حمى انهيار البنوك الأميركية.. سوء إدارة أم أزمة ثقة؟
أخبار العالم

حمى انهيار البنوك الأميركية.. سوء إدارة أم أزمة ثقة؟



وتسيطر حالة من عدم اليقين على الأسواق العالمية وارتفاع حالة العزوف عن المخاطرة، على الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الحكومية الأميركية، وكذلك تعهد المجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنوك مركزية كبرى في العالم بتعزيز السيولة في السوق ودعم المصارف بعد التوصل إلى صفقة تاريخية استحوذ بموجبها بنك “يو.بي.إس” السويسري على كريدي سويس لمحاصرة الأزمة المصرفية.

وفيما كشف بنك “يو.بي. إس” عن تقديمه عرضاً لشراء بنك “كريدي سويس” بقيمة 3 مليارات فرنك سويسري (3.2 مليار دولار)، بما يعادل 0.76 فرنك للسهم الواحد، بحيث يحصل مساهمو كريدي سويس على سهم واحد من “يو بي إس” مقابل كل 22.48 سهم من أسهم كريدي سويس، طلب ائتلاف يضم بنوكا أميركية متوسطة الحجم من الهيئة الناظمة الفيدرالية للمصارف ضمان جميع ودائع عملائهم لمدة عامين، حتى للمبالغ التي تفوق الحد البالغ 250 ألف دولار، لتفادي انتقال عدوى الإفلاس إليها.

وكانت بنوك أميركية كبرى ضخت نهاية الأسبوع الماضي 30 مليار دولار في بنك “فيرست ريبابليك”، في خطوة لتهدئة مخاوف المودعين من أن يكون البنك التالي بعد انهيار البنوك الأميركية الثلاثة.

“إدارات المخاطر في البنوك” المتهم الأول

في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يؤكد المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “ماس” للاستشارات، مازن سلهب أن “ما يجري من انهيار وتراجع لبعض البنوك الأمريكية هو نتاج فشل إداري بامتياز مرده الإدارات العليا في البنوك ومنها إدارات المخاطر بالإضافة إلى الزخم الإعلامي الذي جعل من انتشار المعلومة والفضيحة أكثر سهولةً وأسرع تأثيراً وهكذا كانت ردة فعل المودعين سلبية لكنها مبررة”.

ويرى سلهب أن “الثقة في النظام النقدي والبنكي في الولايات المتحدة تراجعت عموماً، منذ أيام الأزمة المالية العالمية في 2008، لكن زخم العمل والنقد الرخيص والفائدة المتدنية جعل الملايين يتناسون تبعات هكذا سياسات، والمشكلة تكمن في بعض التشريعات وكذلك في احتكار السوق من قبل كبار بنوك وول ستريت التي ستكون أكثر احتكاراً بعد الأزمة الحالية في بنك سيليكون فالي لأن البنوك الصغرى والمتوسطة ستصبح في موقف أصعب شعبياً واستثمارياً ومالياً”.

 الفرق بين أزمة 2008 والأزمة الحالية

ومع تأهب المستثمرين لأزمة مالية عالمية جديدة مثل التي حدثت في عام 2008، يشير رائد الخضر رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti”، إلى أن أزمة البنوك الحالية بما فيها سيليكون فالي ما هي إلا سوء إدارة ولا ترتبط بما حدث في العالم سابقاً، موضحاً الفرق بينها وبين الأزمة المالية العالمية بقوله: “بدأت أزمة عام 2008 بارتفاع أسعار العقارات بشكل مبالغ فيه، وارتفاع نسبة الاقتراض بين المستثمرين مع عدم وجود لوائح تنظيمية صارمة وتلاعب بالبيانات، وعندما بدأت الأزمة من بنك ليمان براذرز، بدأت عدوى انهيار البنوك تنتقل إلى العالم كله، أما الآن فالأزمة مختلفة تماماً، فهي غير متربطة بارتفاع أسعار سلع معينة دون غيرها، أو ارتفاع شهية المخاطرة لدى المستثمرين”.

ويشرح الخضر في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن “الأزمة الحالية تتمثل في استثمار بنك سيليكون فالي في السندات طويلة الأجل لتحقيق المزيد من الأرباح مع اتباع الفيدرالي الأميركي سياسة خفض الفائدة وضخ سيولة ضخمة في السوق خلال جائحة كورونا عام 2020، ومع عدم اتخاذ البنك تدابير وقائية كافية، تعرض يُعرف باسم مخاطر سعر الفائدة، حيث رفع الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بأعلى وتيرة وبقوة ما تسبب في تراجع السندات بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى أن أغلب المستثمرين وبالأخص شركات التكنولوجيا الناشئة توجهوا إلى سحب أموالهم لتوفير السيولة مع استمرار السياسة النقدية التشديدية”.

