- رافي بيرغ
- محرر شؤون الشرق الأوسط بي بي سي نيوز القدس
يواجه بنيامين نتنياهو واحدة من أكبر الأزمات في حياته السياسية الطويلة، وسط احتجاجات على محاولات حكومته تقييد صلاحيات المحكمة العليا في البلاد.
أعيد انتخابه للمرة الخامسة في نوفمبر تشرين الثاني 2022، وقاد التحالف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ووعد بحكومة تمثل جميع الإسرائيليين، بغض النظر عن الخلافات السياسية. بيد أن إصلاحاته المخطط لها قوبلت باحتجاجات جماهيرية واسعة النطاق، لم يُشهد لها مثيل منذ تأسيس الدولة قبل 75 عاماً.
جاءت عودة زعيم حزب الليكود إلى السلطة بعد فترة وجيزة نسبيا في المعارضة، بعدما قضى 12 عاماً متتالية رئيسا للوزراء، وعودته الدراماتيكية عززت الاعتقاد بين مؤيديه بأن “الملك بيبي” لا يقهر سياسياً.
وقد شغل نتنياهو، منصب رئاسة الحكومة لست مرات، وهو الرقم القياسي الذي لم يبلغه أي رئيس وزراء آخر في تاريخ البلاد.
يعود الفضل في نجاح نتنياهو، البالغ من العمر 73 عاما، بشكل أساسي إلى الصورة التي رسمها عن نفسه باعتباره الشخص الأفضل لحماية إسرائيل من أي عدوان من قوى معادية في الشرق الأوسط.
اتخذ موقفا متشدداً تجاه الفلسطينيين، ووضع المخاوف الأمنية على رأس مباحثات السلام، ولطالما حذر من خطر وجودي على إسرائيل من قبل إيران.
لكن سحابة المحاكمة الجنائية المتعلقة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ما زالت تخيم على إنجازاته السياسية. وبالنسبة لرجل وصفته صحيفة تايمز أوف إسرائيل بالمثير للجدل، يرى معارضوه أنه يشكل خطراً على الديمقراطية الإسرائيلية نفسها.
إرث الأخ
ولد بنيامين نتنياهو في تل أبيب عام 1949. وفي عام 1963، انتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة عندما عُرض منصب أكاديمي على والده بنزيون، وهو مؤرخ بارز وناشط صهيوني.
في سن18 عاما، عاد نتنياهو إلى إسرائيل، حيث أمضى خمس سنوات مميزة في الجيش، إذ خدم كضابط برتبة كابتن في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية “سايريت ماتكال”. وأصيب في غارة على طائرة ركاب بلجيكية خطفها نشطاء فلسطينيون وهبطت في إسرائيل عام 1972. كما شارك في حرب أكتوبر عام 1973.
في عام 1976 ، قُتل شقيق نتنياهو، جوناثان، أثناء قيادة غارة لإنقاذ رهائن من طائرة مخطوفة في عنتيبي بأوغندا. كان لوفاته أثر عميق على عائلة نتنياهو، وأصبح اسمه أسطوريا في إسرائيل.
أنشأ نتنياهو معهدا لمكافحة الإرهاب إحياءً لذكرى أخيه ، وفي عام 1982 أصبح نائبا لرئيس البعثة الإسرائيلية في واشنطن.
بين عشية وضحاها، انطلقت الحياة العامة لنتنياهو. وهو الذي يتحدث الإنجليزية بلهجة أمريكية مميزة، وأصبح وجهاً مألوفاً في التلفزيون الأمريكي ومدافعاً مؤثرا عن إسرائيل.
وفي عام 1984، عين مندوبا دائما لإسرائيل لدى الأمم المتحدة.
الصعود إلى السلطة
انخرط نتنياهو في السياسة عندما عاد إلى إسرائيل في عام 1988، وفاز بمقعد عن حزب الليكود في الكنيست ( البرلمان) وأصبح نائبا لوزير الخارجية.
أصبح فيما بعد رئيساً للحزب، وفي عام 1996، أصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي منتخب بشكل مباشر بعد إجراء انتخابات مبكرة إثر اغتيال إسحاق رابين.
وكان نتنياهو أصغر زعيم يتولى منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل، وأول من ولد بعد قيام الدولة عام 1948.
على الرغم من انتقاده الشديد لاتفاقات أوسلو للسلام عام 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين، وقع نتنياهو اتفاقية تهدف إلى تسليم 80٪ من أراضي مدينة الخليل إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، ووافق على انسحابات أخرى من الضفة الغربية المحتلة، مما أثار استياء اليمين.
