وتسببت المصاعب الاقتصادية التي يعيش التونسيون على وقعها طيلة السنوات الأخيرة في لجوء الكثيرين إلى الاستدانة من البنوك عبر الحصول على قروض استهلاك متفاوتة القيمة لتسديد مصاريفهم اليومية وإيجاد سيولة مالية للعديد من النفقات.
وفي آخر تقرير نشره المعهد التونسي للاستهلاك، فإن مصادر ديون الأسر التونسية متأتية أساسا من البنوك بنسبة 57 بالمئة ومن الاقتراض الشخصي (السلفة) من الأشخاص أو الشركات بنسبة 17 بالمئة أو من الجمعيات بنسبة 12 بالمئة فضلا عن طرق أخرى.
لكن القروض البنكية تظل الملاذ الأول والأخير لتغطية الحاجيات العاجلة للأسر أو انجاز استثمارات.
وكشف تقرير أعده مرصد الخدمات المالية، وهو منظمة مستقلة تعنى بالمسائل الاقتصادية والمالية أن نسبة تداين الأسر التونسية بلغت في العام الماضي 34 بالمئة أي أن أكثر من ثلث التونسيين يلجؤون للاستدانة لسد نفقاتهم.
وأضاف التقرير أن مصادر الاستدانة ترتكز بالأساس لدى البنوك والمصارف.
كما أشار التقرير الذي استند إلى دراسة أعدها المعهد التونسي للاستهلاك إلى أن نصف العائلات التونسية يوجد بها على الأقل فرد واحد مدين لدى البنوك، فضلا عن أن ثلثي الأسر في البلاد (ما يقارب 65 بالمئة) تعتبر أن الوضعية الاقتصادية الراهنة تحتم عليها الاقتراض.
ويرى رئيس المرصد التونسي للخدمات المالية عبد اللطيف بن هدية في تصريحات الموقع أن ارتفاع نسق اقتراض الأسر التونسية يعزى ليس فقط لارتفاع نسق الاستهلاك والزيادات المجحفة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، وإنما أيضا للعادات الاستهلاكية التي تفوق القدرة الشرائية للمواطن والتي تنحصر أساسا في الكماليات مثل الترفيه أو السفر أو الاستجمام خلال إجازة الصيف وغيرها من أوجه الإنفاق.
وقال بن هدية في تصريحات لسكاي نيوز عربية: “الاقتراض من البنوك أو للمؤسسات لم يعد موجها بالأساس إلى النفقات العاجلة أو إلى الضروريات مثل الأكل واللباس وبعض الخدمات الضرورية لكن الكثير من التونسيين يحصلون على قروض بنكية أو يلجأون للتداين من أجل السفر أو الترفيه أو قضاء عطلة رأس السنة في النزل والوحدات السياحية فيما تكون تداعيات ذلك وخيمة على المداخيل الشهرية لتلك العائلات.”
وفي المقابل انتقد رئيس المرصد التونسي للخدمات المالية، الإجراءات التي تعتمدها المصارف والبنوك بتكوين لجان داخلها للاستشارة وتقديم النصائح للحرفاء لكنها في النهاية لا تقدم ما يشفي غليل المواطن المثقل بالديون كما أنها تفتح ولو بشكل غير مباشر الباب أمام مزيد الاقتراض والتداين بتسهيلات سرعان ما تعود بالوبال على الحريف الذي يجد نفسه تحت طائلة التتبعات القانونية في حال ما عجز عن خلاص الأقساط الشهرية المستوجبة عليه.
ونتيجة لتفاقم الأزمة الاقتصادية والارتفاع القاسي في الأسعار والخدمات، فضلا عن زيادة نسق الإنفاق في فصل الصيف، يلجأ التونسيون عادة للاقتراض من البنوك بقروض صغيرة لكنها مكلفة خصوصا بعد ارتفاع نسبة الفائدة التي تحصل عليها المؤسسات المصرفية.
ويشار إلى أن العائلات التونسية الحاصلة على قرض بنكي تجد نفسها أمام ضرورة خلاص تلك الديون وذلك بخصم ما يفوق 40 بالمئة من أجرها فيما ترتفع هذه النسبة إلى 60 بالمئة في بعض الأحيان للعديد من الأسر.
وبحسب عدد من المختصين في الاقتصاد، فإن نسق التداين الأسري في تونس يشهد ارتفاعا مهولا، وذلك في وقت تشير فيه التقديرات إلى أنه سيشهد ذروته خلال الأشهر المقبلة مما سيفرز تداعيات كارثية على الأوضاع في القطاع البنكي وآثارا جانبية من الناحية الإجتماعية.
بدوره يعتبر لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك أن “ظاهرة التداين والاقتراض البنكي لم تعد اختيارية للتونسيين بسبب إرتفاع الأسعار بشكل جنوني بل صارت ضرورة لا غنى عنها لتسديد النفقات اليومية القارة وغير القارة، مضيفا أن المواطن مجبر على التداين للعلاج أو توفير اللباس أو دفع رسوم دراسة أبنائه أو خلاص فواتير الخدمات العديدة التي تعد من الضروريات مثل الكهرباء والماء وغيرها.”
وفي تصريح لسكاي نيوز عربية، قال الرياحي إن ” ارتفاع نسبة التضخم وتزايد أوجه الإنفاق للعائلات التونسية وراء اللجوء للقروض التي عادة ماتكون نسبة فائدتها مجحفة للحريف مما يزيد في تفاقم الوضع المادي والاجتماعي.”
وتابع لطفي الرياحي قوله إن انهيار القدرة الشرائية مقابل النسق الجنوني للأسعار جعل الأسر التونسية مجبرة على التداين للبنوك والاكتواء بإجراءاتها المكلفة وتداعياتها الوخيمة، خصوصا أن بعض القروض تخصص أحيانا للعلاج أو شراء الأدوية أو خلاص رسوم الخدمات وغيرها.”
وتشهد الوضعية الاقتصادية والمالية للعائلات التونسية تدهورا لافتا تسبب في العجز عن الإيفاء بتعهداتها لدى البنوك، وقد تضاعفت هذه الصعوبات خاصة بعد الترفيع المتواتر في نسبة الفائدة الرئيسية من البنك المركزي التونسي التي بلغت 8 بالمئة في بداية العام الجاري.
أما نسبة الفوائد الموظفة على القروض التي لا تتجاوز مدة سدادها 3 سنوات فقد بلغت 10.6 بالمئة، فيما ناهزت 10.5 بالمئة للقروض التي تتراوح فترة سدادها بين 3 و7 سنوات.
ورغم الإجراءات الاحترازية والقانونية التي اتخذتها البنوك التونسية من أجل ضمان استخلاص قروضها بفرض ضمانات على غرار توطين الأجور والضمانات العينية فإن قائمة القروض البنكية غير المستخلصة يفوق حسب إحصائيات العام 2022، 1250 مليون دينار (397 مليون دولار)، مقابل ما قيمته 1215 مليون دينار (386 مليون دولار) في 2021 و 1107 مليون دينار (حوالي 352 مليون دولار) في 2020.
وبحسب البيانات التي نشرها البنك المركزي فان قائمة القروض الممنوحة للأشخاص الطبيعيين وصلت مع أواخر سنة 2022 إلى ما قيمته 27.7 مليار دينار بزيادة فقط بـ 872 مليون دينار بالمقارنة مع سنة 2021 بنمو نسبته 3 بالمئة.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.