المركزي يرفع الفائدة 8 مرات

ومنذ العام الماضي رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة 8 مرات ليتراوح المعدل ما بين 4.5 و4.75 بالمئة، ومن المقرر قبل الأزمة أن يجتمع البنك في 21 و22 مارس الجاري لدراسة رفع أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي لتخفيض معدل التضخم إلى المستوى المستهدف 2 بالمئة.

وسجل معدل التضخم في الولايات المتحدة لشهر يناير 2023 تباطؤاً من 6.5 بالمئة إلى 6.4 بالمئة على أساس سنوي.

 مخاوف انتقال عدوى البنوك لاتزال تلوح في الأفق

وعلى الرغم من أن سوء الإدارة يقف وراء أزمة بنك سيليكون فالي، إلا أنه يجب الوضع بعين الاعتبار، أن مخاوف انتقال عدوى البنوك لاتزال تلوح في الأفق، طبقاً للخضر، الذي أكد أن استمرار رفع الفائدة الأمريكية بقوة تضغط على أداء الشركات وبالأخص شركات القطاع التكنولوجي المتوسطة والصغيرة التي تلجأ دائماً إلى الدعم المالي، وبالتالي قد يتسبب هذا في انكماش القطاع التكنولوجي في الفترة المقبلة والشركات الناشئة ذات المخاطرة المرتفعة خاصة أن سيليكون فالي كان يوفر حزم الإقراض المعقدة التي تدعم مثل تلك الشركات.

وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل قد يمتد إلى تباطؤ أكبر اقتصاد عالمي الفترة المقبلة خاصة أنه يعتمد على القطاع التكنولوجي كمحرك رئيسي في وتيرة النمو الاقتصادي، ولو استمر الفيدرالي الأميركي في رفع الفائدة بقوة الفترة المقبلة، فسيستمر هذا بالضغط على أداء الشركات وأسواق الأسهم وبالتالي النمو الاقتصادي ككل، طبقاً لما قاله رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة “Equiti”.

من سوء إدارة إلى أزمة ثقة

من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي علي حمودي أن أزمة البنوك الأميركية بدأت أزمة سوء إدارة ثم أصبحت أزمة ثقة، مشيراً إلى أن بنك سيليكون فالي لم يفلس بسبب قلة السيولة، بل على العكس كان بنكاً قوياً ولديه إيداعات كبيرة، لكن البنك لم يضع هذه الإيداعات في استثمارات مضمونة تحقق له الربح مقابل الفائدة التي يدفعها للمودعين.

ويضيف حمودي لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن سوء الإدارة الذي وقعت فيه إدارة المخاطر في سيليكون فالي يتجلى في وضع مجمل الإيداعات في السندات الأميركية طويلة الأجل، وهذه السندات كانت من الاستثمارات المضمونة قبل مارس 2022، وهو تاريخ بدء الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة ليسرع الوتير خلال الصيف الماضي ما أثر على قيمة الإيداعات إذ أن رفع الفائدة 1 بالمئة يقلل سعر السند 10 بالمئة كمقياس، الأمر الذي أدى مع رفع الفائدة 5 بالمئة، إلى فقدان قيمة استثمارات البنك بنحو 50 بالمئة، وهنا يكون البنك عاجزاً عن الإيفاء بالتزاماته في حال قرر المودعون سحب أموالهم دفعة واحدة”.

ولكن كيف انتقلت إلى أزمة ثقة؟

يجيب حمودي على هذا التساؤل بقوله: “انتقلت مشكلة بنك سيليكون فالي إلى أزمة ثقة بسبب إبلاغ البنك للسلطات المختصة الأميركية بمشكلة فقدانه نصف قيمة الإيداعات لديه وأنه بحاجة إلى السيولة، حيث انتشر هذا الخبر سريعاً عبر وسائل الإعلام وخصوصاً (السوشيال ميديا)، ما أثر على البنوك المشابهة وهنا بدأت أزمة الثقة حيث هرع المودعون لسحب أموالهم وإيداعها في مصارف أكبر لاعتقادهم بأن السلطات الحكومية الأميركية تدعم المصارف الكبيرة في حال واجهت أزمة سيولة”.

 





المصدر


اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *