- ساره فاولر وجيمس ليندال
- من لندن وكييف
قائدا سيارته خلال ساعات الليل، بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أولى زياراته لمدينة ماريوبول، التي دمرت بشكل كبير، خلال حصار القوات الروسية لها، وسيطرتها عليها في فترة سابقة من الحرب.
وتتبعت بي بي سي بعض مناطق من الطريق الذي سلكه بوتين، ومر قريبا من مناطق شهدت معارك شديدة خلال حملة الجيش الروسي الطويلة، التي كللت في النهاية بالسيطرة على المدينة الصيف الماضي.
وبثت وسائل إعلام روسية مقاطع مصورة لبوتين يتحدث مع رفاقه خلال الطريق إلى مركز المدينة. وقالت الحكومة الروسية إن الزيارة جرت مساء السبت، وقرر بوتين بشكل مفاجىء التجول في أنحاء المدينة.
وقال عمدة ماريوبول الأوكراني، الذي يقيم خارجها منذ سيطرة الروس عليها لبي بي سي، إن المدينة شكلت تحديا شخصيا لبوتين بسبب ما جرى فيها.
وأضاف، فاديم بويشينكو “يجب أن نفهم أن ماريوبول تشكل رمزية لبوتين، نظرا للغضب الذي صبه على المدينة. فلم تتعرض مدينة أخرى لتدمير مماثل. كما لم تخضع مدينة أخرى للحصار كما حدث في ماريوبول. ولم تتعرض مدينة أخرى لقصف مكثف بهذا الشكل”.
وقال “لقد جاء بنفسه ليرى ما فعله شخصيا بالمدينة”.
مرورا بموقع الهجمات الروسية
وحددت بي بي سي بعض معالم الطريق الذي سلكه بوتين، وعلى رأسه منطقة سانت كوبرينا، قبل الانعطاف إلى ميتالورهيف أفينيو، حيث تقع قاعة المدينة الموسيقية التي زارها لاحقا، والتقط الصور عندها.
كان بوتين يجلس في السيارة وإلى جواره شخص آخر، يرتدي قبعة سوداء، عرفته وسائل الإعلام الروسية بأنه نائب رئيس الوزراء مارات خوسنولين.
وخلال الطريق كان على يسار السيارة تماثيل لمجموعة من الطيور. وكان هذا هو ميدان الحرية في ماريوبول.
بعد ذلك وعلى اليمين، مستشفى الولادة رقم ثلاثة في ماريوبول، والتي لم تظهر في الصور على الإطلاق، وكانت قد تعرضت لقصف مكثف قبل نحو عام.
وانتشرت وقتها صور لماريانا فيشميرسكايا، التي كانت في مرحلة متقدمة من الحمل، وهي تسير فوق الأنقاض، بوجهها المتورم الدموي، الذي يعكس حجم الغضب من الغارة التي استهدفت المستشفى، رغم أنها نجت ووضعت مولودها في اليوم التالي. لكن سيدة أخرى كانت حبلى أيضا ماتت خلال القصف.
وقال الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي إنها جريمة حرب.
لكن السفارة الروسية في لندن قالت إن المستشفى لم تكن تعمل وتحولت قبل وقت طويل إلى مركز لعناصر قوات فرقة أزوف، التي كانت مشكلة من المتطوعين المرتبطين باليمين المتطرف منذ عام 2014، لكنها لاحقا أدمجت بالحرس الوطني الأوكراني.
وعند انعطاف سيارة بوتين إلى اليمين مرة أخرى ليصل إلى ساحة المسرح الرئيسي في المدبنة، كان هناك مشهد القصف المميت، الذي يعتقد أنه قتل ما لا يقل عن 300 شخص، وربما يصل إلى 600 مدني.
المدنيون كانوا يستخدمون مقر المسرح كملجأ يبيتون فيه خلال الحصار، ووضعوا لافتة ضخمة باللغة الروسية تقول “أطفال” فوق المبنى، الذي انهار كليا بعد قصفه. لكن روسيا أنكرت، واتهمت فرقة أزوف بالقيام بذلك. لكن سلطات المدينة في المنفى قالت، لاحقا، إن القوات الروسية أكملت تدمير المبنى.
وقال بويشينكو “روسيا عرفت أين توجد أماكن تجمع الناس، وتعمدت تدمير هذه الأماكن لقتلهم، وهم يعملون بهذا الشكل المنهجي”.
