، أونغ سو بينغ سيرين، بالتسبب في أذى شديد ومحاولة قتل والاتجار بالبشر وانتهاكات لقانون المهاجرين، ولكنها نفت تلك الاتهامات.
وأدلت ميريانس بشهادتها في المحكمة، قبل أن تعود أخيراً إلى منزل عائلتها.
وبعد ذلك بعامين، تلقت أنباء من السفارة الإندونيسية تفيد بأن النيابة العامة أغلقت القضية بسبب عدم كفاية الأدلة.
“أين العدالة، بعد أن خرجت صاحبة العمل حرة؟” يسأل السفير الإندونيسي هيرمونو الذي التقى ميريانس في أكتوبر/ تشرين الأول.
وكانت السفارة الإندونيسية قد زودت ميريانس باستشارة قانونية، وكانت تضغط من أجل استئناف القضية ضد صاحبة العمل.
وأضاف السفير الإندونيسي: “ما سبب التأخير؟ أليست خمس سنوات كافية؟ إذا لم نستمر في البحث عن إجابات، فسوف ننسى، خاصة وأن ميريانس قد عادت بالفعل إلى ديارها”.
من غير الواضح سبب توقف محاكمة عدد من حالات الانتهاك في ماليزيا، لكن يشير نشطاء إلى أن هناك ثقافة بين الماليزيين بالنظر إلى عاملات المنازل، ومعظمهن إندونيسيات، على أنهن مواطنات من الدرجة الثانية لا يستحقون نفس مستوى الحماية مثل الماليزيين.
وقالت وزارة الخارجية الماليزية لبي بي سي إنها ستضمن تحقيق العدالة وفقاً للقانون.
في عام 2018، قضت محكمة إندونيسية بسجن رجلين بتهمة الاتجار بـميريانس، بينما حكم القاضي بأنها أرسلت للعمل في ماليزيا كخادمة لأونغ سو بينغ سيرين التي عذبتها، مما تسبب في إصابات خطيرة أدت إلى نقلها للمستشفى.
أثناء المحاكمة، تم وصف ما حدث مع ميريانس بتفاصيل مثيرة للقلق، وجاء خلالها أن صاحبة العمل ضربتها ضرباً مبرحاً، وكسرت أنفها في إحدى المرات، وكثيراً ما عذبتها بمكواة ساخنة، وملاقط، ومطرقة، وهراوة، وكماشة.
حتى أن زوجها كارفيوس قال إنه لم يستطع التعرف عليها بعد أن تم إنقاذها وأضاف: “لقد صُدمت عندما رأيت صور ميريانس في المستشفى”.
وبعد ثماني سنوات، لا يزال جسدها يحمل آثار هذا التعذيب. هناك ندبة عميقة على شفتها العليا وأربعة من أسنانها فقدوا وأذن واحدة مشوهة.
في العام الماضي، وقَّعت ماليزيا اتفاقية لتحسين ظروف عاملات المنازل الإندونيسيات في البلاد. وتضغط إندونيسيا الآن لاستئناف القضية ضد صاحب عمل ميريانس.
ويتعرض العاملون غير المسجلين في ماليزيا للخطر بشكل أكبر لأنه يتم أخذُ جوازات سفرهم بينما يعيشون مع صاحب العمل في بلد غريب، مما يترك لهم خيارات قليلة لطلب المساعدة.
من جانبها، قالت النائبة الماليزية هانا يوه التي تريد أن ترى نهاية لما تصفه بثقافة الصمت في البلاد حول إساءة معاملة عاملات المنازل: “يحتاج الجميع لتحمل المزيد من المسؤولية”.
وقالت وزارة القوى العاملة الماليزية إن هناك أكثر من 63 ألف عاملة منزلية إندونيسية في بلادهم، لكن هذا لا يشمل العمال غير المسجلين، ولا توجد تقديرات واضحة لأعدادهم.
وتقول السفارة الإندونيسية إنها تلقت تقارير عن ما يقرب من 500 حالة انتهاك في السنوات الخمس الماضية.
وأوضح السفير الإندونيسي هيرمونو: هذا الرقم مجرد “غيض من فيض”، لأن العديد من القضايا لا سيما تلك المتعلقة بعمال غير موثقين، لم يتم التبليغ عنها بعد.
ويضيف السفير “لا أعرف متى سينتهي هذا، ما نعرفه هو أن هناك المزيد والمزيد من ضحايا التعذيب وعدم دفع الرواتب وجرائم أخرى”.
ولم تقم السفارة بتتبع عدد حالات الانتهاك التي أدت إلى الملاحقة القضائية. لكن كانت هناك بعض الأحكام البارزة. ففي عام 2008، حُكم على سيدة ماليزية بالسجن 18 عاماً لتعذيبها خادمتها الإندونيسية، وبعد ست سنوات، حُكم على زوجين آخرين بالإعدام لقتلهما عاملة منزلية إندونيسية.
