- ديما عودة
- بي بي سي-لندن
قتل الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وشمال سوريا والهزات الارتدادية التي أتت بعده ما لا يقل عن 46 ألف شخص، وتسبب في دمار كبير في المباني والبنى التحتية.
ومن ضمن المباني المتضررة جراء الزلزال هناك العديد من الصروح الأثرية في كل من تركيا وسوريا، بعضها مدرج على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي.
يقول الدكتور حسين دقيل الباحث في علم الآثار: “تعد المنطقة منطقة زلازل وقد شهدت عبر تاريخها الطويل عددا من الزلازل، يرجع بعضها إلى حقبة ما قبل الميلاد. وفي العصر الحديث وتحديدا في القرن التاسع عشر، شهدت المنطقة عددا من الزلازل التي دمرت الكثير من المواقع الأثرية”.
اليونيسكو وحماية الإرث الحضاري
ينبغي على كل سلطة محلية في كل دولة أن تحمي آثارها وتشرف على ترميمها في حال تعرضها لأي ضرر.
لكن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونيسكو، تأخذ على عاتقها حماية المواقع الأثرية باعتبارها جزءا من التراث العالمي، وهناك مواقع أثرية مدرجة على قائمة التراث العالمي، وهي تحظى بالأولوية.
يقول الدكتور حسين دقيل: “تحرص اليونيسكو على حماية التراث الإنساني والطبيعي، كما أن هناك ميثاقا يعرف بميثاق البندقية لترميم وحفظ المعالم والمواقع، وهو مجموعة من المبادئ التوجيهيّة، وضعها مجموعة من المتخصّصين في الحفاظ المعماري بعد انعقاد مؤتمر دولي لهم في مدينة البندقيّة الإيطاليّة عام 1964، وهي توفر إطارا دوليا لحفاظ وترميم المباني التاريخية، وهذا الميثاق ينص على المساعدة في الحفاظ على المعالم الأثرية في كل أنحاء العالم على اعتبار أنها عبارة عن تراث مشترك يجب الحفاظ عليه”.
ويضيف الدكتور حسين أن ستة من المواقع التي تضررت جراء الزلزال مدرجة على قائمة اليونيسكو، ومن المقرر أن تحدد المنظمة كافة المواقع المتضررة على الأرض بعد إرسالها مبعوثين للمنطقة.
لكن المنظمة سوف تساعد في عمليات الترميم حتى في المعالم غير المدرجة على قائمتها، إذ أن إحدى أبرز مهام اليونيسكو هي التدخل في أماكن النزاعات أو الكوارث الطبيعية لحماية التراث العالمي.
يشرح الدكتور حسين: “بطبيعة الحال فإن التركيز الحالي للدول المتضررة منصب على الوضع الإنساني الذي تأزم بعد الزلزال، ولكننا ندعو اليونيسكو إلى الإسراع في الدعوة لعقد مؤتمر للمانحين من أجل المباشرة في عملية حصر المواقع، التي تضررت جراء الزلزال، ومن ثم المباشرة بعمليات الترميم”.
كيف تتم عمليات الترميم؟
تهدف عمليات الترميم إلى إطالة عمر الموقع، وإعادته إلى أقرب صورة ممكنة لما كان عليه قبل تعرضه للضرر.
وهناك قواعد دقيقة جدا لعملية الترميم، أهمها التوثيق لكل قطعة أثرية تعرضت للضرر عبر وسائل متعددة كالتصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو والرسم والخرائط، إذ ينبغي توثيق حالة الآثار في وضعها الراهن لمعرفة المكان الذي انفصلت منه كل قطعة، وإلى أين تحركت، وفقا للدكتور حسين.
ويشرح: “من أهم معايير الترميم أيضا الحفاظ على كل قطعة مهما كانت صغيرة الحجم، إذ تنص إحدى مواد ميثاق البندقية على أنه عند استكمال العناصر المفقودة يجب أن تكون العناصر الجديدة مندمجة ومنسجمة مع غيرها من عناصر المبنى، وعند استبدال الأجزاء المفقودة، يجب أن تُدمج الأجزاء الجديدة مع الهيكل الكلي بشكل منسجم ومتناغم، لكن بنفس الوقت يجب أن تكون قابلة للتمييز عن الأصل، فالترميم لا ينبغي أن يزيّف الدلائل الفنيّة والتاريخيّة.. فعلى سبيل المثال إذا كانت القطعة المفقودة من حجر جيري، ينبغي استبداله بحجر جيري مستقدم من نفس المحجر الذي أتت منه الحجارة الأصلية للمبنى”.
لكن بعض المواقع قد لا تحتاج إلى استبدال أجزاء، إذ لا يكون فيها فقد لقطع كبيرة، وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى عملية تدعيم، ويشرح الدكتور حسين: ” تشير المادة 15 من الميثاق، إلى إنه ينبغي أن يكون هناك تمييز بين ما هو مرمم وما هو أصلي، ويجب الحفاظ على الآثار وقياسها لحماية الخصائص المعمارية للعناصر المكتشفة، كما يجب أن تكون المادة المكملة المستخدمة في الترميم دائما قابلة للتمييز، ويجب استخدامها بالحد الأدنى بما يضمن الحفاظ على الأثر وإعادته إلى وضعه السابق.، لذا ينبغي أن تترافق كل تلك الخطوات مع عملية توثيق أولي وتوثيق مرحلي وتوثيق نهائي، لكافة مراحل عمليات الترميم منذ البداية وحتى المرحلة النهائية”.
