- رمضان يونس
- بي بي سي نيوز عربي
يقدم أطباء حول العالم آمالاً كاذبة وعلاجات زائفة إلى ملايين الناس الذين يعانون من مرض عضال يمكن أن يؤدي إلى فقدان كامل للنظر. مراسل بي بي سي، رمضان يونس، الذي يعاني شخصياً من المرض، أجرى تحقيقاً سرياً لفضح هؤلاء الأطباء.
استلقيت في المستشفى لخمسة أيام في ظلام دامس، الضمادات تغطي عينيّ، تخيلت كيف ستكون حياتي إذا استعدت ما فقدته من بصري؟
في عام 2013 سافرت إلى بكين في الصين بعدما قرأت عن علاج لالتهاب الشبكية الصباغي، وهو مرض وراثي يصيب العينين. قبلها بست سنوات، كان قد جرى تشخيصي بهذه الحالة وعلمت أنني قد أفقد نظري تماماً يوماً ما.
جمعت 13 ألف دولار لدفع نفقات علاج قيل لي إنه سيحسن بصري وسيغير حياتي.
عندما عدت إلى منزلي في القاهرة بمصر، أخبرت أصدقائي وأسرتي أن بصري كان يتحسن – فقد بلغ بي اليأس حداً أردت فيه تصديق أن العلاج كان ناجحاً.
لكنه لم يكن كذلك.
مرّ شهر تلو الآخر وما زلت أشعر أن بصري يتدهور. الحالة التي أعاني منها هي الموت البطيء لملايين الخلايا الحساسة للضوء في شبكية عيني.
لا يوجد علاج في الوقت الحاضر سوى علاج واحد فقط، وهو العلاج الجيني لوكستورنا، الذي اعتمد منذ عام 2017، لكنه يصلح لنسبة ضئيلة جداً من المرضى الذين لديهم طفرة جينية بعينها.
التهاب الشبكية الصباغي شائع أكثر في الدول العربية، مما دفع بعيادات حول العالم لاستهداف المرضى الناطقين بالعربية، بالادعاء بأنها يمكن أن تعالج ما لا يُعالج، وبكلفة كثيراً ما تكون باهظة.
بدءاً من غزة ثم القدس الشرقية لاحقاً، يعالج طبيب المرضى بإجراء يسميه “التحفيز العصبي”.
تحدثت مع سبعة مرضى دفعوا أكثر من ألفي دولار نفقات لهذا العلاج الذي يتضمن حقن فيتامينات وغلوكوز، وجهازي اهتزاز يوضعان حول العينين وفي الأنف.
لم يذكر أحد منهم أنه رأى أي فائدة من العلاج.
لكن الطبيب أخبرني أنه عالج نحو 70 شخصاً، 60 بالمئة منهم شعروا بتحسن رؤيتهم الليلية، و40 بالمئة في رؤيتهم النهارية.
وقال: “إذا حفّزت العصب من الخارج، فسيمكنك تنشيط تدفق الدم داخل العين، وهذا يعني إمكانية الحفاظ على إمدادات الغلوكوز والأوكسجين إلى هذه الخلايا الخاملة وإعادة تنشيطها مرةً أخرى”.
وأضاف: “نحن نفكر خارج الصندوق”.
وصف البروفيسور روبرت مكلارين، وهو خبير في التهاب الشبكية الصباغي في جامعة أوكسفورد هذا الادعاء بأنه “فرضية كاذبة”. وقال: “إن زيادة تدفق الدم قد يؤدي عملياً إلى زيادة الضرر، لأن زيادة الأوكسجين يمكن أن تحدث ضرراً لخلايا هي مريضة أساساً”.
وقال الطبيب الذي يعالج المرضى بـ “التحفيز العصبي” إن بحثاً يتضمن الخطوط العريضة لعلاجه ينتظر مراجعة أقرانه، مضيفا أن غالبية مرضاه شهدوا تغيراً في حياتهم.
ويواصل تأكيده على أن علاجه يمكن أن يعكس مسار المرض.
في روسيا، سمعتُ بمستشفيات تبيع العلاج لمرضى عرب يعانون من التهاب الشبكية الصباغي لسنوات. كان أكبرها مستشفى فيودوروف للعيون في موسكو.
معظم عملها يحظى بالاحترام حول العالم، ولكنها مرتبطة بشركة تدعى روتريتمنت، التي تنشر بين المرضى في العالم العربي، ادعاءات بتحسين بصر المصابين بالتهاب الشبكية الصباغي.
يقول محمد عبدالمنعم، البالغ من العمر 26 عاماً والذي سعى للحصول على العلاج قبل ثماني سنوات، إن بصره كان جيداً في النهار وكان يستطيع مشاهدة التلفاز واستخدام هاتفه، لكن رؤيته الليلية تدهورت.
دفع أكثر من ألفي دولار لحقن الفيتامينات حول عينيه، إضافة إلى حبوب يتناولها عند عودته إلى بيته في جزيرة توتي بالقرب من الخرطوم.
لم يكن للعلاج أي أثر، ولكن طُلب منه العودة إلى المستشفى بعد عام، حيث كرر العلاج أربع مرات، وفي كل مرة أنفق آلاف الدولارات، لكن بصره كان يتدهور طوال الوقت.
