اثارت تصريحات للداعية السعودي، صالح المغامسي، اهتمام قطاع من رواد مواقع التواصل بعد أن تحدث على ضرورة إنشاء مذهب فقهي جديد في الدين الإسلامي.
وفي مقابلة أثارت جدلا على القناة السعودية الأولى، قال المغامسي إنه: “يرجو من الله أن ينشئ على يديه مذهبا إسلاميا جديدا”
وتابع قائلا “المراجعة لما قد سلف أمر لا مناص منه” مضيفا بأنه “في كل مرحلة من مراحل البناء الفقهي يطغى شيء جديد. لذا لا بد في هذا الزمن عن تحرير المسائل”.
وأشار الداعية إلى أن السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس، “فدخلت أحاديث آحاد، من الصعب نسبتها للنبي”.
وبعد تأكيده أن القرآن هو الكتاب الوحيد غير القابل للمراجعة، أوضح المغامسي بأن الفقه الإسلامي هو صناعة بشرية ولابد من إعادة قراءته وتمحيصه.
وختم حديثه متسائلا: “البعض يستكثر عليك أن تراجع الفقه الإسلامي فإذا اعترفتم أن “أصحاب المذاهب” بشر ما الذي يمنع من المراجعة؟”
كان من الممكن أن يمر هذا التصريح دون جلبة تذكر لو ورد على لسان رجل دين غير مشهور. لكن الجدل الذي أحدثه التصريح له علاقة بمكانة صاحبه والضجة التي رافقت إعفاءه من منصبه في مارس/ آذار من عام 2020.
فالشيخ واحد من كبار رجال الدين المعروفين في السعودية وقد تقلد سابقا العديد من المناصب الهامة في الدولة.
كما شغل لسنوات عديدة وظيفة إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة، وهو أول مسجد بُني في الإسلام. إلا أن السلطات السعودية أقالته من إمامة المسجد عام 2020 بسبب تغريدة اعتذر عنها لاحقا ووصفها بغير الموفقة.
وقد طالب الشيخ آنذاك بالإفراج عن “المخطئين من السجناء”، وهو ما اعتبره البعض كلاما موجها للسلطات لتذكيرها بالشيوخ المساجين.
وشهدت السعودية خلال الأعوام الماضية حملة اعتقالات شملت شخصيات أكاديمية ودينية حقوقية بارزة.
وفي مقابلته الأخيرة مع القناة السعودية، تطرق المغامسي إلى تفاصيل إعفائه من إمامة مسجد القباء، فأشار إلى أن “قرار إقالته جاء من قبل فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمدينة المنورة، وليس من قبل الديوان الملكي”.
واتهم الداعية الشهير البعض نشر المغالطات حول إعفائه من إمامة المسجد.
ووجه انتقاداته بالأساس لمن سماهم بـ “المتربصين من الإخوان المسلمين، والسلفين المنتفعين والسرورين في إشارة للتيار السروري الذي يوصف بأنه “أكثر التيارات الإسلامية تطرفا في الشرق الأوسط”.
مراجعة الفقه بين الترحيب والتخويف
بالعودة للجدل الدائر حول دعوة المغامسي إلى ضرورة مراجعة الفقه والدعوة لإنشاء مذهب جديد عبر المنصات الرقمية، نلاحظ تباينا واسعا في آراء رواد تلك المنصات بين مرحب ومشكك.
فلدى تعقبيهم على تصريحات المغامسي، لم يغفل معلقون الحديث عن الدور الذي تلعبه الحكومات والتيارات الدينية في تشكيل الموقف الشعبي من المورث الفقهي.
من المعلقين من يرى أن المغامسي بالغ كثيرا في دعوته إلى إنشاء مذهب آخر.
حتى إن البعض اعتبر ذلك “تحريفا لأصول الفقه وخروجا عن السنة”.
ومن المعلقين أيضا من اعتبر أن تصريحات “المغامسي تأتي في إطار استراتيجية لإعادة التموقع والتقرب من السلطة”.
لكن دعوة المغامسي لاقت أيضا استحسان عدد من المعلقين السعوديين ممن دافعوا عن حق الشيخ في التعبير عن رأيه ودعوا إلى أهمية “نقض الفقهيات التي لا يوجد عليها دليل”.
ويشاطرهم في ذلك آخرون ممن تساءلوا عن سبب وجود أكثر من رأي في غالبية المسائل الفقهية.
إذ ثمة من يرى أن غالبية الفقهاء يصدرون أحكامهم وفقا لتأويلات قابلة للتبديل والحذف لا على حقائق ثابتة.
كما يجادل البعض بأن مراجعة ما يقوله بعضه الفقهاء يعد أمرا صحيا لا يهدف لتقويض أصول الدين بقدر ما هو رفض لمحاولة فرض رأي بعينه مقابل تجاهل بقية الآراء الفقهية.
“دعوة للتجديد أم فقاعة سياسية”؟
من ناحية أخرى، أشاد معلقون سعوديون بـ “المراجعات التي طرأت على مواقف المغامسي وآرائه قائلين إن “بلادهم بحاجة إلى إنهاء فكرة الصحوة المتشددة وإعمال العقل”.
في حين ذكّر آخرون بمواقف سابقة للشيخ السعودي محذرين من إعادة بعض الرموز للواجهة بعد أن رفضها المجتمع.
كذلك، ثمة من يرى أن الدعوات المتكررة اليوم لتجديد الخطاب الديني والفقه، على أهميتها، لا تعدو أن تكون مجرد فقاعات إعلامية تستخدمها أدوات الحكومات والمقربون منها لصرف الأنظار عن قضايا أهم.
ويقول البعض إن مسألة مراجعة الفقه والمذاهب والنصوص التراثية تتطلب مناخا من الحريات ومفكرين من خارج المدرسة التقليدية لتحرره من سلطة الفكر الواحد، وفق تعبيرهم.
ما هو الفقه؟
الفقه في اللغة هو الفطنة والعلم بالأمور وفهمها بشكل دقيق. اصطلاحا، توجد تعريفات مختلفة للفقه. والفقه في الدين الإسلامي هو العلم بالأحكام الشرعية وجاء في تعريف الموسوعة الفقهية الكويتية بأنه الْعلم بالأحكام الشَّرْعيَّة الْفَرْعيّة الْعمَلِيَّة، الْمُستمَدّة مِنْ الأْدلَّة التفْصيلِيّة . والفقيه هو الذي يسند كل حكم من أحكام الشرع إلى دليله .
وتختلف منهجية البحث في المسائل الفقهية بين أتباع المذاهب. وفي الوقت الذي يدرج فيه البعض ذلك الاختلاف تحت دائرة التنوع المقبول والمحمود، يطرح آخرون تساؤلات عديدة حول أسباب ذلك الاختلاف.
ولا تعد الدعوة إلى مراجعة الفقه أمرا جديدا. فقد سبق أن دعا كتاب وشيوخ كثر إلى تطويره بما يتناسب مع تطورات العصر .
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.