تبادل طرفا الصراع في السودان الاتهامات حول المساعدة في إطلاق سراح السجناء السياسيين من عدة سجون أبرزها سجن كوبر الذي كان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، وآخرون من رموز النظام السابق نزلاء فيه منذ عام 2019 بتهم الفساد وغسيل الأموال وغيرها.
وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فرار مئات السجناء السياسيين من السجون وذلك في ظل استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ قرابة الأسبوعين.
وانتاب السودانيون شعور بالقلق بعد أن انتشرت شائعات بهروب كافة رموز النظام السابق من السجن.
وأعلن الجيش السوداني أن البشير محتجز في مستشفى عسكري.
وجاء ذلك بعد تضارب الأنباء حول مكان وجوده وسط حالة من الفوضى في البلاد.
وقال الجيش في بيان إن البشير نُقل في وقت سابق مع آخرين إلى المستشفى بناء على توصية من الطاقم الطبي في سجن كوبر قبل اندلاع القتال.
وخرج إلى جانب البشير، عدد من قيادات النظام السابق الذين يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، من السجون في الخرطوم.
وعمر البشير ليس السياسي الأول الذي يُرسل إلى هذا السجن، إذ يعد كوبر بمثابة الشاهد على تاريخ السودان والمراحل السياسية التي تعاقبت عليه منذ الاحتلال البريطاني له وله حكاية طويلة في تاريخ السودان.
فما هي قصته ومن هم أبرز السياسيين الذين سجنوا فيه؟
شهد سجن كوبر تاريخاً حافلا من الاعتقالات السياسية من جميع الأطراف في السودان.
ومن بين أبرز الأسماء التي فرت من السجن حديثاً:
ومن بين أبرز الأسماء التي فرت من السجن حديثاً:
أحمد هارون، المساعد السابق للرئيس السوداني المعزول عمر البشير، الذي أعلن في تسجيل صوتي خروجه مع عدد من رموز النظام السابق من سجن كوبر الشديد التحصين في الخرطوم بحري، يوم الأحد في الـ 23 من ابريل/نيسان الجاري.
إضافة إلى هارون وعمر البشير، أكدت القوات المسلحة في بيان أن العسكريين في النظام السابق موجودون في مستشفى عسكري في أمدرمان تحت حراسة الشرطة القضائية ومسؤوليتها وهم: بكري حسن صالح، وعبدالرحيم محمد حسين، ويوسف عبدالفتاح، وأحمد الطيب الخنجر.
وفي التسجيل الصوتي المتداول قال أحمد هارون إنه يتحدث باسم زملائه في النظام السابق الذين أصروا على البقاء في السجن رغم خروج آلاف السجناء، انتظاراً لصدور أمر قضائي بالإفراج عنهم بسبب الظروف الأمنية.
وأضاف أنهم مستعدون لتسليم أنفسهم متى يلطب منهم ذلك وعادت الأمور إلى مجاريها.
نبذة عن أبرز سجناء كوبر
علي عثمان محمد طه: هو الرجل الثاني في الحركة الإسلامية بعد زعيمها حسن الترابي. كان من بين القادة العشرة في الحركة الإسلامية الذين وقعوا على مذكرة أدت إلى ما عرف بالمفاصلة بين البشير والترابي في عام 1999.
شغل طه مناصب عدة كان آخرها منصب نائب رئيس الجمهورية بين عامي 1998 و 2013.
قاد وفد الحكومة السودانية في مفاوضات نيفاشا 2005 مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان يقودها جون غارانغ، التي أدت إلى إنفصال جنوب السودان.
ألقي القبض عليه بعد الإطاحة بحكم البشير، وأودع في سجن كوبر.
أحمد هارون: شغل عدة مناصب من بينها منسق الشرطة الشعبية ووزير دولة بالداخلية ومنحه البشير تفويضاً بشأن دارفور. وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بحقه مذكرة توقيف بشأن جرائم حرب في دارفور.
تقلد هارون مناصب أخرى من بينها والي ولايتي جنوب وشمال كردفان ورئاسة المؤتمر الوطني في الأيام الأخيرة من حكم البشير، ودخل في خلاف شهير مع قائد الدعم السريع إبان توليه حكم ولاية شمال كردفان.
عوض أحمد الجاز: تقلد عدة مناصب وزارية منها الصناعة والمالية والطاقة والتعدين، كما عينه البشير مسؤولاً عن العلاقات السودانية الصينيه بدرجة مساعد رئيس.
تم توقيف الجاز ليلة عزل البشير وأودع في سجن كوبر، ووجهت له اتهامات مالية عديدة برأته المحكمة من بعضها.
كما يشاع أنه مالك ثروة طائلة وصاحب إمبراطورية مالية كبيرة كما يواجه اتهاماً بالتدبير والتخطيط لانقلاب البشير الذي تنظر فيه المحكمة.
نافع علي نافع: عمل في بداية حكم البشير في جهاز الأمن ، وأصبح مديراً له. ويتهم بأنه مؤسس بيوت الأشباح والمعتقلات السرية في السنوات الأولى من حكم الإنقاذ. أبعد عن الجهاز عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995.
