ففي إطار المحافظة على نفوذها في صناعة الرقائق الإلكترونية، أعلنت كوريا الجنوبية منذ أيام وعلى لسان رئيسها يون سوك، عن دخول ساحة المواجهة في هذه الصناعة، عبر ضخ استثمارات بقيمة 230 مليار دولار لإنشاء مجمع ضخم لصناعة الرقائق الإلكترونية في العاصمة سول، بدعم كبير من شركة سامسونغ.
كما أعلنت كوريا أنها ستقوم بمراجعة قانون حماية التكنولوجيا الصناعية، بهدف حماية الملكية الفكرية الخاصة بها.
والمبلغ الذي قررت كوريا الجنوبية استثماره في تطوير صناعة الرقائق الإلكترونية، يوازي المبلغ الذي خصصته أميركا لاستعادة السيطرة على هذه الصناعة وجذب المنتجين إلى أراضيها، وهو ما يدل على أن سول وهي الحليف التاريخي لأميركا، قررت المشاركة في الصراع العالمي للسيطرة على صناعة الرقائق الإلكترونية، كطرف وليس كحليف لأميركا، وذلك بسبب الممارسات التي قامت بها الأخيرة.
سول تثبت موقعها في صناعة الرقائق
ويقول الكاتب في شؤون التكنولوجيا ألان القارح في حديث لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن كوريا الجنوبية ومن خلال هذه الخطوة، تسعى لتثبيت دورها في صناعة الرقائق الإلكترونية، في ظل سعي أميركا وتحت عنوان محاربة الصين، إلى سحب بساط صناعة الرقائق الإلكترونية، من تحت أقدام جميع المنافسين وحتى حلفائها.
ويضيف القارح أن هذا التوجه الأميركي تأكد عندما طلبت واشنطن من الشركات، التي تريد الاستفادة من مبلغ الـ 39 مليار دولار، الذي تم تخصيصه لدعم صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، التوقيع على اتفاق يمنعها من تطوير طاقتها الإنتاجية، في صناعة الرقائق في عدد من الدول لمدة 10 سنوات، كما فرضت على هذه الشركات ألا تشارك في أي بحث يتضمن معلومات تقنيات أو منتجات حساسة مع كيان أجنبي، إضافة إلى بند يطالب الشركات التي استفادت من الدعم الأميركي، بمشاركة بعض أرباحها الزائدة غير المتوقعة مع الحكومة الأميركية، مشيراً إلى أن هذه القيود تدل بوضوح على رغبة أميركا في أن تكون مفاتيح صناعة الرقائق الإلكترونية في يدها فقط.
شروط واشنطن تقلق الكوريين الجنوبيين
وبحسب القارح فإن المشكلة تكمن في أن العديد من الشركات الكورية مثل سامسونغ، تقوم باستثمارات ضخمة لتطوير صناعة الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الشروط الصعبة التي وضعتها واشنطن مثل بند “منع تطوير قدرات إنتاج الرقائق في دول أخرى” تقلق المصنعين الكوريين الجنوبيين الراغبين في العمل في أميركا.
وأضاف أنهم في حال موافقتهم على هذه الشروط، سيساهمون في تقويض قدرات بلادهم في هذه الصناعة لصالح أميركا، وهذا الأمر لن ترضى به السلطات الكورية الجنوبية رغم علاقتها الجيدة مع أميركا، ومن هنا يمكن فهم لماذا قررت سول تطوير صناعتها الخاصة من الرقائق.
وأشار إلى أن هذا القرار أتى بعد موجة الغضب التي عمت كوريا في بداية عام 2023 بسبب تصرفات واشنطن الحمائية، حيث اعتبرت الشركات ووسائل الإعلام آنذاك، أن ما تقوم به أميركا هو “خيانة لروح التحالف بين البلدين” ودعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لدعم الصناعة المحلية.
واشنطن تحتاج سيول وليس العكس
ويضيف القارح أن كوريا الجنوبية وفي الوضع الحالي، هي أقوى من أميركا في صناعة الرقائق الإلكترونية، فهي تحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول المنتجة للرقائق الإلكترونية بعد تايوان، من خلال سيطرتها على حصة 15 في المئة من الإنتاج العالمي، في حين تحتل أميركا المرتبة الثالثة بحصة تفوق قليلاً الـ 10 في المئة.
“ومن هنا يمكن فهم أن واشنطن هي من تحتاج لسول وليس العكس، ولذلك فإن الشروط الأميركية بتوطين هذه الصناعة على أراضيها، وحرمان الآخرين من التقدم الذي ستحققه أمر غير مقبول بالنسبة لكوريا”، بحسب ما قاله القارح.
وأضاف أيضا أن كوريا الجنوبية ومن خلال الاستثمارات الجديدة في صناعة الرقائق الإلكترونية، تريد تطوير حصتها الوازنة في هذه الصناعة، التي تعتبرها نواة الحياة الذكية بمختلف أشكالها، فكل منتج ذكي في العالم، يحتاج إلى شريحة تقوم بتشغيله من الهواتف وصولاً إلى الأسلحة النووية.
وأشار إلى أن سول ترتكز في مسعاها هذا على شركة سامسونغ، وأيضا على شركة إل جي وشركات أخرى، حيث يوجد على أرض كوريا الجنوبية حالياً أكثر من 70 مصنعاً ينتج أشباه الموصلات، ما يعني أن البلاد تنطلق من نقطة قوية في مشروعها المستقبلي، وهي لن تسمح لأحد وحتى لحلفائها بجعلها تتراجع في صناعة تعتبر أساس التقدم الصناعي في العالم كله.
نفوذ استراتيجي في المستقبل
من جهته يقول المحلل في شؤون التكنولوجيا هشام الناطور، في حديث لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأسواق تشهد حالياً صراعاً في مجال تصنيع وإنتاج الرقائق الإلكترونية، ومن يسيطر على هذه الصناعة، سيمتلك نفوذاً استراتيجياً في المستقبل.
وأشار إلى أن الصناعة التايوانية للرقائق هي الأكبر والأكثر هيمنة، وهو أمر كانت كوريا الجنوبية تحرص على مواجهته، ولكن يبدو أن سول غير مرتاحة حالياً للتحرك الأميركي، الذي يسعى ومن خلال الجهود المبذولة، لمواجهة الصين إلى بسط سيطرته على كامل مفاصل هذه الصناعة.
وأضاف أن ضخ كوريا الجنوبية مبلغ 230 مليار دولار لتطوير صناعة الرقائق الالكترونية، هو تكتيك سيشكل أحد أهم رافعات الاقتصاد الكوري على مدار العقود المقبلة، فمن خلال هذه الخطوة التي أتت تحت ضغط شعبي، تكون كوريا قد أوصلت رسالة مفادها أنها لن تكون تابعة لأحد، وأنها ستبني كيانها الخاص بدعم من الشركات التكنولوجية القوية الموجودة على أراضيها.
وقال إن صناعة الرقائق الإلكترونية في تايوان وكوريا الجنوبية، متقدمة بجيلين أو ثلاثة مقارنة مع بقية الدول، ولذلك فإنه من المستحيل أن تتخلى سول عن فكرة توسيع انتاجها من أشباه الموصلات لصالح أحد حلفائها.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.