وقد تواصلت أزمات العملات المشفرة العام الجاري؛ لعديد من الأسباب المتزامنة، سواء المرتبطة بالعملات ذاتها وأثر اتجاه كثير من الدول لوضع لوائح وقوانين منظمة لها، وأيضاً المرتبطة بالتطورات الاقتصادية التي يشهدها العالم وتداعيات سياسة التشديد النقدي (مجموع الإجراءات التي تتبعها البنوك المركزية لتقليل الطلب على النقود وكبح التضخم) ولجوء البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة، وغيرها من العوامل ذات الصلة.
وقد حظت “بينانس” وهي أكبر بورصة عملات رقمية في العالم، على نصيب الأسد من حجم التراجعات خلال الأشهر الأخيرة، في ضوء تلك العوامل، ومع تعرضها لصدمات واسعة بالولايات المتحدة وفي ضوء عمليات إحكام الرقابة عليها، في خط متواز مع تحركات من قبل المنظمين في نيويورك ولجنة تداول السلع الآجلة، وبما وضع المنصة -التي تتجه لتخفيض عدد موظفيها حالياً- أمام جملة من التحديات المفصلية، وسط مخاوف المتعاملين المتصاعدة.
تراجع الزخم
ويعتقد محللون بأن العملات المشفرة قد فقدت الزخم إلى حد كبير، كما بدأت تفقد ثقة الكثير من المتعاملين، في ضوء المخاطر التي تلاحقها، وهو ما يُنذر بمزيد من التراجعات في قيم وأحجام التداولات بهذه السوق.
وفي هذا السياق، سلط تقرير نشرته صحيفة “الفاينانشال تايمز” البريطانية أخيراً، الضوء على أبرز محطات الأزمة التي تواجه أكبر بورصة عملات مشفرة.
- فقدت “بينانس” ربع حصتها في السوق في الأشهر الثلاثة الماضية، في وقت تلاحقها فيه هيئة رقابة أميركية بسبب انتهاكها المزعوم للقوانين الفيدرالية.
- المجموعة، التي تقول ليس لها مقر، سيطرت على 57.5 بالمئة من متوسط الحجم الشهري في بورصات العملات المشفرة في العالم في ذروتها في فبراير. لكن هذا انخفض الآن إلى 43 بالمئة، طبقاً لـ CCData.
- جاء التراجع الحاد في الوقت الذي دخلت فيه “بينانس” في منافسة تجارية أكثر صرامة، والمزيد من التدقيق في أنشطتها من قبل المنظمين الأميركيين.
أزمة العملات المشفرة
وفي هذا السياق، يقول المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الأنظار صارت موجهة على بينانس بشكل خاص، لا سيما بعد إفلاس “إف تي إكس” وبينما تُعتبر بينانس حالياً من أكبر المنصات من حيث القيمة السوقية في العملات المشفرة، ولا سيما مع توسعاتها الخارجية بشكل كبير.
ويلفت إلى مجموعة من العوامل الرئيسية التي أسهمت في التراجعات التي تسجلها “بينانس”، وأهمها التضييقات التي تواجهها في عديد من الدول، لافتاً إلى إلغاء أستراليا قبل أسابيع ترخيص “بينانس” لتداول المشتقات في البلاد عقب قيامها بمراجعة العمليات المحلية للمجموعة.
ويضيف: التراجع الذي تسجله “بينانس” ليس مرتبطاً فقط بمسألة القوانين وبينما تلاحقها هيئة رقابة أميركية بسبب انتهاكها المزعوم للقوانين الفيدرالية، إنما مرتبط أيضاً بالوضع العام للعملات المشفرة، التي تشهد تراجعات قوية، فبعدما كانت قيمتها تقترب من 3 تريليون دولار، بلغت مؤخراً في حدود 1.15 تريليون دولار.
يؤكد ذلك تقرير الفاينانشال تايمز، والذي يشير إلى أنه بعد عدة سنوات من النمو القوي، اضطرت عديد من شركات العملات المشفرة للتراجع بسبب تراجع الصناعة العام الماضي، حيث انخفضت قيمة الرموز المميزة مثل البيتكوين بنحو 70 بالمئة، وانخفضت عديد من الأسماء الكبيرة.
وانخفضت القيمة السوقية للعملات المشفرة من نحو 2.2 تريليون دولار أميركي في مطلع 2022، إلى نحو 800 مليار دولار أميركي في نهايتها بحسب بيانات “كوين ديسك”، حيث كانت عملة البيتكوين نجمة هذا التراجع المروع، إذ فقدت أكثر من 60 بالمئة من قيمتها.
إيلون ماسك
ويُبرر ذلك التراجع الذي ضرب “بينانس” والعملات المشفرة بتراجع تأثير “الانفلونسرز” والمشاهير مثل إيلون ماسك، وتغريداته حول “دوجكوين”، مشيراً إلى أن “المتعاملين بدأوا يشعرون بأنه مع توالي إفلاس الشركات وعمليات النصب التي يتعرض إليها البعض.