يصفه منتقدوه بالحدة والقسوة في التعامل مع الخصوم السياسيين.
تقلد نافع مناصب وزارة الزراعة وديوان الحكم الاتحادي، كما شغل أيضاً منصب مساعد للبشير في القصر والحزب ويعد أحد المتهمين بتدبير انقلاب 1989.
يذكر أن الجيش السوداني نأى بنفسه عن تسجيل هارون الذي وصف فيه هارون ما حدث في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019 ، بالانقلاب العسكري وأثنى فيه على القوات المسلحة وأعرب عن تضامنه معها في معركتها ضد الدعم السريع دون ذكر قيادة الجيش.
سياسيون قدامى
ففي عام 1924، تم سجن قيادات “الحركة الوطنية” وقادة أعضاء جمعية “اللواء الأبيض” اللتين كانتا مناهضتين للاحتلال البريطاني.
تم اعتقال إسماعيل الأزهري الذي كان أول رئيس لحكومة وطنية ووزيراً للداخلية عام 1969، في فترة انقلاب مايو / أيار برئاسة جعفر النميري، الذي أصبح رئيسا للسودان في الفترة بين 1969-1985.
شهد عام 1985، أكبر عدد من الاعتقالات على يد النميري، ولكن وقف الفريق عبد الرحمن سوار الذهب إلى جانب الشعب وقاد انقلابه ضد النميري وأطلق سراح معظم المعتقلين السياسيين، لينهي حكم النميري واعتقال رموز نظامه ، كان من أبرزهم اللواء عمر الطيب.
وفي عام 1989، مرَّ السودان بانقلاب آخر برئاسة العميد عمر البشير، فاعتقل السياسيين وزجّ بهم في كوبر، وكان من أبرزهم، محمد عثمان الميرغني، زعيم الاتحاد الديمقراطي والصادق المهدي الذي كان رئيس الوزراء ورئيس حزب الأمة، وحسن الترابي الذي كان أمين عام الجبهة الإسلامية، الذي قيل إنه كان وراء تدبير الإنقلاب.
وفي 16 أبريل/نيسان 2019، اقتيد رئيس السودان السابق عمر البشير إلى كوبر بعد احتجاجات ومظاهرات السودانيين التي استمرت لشهور والتي أطاحت به وبعض من رموز نظامه، بمن فيهم اثنين من أشقائه، في الوقت الذي لا يزال فيه السودانيونمستمرون في احتجاجاتهم إلى أن تتحقق جميع مطالبهم.
أصل التسمية
بعد سقوط الدولة المهدية (السودان)، شنت بريطانيا حملة عسكرية عليه بقيادة الجنرال هوراشيو كتشنر عام 1898 واحتلته بعد ذلك بعام في فترة حكم الخليفة عبدالله التعايشي عام 1899.
واجهت بريطانيا مقاومة من السودانيين بعد احتلالها، فأمر مسؤول بريطاني كان يدعى الجنرال كوبر، ببناء أكبر سجن لضم جميع المعارضين السياسيين والعسكريين المناهضين للوجود البريطاني.
فتم تشييد السجن على الطريقة البريطانية في العاصمة السودانية الخرطوم عام 1903، بأمر من كوبر، وبلغت مساحتها خمسة آلاف متر مربع.
ويشبه تصميمه الهندسي سجن بيرمنغهام في المملكة المتحدة. ومن هنا جاءت تسميته على اسم كوبر، وهو الاسم الذي أطلق على الحي الذي بني فيه السجن أيضاً.
ورغم تغيير اسمه في الآونة الأخيرة إلى سجن عمر المختار، ولاحقاً السجن القومي، إلا أن اسم كوبر بقي الأكثر تداولاً.
وللسجن 14 قسماً، فهو يفصل المحكومين بالإعدام عن السياسيين أو الجرائم الجنائية أو الأحكام المؤبدة وغيرها من أنواع العقوبات، وهو أحد أكبر السجون في العاصمة السودانية.
إلا أن القسم السياسي لا يزال الأبرز، إذ شُيد خصيصاً لهذا الغرض، رغم تقلب السياسات الحاكمة في البلاد وتغير وجوه حكامها يساريين كانوا أو إسلاميين.
وتقول صحيفة “الراكوبة” السودانية، إن تسمية السجن على اسم كوبر كانت بسبب معاملته الإنسانية لنزلائه.
إعدامات
من أشهر الإعدامات التي وقعت في كوبر، إعدام قيادات الحزب الشيوعي السوداني عام 1971 بعد فشل الرائد هاشم العطا في انقلابه. ومن أبرزهم أمين عام الحزب عبد الخالق محجوب وأمين عام اتحاد نقابات عمال السودان وعضو اللجنة المركزية لاتحاد العمال العالمي الشفيع أحمد الشيخ.
ووصفت منظمة العفو الدولية سجن كوبر بالسجن “سيء السمعة” بسبب الأساليب الوحشية التي استخدمت في استجواب نزلائه.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.