هل توجد وسائل لحماية الآثار؟
يقول الدكتور حسين إنه لم يسبق وأن جرى الحديث عن استخدام وسائل حديثة لحماية الصروح الأثرية من الكوارث الطبيعية، على الرغم من أن الأمر ممكن من الناحية النظرية، فعلى سبيل المثال يمكن بناء أرضية مطاطية تسهم في امتصاص الصدمات تحت المبنى الأثري، بشرط ألا يؤثر بناء مثل هذه الأرضية على المبنى سلبا. لكن في الوقت الحالي التركيز يكون دوما على إطالة عمر المبنى أو الصرح الأثري.
ويوضح الدكتور حسين: “تنص المادة العاشرة من اتفاقية البندقية على أنه عندما يثبت أن التقنيات التقليدية غير ملائمة، يمكن استخدام التقنيات الحديثة لحماية البناء، وهذا يفتح المجال لاستخدام التكنولوجيا الحديثة بما يساعد على حماية الآثار، لكن ما زال هذا الموضوع خارج البحث، إذ لم يسبق أن تطرقت له أيه جهة من الجهات المعنية بالحفاظ على الآثار والتراث العالمي”.
أبرز المواقع الأثرية المتضررة
لم يتم حتى الآن حصر كافة المواقع الأثرية التي تضررت بفعل الزلزال سواء في تركيا أو في سوريا، لكن الحصيلة الأولية ضمت العديد من المواقع المهمة في كلا البلدين، وبعضها ينتمي لحضارات تعود إلى ما قبل الميلاد.
في سوريا:
تعرضت قلعة حلب التي تعد واحدة من أقدم وأكبر القلاع في المنطقة، لأضرار بالغة وأشارت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية، إلى “وقوع أضرار طفيفة ومتوسطة منها سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية، وحدوث تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية كما سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة، وسقطت أجزاء من الحجارة، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار عديدة، وكذلك المتحف الوطني في مدينة حلب”.
ويُعتقد أن القلعة قد تم بناؤها في حوالي الألفية الثالثة قبل الميلاد، وقد تم ترميمها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولطالما كانت معلما سياحيا رئيسيا. وتعتبر القلعة جزءا من مدينة حلب القديمة، المدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
ألحق الزلزال أضرارا طفيفة ومتوسطة في بعض المباني داخل قلعة المرقب الواقعة على بعد 5 كيلومترات شرقي مدينة بانياس على الساحل السوري، ما أدى إلى سقوط أجزاء من حجارة بعض الجدران أو واجهات المباني، بالإضافة إلى سقوط كتلة من برج دائري في الجهة الشمالية. وتعد القلعة واحدة من أهم القلاع التي بنيت في العصور الوسطى، وتحتوي على تراث إنساني عظيم أسهم في تسجيلها على اللائحة التوجيهية لليونسكو.
كذلك تسبب الزلزال بسقوط الجرف الصخري في محيط قلعة القدموس، وانهيار بعض المباني السكنية المتواضعة في حرم القلعة.
جامع الإمام إسماعيل وقلعة شميميس
سقط الجزء العلوي من مئذنة جامع الإمام إسماعيل في مدينة السلمية، ما أدى إلى تصدع واجهة الجامع، وشوهدت أجزاء متساقطة من الجدران الخارجية لقلعة شميميس.
كما تضررت قلعة الخوابي في محافظة طرطوس، ومتحف مدينة جبلة الساحلية، ومتحف بلدة معرة النعمان، وبرج مدينة صافيتا.
في تركيا:
قلعة غازي عنتاب
تضررت قلعة غازي عنتاب التاريخية المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، حيث دمر الزلزال بعض المواقع في الأجزاء الشرقية والجنوبية والجنوبية الشرقية من القلعة الواقعة في منطقة شاهينبي الوسطى.
كما انهار الجدار الاستنادي المجاور للقلعة، ولوحظ وجود شقوق كبيرة فيه.
وتعد قلعة غازي عنتاب من أقدم القلاع في المنطقة إذ تشير الدراسات إلى أنها بنيت في الفترة ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادي، ومن ثم تم توسيعها وتعزيزها في العهد البيزنطي في الفترة ما بين 527 – 565م.
الكنيسة الأرثوذكسية في أنطاكية
يعتقد أنها تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وقد انهارت بشكل كامل إثر الزلزال.
كنيسة الروم الكاثوليك
تعرضت كنيسة الروم الكاثوليك، الواقعة في منطقة الإسكندرونة في مقاطعة هاتاي، لأضرار جسيمة وبقيت أقواس الكنيسة وجدرانها فقط قائمة، بينما تحولت المباني المجاورة إلى أنقاض.
ويتعقد أن الكنيسة بنيت ما بين عامي 1858 و1871، وأعيد ترميمها في سنة 1901 بعد تعرضها لأضرار جراء حريق هائل.
تعرض مسجد “يني جامع” الواقع في منطقة الحميدية بمدينة ملاطية جنوب شرقي تركيا للانهيار، ولم يتبق سوى أجزاء من جدرانه قائمة الآن، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1913.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.