قال: “فقدت معظم بصري. الآن أستطيع أن أرى الضوء والأشكال فقط. وقد بدأت أفقد القدرة على رؤية الضوء أيضاً”.
سمعت بمكتب مقابل السفارة الروسية في الخرطوم يسمى “مركز فيودوروف للخدمات”، ينشط في ترويج علاج مستشفى فيودوروف ويقدم تسهيلات لسفر المرضى.
فذهبتُ متظاهراً بأني مريض يريد الحصول على العلاج لأسمع ما يقولونه للمرضى. هناك تحدثت هاتفياً إلى طبيب في روسيا اسمه محمد عوض الذي أخبرني أن أياً من المرضى لم يعانِ من أعراض جانبية.
وقال: “كل المرضى (الذين يتلقون العلاج) يشعرون بتحسن. العلاج ليس لمرة واحدة، فعلى المرضى أن يواصلوا العلاج كل عام وسيحافظون على بصرهم”.
بعد حديثي مع الدكتور محمد عوض، تلقيت رسالة من مستشفى فيودوروف، تؤكد على ما يبدو، ارتباطه بالمؤسسة. ولكن عندما اتصلت بالمستشفى، كان واضحاً بأن ليس كل طاقم المستشفى يؤمنون بالعلاج.
وقال لي أحد العاملين: “ليست هناك جدوى من هذه الحقن، يمكنك حتى أن تجدها في السودان أو مصر”.
سألته عن فرص إمكانية استقرار رؤيتي فقال: “ليس هناك أي فرصة، ولا حتى واحد في المئة. مرضك وراثي وخلقي ولا علاج له”.
عند مواجهته بما توصلت إليه بي بي سي من تدهور إبصار المرضى الذين عولجوا في روسيا، اعترض الدكتور عوض على ذلك واتهم البي بي سي باختلاق القصص لتشويه سمعة المستشفى.
لم يرد مستشفى فيودوروف أو روتريتمانت على بي بي سي.
لكن علاجاً يُعرض على المرضى في دبي وأمريكا كان أكثر ما صادفته إثارةً للقلق.
العلاج هو في الحقيقة تجربة سريرية يديرها الدكتور ليفي، ويجريها زميله الدكتور ويس. ولكن من الغريب جداً أن يكلفك الخضوع للتجربة 20 ألف دولار.
هناك قواعد صارمة في الولايات المتحدة بشأن تكاليف المشاركة في التجارب، والتي يُسمح بها فقط في الحالات النادرة جداً أو الأدوية باهظة الثمن.
اتصلت بالدكتور ليفي مدعياً بأنني أرغب في الخضوع لعلاجهما، وسجلت المكالمة سراً لأعرف كيف يُقنع المرضى بالمشاركة في هذه التجربة. أخبرني أنها تشمل أخذ خلايا جذعية من نخاع عظام المريض وحقنها تحت جفن العينين في قعر تجويف العينين.
وقال لي إن الدكتور ويس عالج “نحو 700” مريض “بدون مضاعفات” وإن “الغالبية العظمى” من المرضى استفادوا من العلاج.
ولكن أبلغني مرضى سابقون بقصة مختلفة. أحمد الفاروقي الذي يعيش في فلوريدا منذ مجيئه من الأردن وهو طفل، جمع 20 ألف دولار من أقربائه لدفع تكاليف علاجه.
ولكنه وصف حاله بعد العلاج قائلاً: “عندما فتحت عينيّ، وجدت أنني لم أعد أستطيع أن أرى في عيني اليسرى”.
وأضاف: “إنهم فقط يريدون الحصول على المال و لا يعبأون بما يحدث لعينيك”.
وقال مرضى آخرون إنهم أيضاً واجهوا مضاعفات بعد تلقيهم العلاج.
لقد وجدت صعوبة في تصديق أن طبيباً يمكن أن يجري عمليات بهذا الشكل العلني دون أن تكون هناك بعض المصداقية لادعاءاته.
لذا، عرضت تسجيلات مكالمتي مع السيد ليفي على عدة أساتذة في طب العيون.
وصف الدكتور بايرون لام من معهد بيسكوم للعيون في ميامي ادعاءات السيد ليفي بأنها “جنونية حقاً” وقال بأنه لا يصدق بوجود “أي مصداقية علمية” للفرضية التي يتحدث عنها.
وقال البروفيسور روبرت مكلارين من جامعة أوكسفورد: “هذه ليست تجربة سريرية صحيحة. إنه علاج مقلق جداً وهناك إمكانية في تسببه بأضرار للمرضى ويجب وقفه”.
بعدما كشفت للسيد ليفي بأنني صحفي أجري تحقيقاً حول هذا العلاج وطلبت مقابلة الدكتور ويس، كتب لي ووصفني بأنني مخادع.
وقال: “إن رغبتك الأنانية في الحصول على ومضة ضئيلة من الشهرة من خلال الإضرار بدراستنا، تبقى غير محدودة”.
وأضاف: “إنك عار على أسرتك وعلى ملايين الناس في العالم ممن يعانون من أمراض عيون لا علاج لها”.
لم يرد الدكتور ليفي أو الدكتور ويس على أسئلة بي بي سي بشأن هذه التجربة.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.