- اتهم مستثمرون في إجراء قضائي جماعي أخيراً، إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، بالتلاعب بعملة دوجكوين المشفرة مما كلفهم مليارات الدولارات.
- قال المستثمرون إن هذا تضمن بيع ماسك عملات دوجكوين بنحو 124 مليون دولار في أبريل بعد أن استبدل شعار الطائر الأزرق على تويتر بشعار عملة دوجكوين التي على شكل كلب شيبا إينو، مما أدى إلى قفزة 30 بالمئة في سعر دوجكوين. وكان ماسك قد اشترى تويتر في أكتوبر الماضي.
اختراقات
كما يتحدث المحلل المالي والاقتصادي عن عوامل أخرى عززت من اللغط الدائر حول العملات المشفرة، وبما يؤدي لتراجع ثقة المتعاملين فيها، وهو ما يرتبط بـ “الاختراقات” التي شهدتها تلك المنصات، وبما يبعث برسالة حول أن “ذلك المجال لم يعد آمناً”.. وبالتالي شكل تراجع ثقة المستثمرين تأثيراً مباشراً على القيمة السوقية وتراجعها بشكل كبير، بحسب معطي.
ووفق البيانات الصادرة عن “blockchain Chainalysis”، فإن العام 2022 قد شهد 6 من أصل أكبر 10 عمليات اختراق شهدها تاريخ العملات المشفرة، ليصل إجمالي قيمة الخسائر الناجمة عن ذلك في العام المذكور إلى نحو 1.6 مليار دولار.
وعن التوقعات المستقبلية لـ “بينانس” في سياق هذه المعطيات، يعتقد المدير التنفيذي في شركة VI Markets، بأن العملات المشفرة عموماً إلى مزيد من التراجعات في الفترة المقبلة، لا سيما أنه من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي يكثفون جهودهم من أجل تقنين أوضاع تلك الشركات.
ويستطرد: “التقنين وتوفيق الأوضاع يضر العملات المشفرة ولا يفيدها، وهذا سبب من أسباب تراجعها، على اعتبار أنها تقوم أساساً على فكرة الحرية المالية واللامركزية، وبالتالي فإن محاولات وضعها في إطار منظم تحت أعين الحكومات في مواجهة غسيل الأموال وتهريب الأسلحة وكل ما يتعلق بالعمليات على الدارك ويب، من شأنها الإضرار بها بشكل كبير”.
- وتعرضت منصة “بينانس” لضربة قوية في شهر فبراير الماضي، عندما أصدرت إدارة الخدمات المالية في نيويورك، أوامر لشركة Paxos، التي تدير عملة BUSD المستقرة الخاصة بالمنصة بإيقاف تلك العملة التي كانت تمثل ما يقرب من 40 بالمئة من حجم التداول الشهري للمنصة.
- وفي مارس الماضي، حرّكت لجنة تداول السلع الآجلة بالولايات المتحدة (CFTC)، دعوى قضائية ضد منصة بينانس ورئيسها التنفيذي في المحكمة الفيدرالية، وذلك لاتهامهم باختراق قوانين التداول. ورفضت المنصة آنذاك تلك المزاعم.
- من بين العوامل التي أضرت بالمنصة كذلك وأضرت بحصتها في السوق، انتهاء العرض الترويجي الذي يقدم للعملات تداولاً مجانياً في عدد من أزواج التداول (تركيبة من عملتين مختلفتين تستخدم في تداول العملات)، وهو العرض الذي كان قد عززت النمو في أواخر العام الماضي، لكنه انتهى في مارس، وبالتالي انخفض حجم التداول.
أسعار الفائدة
من جانبه، يُضيف الاقتصادي الأميركي البارز، جيفري فرانكل، سبباً آخر عزز من تراجع “بينانس” والعملات المشفرة عموماً، وهو ما يتعلق بالسياسات المالية المُتبعة لكبح جماح التضخم عبر رفع أسعار الفائدة.
ويقول الاستاذ بكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لقد قلت في العام 2021 (بينما كانت تشهد العملات المشفرة ازدهاراً نسبياً) إن تلك العملات في خطر الانهيار.. من المحتمل أن تكون الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة -منذ العام الماضي- قد ساعدت في بدء انخفاض العملات”.
وحول إجراءات نقنين منصات العملات الرقمية، يقول: “وجهة نظري هي أن العملات المشفرة لا تخدم في النهاية الكثير من الوظائف.. باستثناء ربما التهرب من القانون!”.
- بينما تضاءلت قبضة Binance على السوق، عززت البورصات الأخرى – بما في ذلك OKX و BitMex و Bybit و Bullish – حصصها في السوق منذ مارس.
- يأتي تراجع حصة Binance في السوق في الوقت الذي تخطط فيه لجولة من تخفيض الوظائف.
- تأسست Binance في العام 2017 ونمت من فريق مكون من 30 إلى أكثر من 8000 موظف.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.