زيارة لمجمع سكني روسي جديد
أظهرت صور منشورة بوتين يتفقد، سيرا، مجمعا سكنيا حديث البناء، قيل إنه في منطقة نيفسكي في ماريوبول. وشرح له مرافقوه تقسيم البناء. وظهر بوتين أيضا يتحدث مع بعض السكان ودخل إحدى الشقق التي قالوا له إنها تتكون من 3 غرف.
ونيفسكي هي منطقة حديثة على تخوم المدينة، بناها الروس من عشرات المجمعات السكنية، وسميت تيمنا بنهر نيفا الذي يقع منزل بوتين على مشارفه في سان بطرسبيرغ.
ويشير عمدة المدينة بويشينكو إلى أن غالبية المباني الروسية تم تشييدها خارج المدينة “لأنهم بنوها لتأكيد جانبهم من الرواية بأنهم جاؤوا لتحرير المدينة، إلا أنهم دمروها، فالمدينة لم يعد لها وجود، وسنحتاج 20 عاما لإعادتها”.
وقال سكان في المدينة لبي بي سي إن العديد من المباني الجديدة يتم تشييدها، وإن عشرات المباني المدمرة تجري إزالتها. وتقدر الأمم المتحدة إن نحو 90 بالمئة من إجمالي المباني السكنية في المدينة قد دُمر بشكل جزئي أو كلي، خلال الحملة الروسية عليها.
وقال الصحفي النرويغي مورتن ريسبيرغ، الذي زار المدينة نهاية العام الماضي، إنه شاهد عملية إعادة إعمار ضخمة بها وسط “مشاهد الحطام في كل مكان”.
وأضاف “إنهم يغيرون أسماء الشوارع ويعيدون طلاء المباني، بألوان العلم الروسي، ويضعون الأعلام الروسية في كل مكان”. وقال لبي بي سي، إن “غالبية السكان هناك يركزون على البقاء أحياء”.
المسيرة عبر قاعة ماريوبول الموسيقية
وفي جانب آخر من اللقطات، يمكن رؤية بوتين داخل مقر قاعة الموسيقي في المدينة، والتي قالت وسائل إعلام روسية إنها قاعة الموسيقى الفيلهارمونية. وتأكدت بي بي سي من أن المناظر الداخلية توافق المناظر المعروفة داخل المبنى.
وهذا المبنى هو نفسه الذي لفتت الأمم المتحدة الانتباه إلى أنه يستخدم من قبل القوات الأوكرانية التي قاومت حصار المدينة عدة أشهر، في مجمع أزوفستال، قبل أن تسيطر القوات الروسية على المدينة بالكامل في مايو/ آيار الماضي.
وأوضحت الصور التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الصيف الماضي، ومنها صور نشرتها السلطات الأوكرانية، بناء أقفاص حديدية. ومن المعروف، حسب الأمم المتحدة، أن محاكمة أسرى الحرب بتهمة لمشاركة في القتال يعتبر جريمة حرب.
لكن المحاكمات لم تحدث، حيث كان أسرى الحرب في المدينة ضمن اتفاق لتبادل الأسرى مقابل تسليم أوكرانيا 55 أسيرا روسيا، بينهم عضور البرلمان الروسي فيكتور ميدفيدشوك.
وكانت القاعة الموسيقية والمسرح الكبير في المدينة من بين الأماكن التي لجأ إليها المدنيون خلال الحصار. وقال بويشينكو إن الأماكن الثقافية هي المواقع التي يلجأ إليها الناس “حيث اختبأوا في الأقبية وانتظروا نهاية الإرهاب الروسي”.
واعتادت القاعة الموسيقية استضافة احتفالات الموسيقى الكلاسيكية. وقال بويشينكو إن “هذه الاحتفالات كانت تعج بالموسيقى الكلاسيكية الرائعة، التي يحبها سكان ماريوبول”. وكانت تستقطب الفنانين من مختلف أنحاء أوكرانيا وخارجها.
وأضاف “الكثيرون اعتادوا التجمع في الاحتفالات للاندماج في الشعور العام الذي وسم ماريوبول”.
وفي إحدى الصور ظهر بوتين في زيارة لمتحف الحرب العالمية الثانية، والذي بني لتأبين القوات السوفيتية، التي استعادت المدينة من قوات النازي الألمانية.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.