“سأحارب حتى الموت“
“سأقاتل من أجل العدالة حتى أموت، أريد فقط أن أتمكن من مواجهة صاحبة العمل السابقة وسؤالها، لماذا عذبتني؟” تقول ميريانس.
قالت ميريانس إنها كانت في الثانية والثلاثين من عمرها عندما قررت البحث عن عمل في الخارج حتى “لا يبكي الأطفال من أجل الطعام مرة أخرى”.
كانت حياتهم صعبة جداً في قريتهم تيمور الغربية، إذ لا يوجد كهرباء أو مياه نظيفة، كما أن أجر زوجها كعامل باليومية لم يكن كافياً لإعالة أسرته المكونة من ستة أفراد.
قبلت ميريانس عرض العمل في ماليزيا وهي تحلم ببناء منزل لعائلتها.
وعندما وصلت إلى كوالالمبور في إبريل/نيسان 2014، أخذ الوكيل جواز سفرها وسلمه إلى صاحبة عملها، وتفاجأت بأن موظفي شركة التوظيف قد أخذوا هاتفها أيضاً.
وكانت وظيفتها رعاية جدة صاحبة العمل والتي كانت تبلغ من العمر حينها 93 عاماً.
وتقول إن الضرب بدأ بعد ثلاثة أسابيع من بدء عملها.
في إحدى الأمسيات، أرادت صاحبة العمل طهي السمك لكنها لم تجده في ثلاجة التبريد لأن ميريانس جمدته بالخطأ. وقالت إن صاحبة العمل ضربتها بالسمكة المجمدة على رأسها بشكل مفاجئ وبدأ بالنزيف.
وبعد ذلك، تقول ميريانس إنها تعرضت للضرب بشكل يومي.
وتضيف أنه لم يسمح لها بمغادرة الشقة، وكانت البوابة الحديدية مغلقة دائماً ولم يكن لديها مفتاح، كما أن أربعة من الجيران الذين كانوا يعيشون في نفس المبنى لم يعرفوا بوجودها حتى يوم وصول الشرطة.
قال أحدهم: “رأيتها فقط في الليلة التي تم إنقاذها فيها”.
وقالت ميريانس: “كان التعذيب والضرب يتوقف فقط عندما تشعر صاحبة العمل بالتعب، وبعدها كانت تأمرني بتنظيف دمها الذي تناثر على الأرض والجدران”.
ولكن بحسب ميريانس كانت هناك أوقات، فكرت فيها بإنهاء حياتها، لكن التفكير في أطفالها الأربعة في المنزل، جعلها تستمر وتتحمل كل ما مرت به.
وقالت: “لقد فكرت أيضاً في الرد، ولكنني كنت أعرف أنني إذا أردت المقاومة فإنني سأموت”.
في نهاية عام 2014، نظرت إلى نفسها في المرآة وشعرت بشيء تغير، وتقول: “لم أستطع تحمل الأمر أكثر من ذلك، كنت غاضبة ليس من صاحبة العمل، بل كنت غاضبة من نفسي، كان علي أن أتجرأ وأحاول الخروج”. وكان هذا عندما كتبت الرسالة التي من شأنها أن تحررها.
حاولت بي بي سي عدة مرَات التواصل مع صاحبة عملها لكنها رفضت الرد.
وتقول ميريانس إن كفاحها من أجل العدالة هو أيضاً نيابة عن آخرين مثلها “أولئك الذين لم ينجوا”.
ويتعامل السفير هيرمونو مع قضية أخرى لعاملة منزل، ويقول إن درجة تعذيبها “تجاوزت ما يستوعبه العقل البشري” وتم تجويعها. وكانت تزن عندما تم إنقاذها 30 كيلوغراماً فقط، فيما يتعرض صاحب عملها إلى المحكامة في الوقت الحالي.
ولكن هناك أشخاصا مثل أديلينا ساو البالغة من العمر 20 عاماً والذين لم يتم إنقاذهم في الوقت المناسب. فتعرضت للوفاة بزعم تعرضها للتجويع والتعذيب على يد رب عملها.
واتُهم صاحب عملها بالقتل، لكن في عام 2019، سحب الادعاء التهم. ورُفض الاستئناف لإعادة فتح القضية العام الماضي.
وكانت أديلينا من نفس منطقة ميريانس في تيمور الغربية، وتقول ميريانس إنها قابلت والدة أديلينا في قريتهم وأخبرتها، “رغم أن ابنتك ماتت، فإن صوتها بداخلي”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.