في عام 1999 فقد منصبه بعد أن دعا إلى إجراء انتخابات مبكرة وانهزم أمام زعيم حزب العمل إيهود باراك.
انتعاش سياسي
تنحى نتنياهو عن رئاسة الليكود وخلفه أرييل شارون، وبعد انتخاب الأخير رئيسا للوزراء في عام 2001، عاد نتنياهو إلى الحكومة ، أولا وزيرا للخارجية ثم وزيرا للمالية.
في عام 2005 استقال احتجاجا على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
حظي نتنياهو بفرصة أخرى للعودة لرئاسة الوزراء عام 2005 بعد انسحاب شارون من حزب الليكود وتأسيسه حزبا وسطيا جديدا هو حزب كاديما، قبل فترة قليلة من إصابته بسكتة دماغية تركته في غيبوبة.
فاز نتنياهو بزعامة الليكود مرة أخرى وانتخب رئيسا للوزراء للمرة الثانية في آذار/مارس 2009.
وافق بعدها على تجميد غير مسبوق لبناء المستوطنات في الضفة الغربية لمدة 10 أشهر، مما سمح بإجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين، قبل أن تتعثر المفاوضات أواخر عام 2010.
على الرغم من إعلان قبوله المشروط بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل عام 2009، إلا أنه تشدد في موقفه فيما بعد. وقال لمحطة إذاعية إسرائيلية في عام 2019: ” لن يتم إنشاء دولة فلسطينية كتلك التي يتحدث عنها الناس، هذا لن يحدث”.
أدت الهجمات الفلسطينية والعمل العسكري الإسرائيلي بشكل متكرر إلى دخول إسرائيل في مواجهة داخل قطاع غزة وفي محيطه قبل وبعد عودة نتنياهو إلى السلطة في عام 2009.
اندلع رابع صراع من ذلك النوع خلال 12 عاماً فقط في مايو/أيار 2021، مما أدى إلى وقف مؤقت لجهود الأحزاب المعارضة لنتنياهو للإطاحة به في أعقاب سلسلة من الانتخابات غير الحاسمة.
على الرغم من أن إسرائيل كانت تحظى خلال الصراعات بدعم أقرب حليف لها، الولايات المتحدة، إلا أن العلاقات بين نتنياهو والرئيس باراك أوباما شابتها الكثير من الصعوبات.
تأزمت العلاقة بشكل كبير عندما خاطب نتنياهو الكونغرس في مارس/آذار 2015 ، محذرا من “صفقة سيئة” قد تفضي إليها مفاوضات الولايات المتحدة مع إيران حول برنامجها النووي. ودانت إدارة أوباما الزيارة ووصفتها بالمضرة.
العلاقات مع ترمب
أدى وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في عام 2017 إلى تعزيز التوافق بين سياسات الحكومة الأمريكية والإسرائيلية، وفي غضون عام أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
أثارت هذه الخطوة غضباً في أنحاء العالم العربي، الذي يدعم مطالبة الفلسطينيين بالجزء الشرقي من القدس الذي تحتله إسرائيل منذ حرب عام 1967، لكنها منحت في المقابل دفعة سياسة ودبلوماسية كبيرة لنتنياهو.
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، أشاد نتنياهو بخطة ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين ووصفها بـ “فرصة القرن”، على الرغم من رفض الفلسطينيين لها باعتبارها أحادية الجانب، وتركها على الطاولة.
كما تماهى نتنياهو مع موقف ترامب بشأن إيران، إذ رحب بانسحاب الرئيس في عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية.
إلا ترامب أدلى بتصريحات انتقدت فيها نتنياهو بشكل لاذع، واتهمه بعدم الولاء بعد أن هنأ الأخير جو بايدن بفوزه بالرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020.
مشهد المحاكمة
بعد عام 2016، بدأ التحقيق في مزاعم بالفساد طالت نتنياهو، وانتهت بتوجيه اتهامات له بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة فيما يتعلق بثلاث قضايا منفصلة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019.
ويزعم أن نتنياهو تلقى هدايا من رجال أعمال أثرياء وتقديم خدمات في محاولة للحصول على تغطية صحفية إيجابية.
وينفي نتنياهو تلك الاتهامات، ويقول إنه ضحية تدبير سياسي من خصومه شبهه بـ “مطاردة الساحرات”. إثر هذه الاتهامات خضع للمحاكمة في مايو/أيار 2020 ، ليصبح أول رئيس وزراء يحاكم خلال ولايته.
لكن المحاكمة لم تلحق ضررا بقدراته الانتخابية، وقال لمؤيديه بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني “لقد فزنا بتصويت كبير بالثقة من الشعب الإسرائيلي”.
بالنسبة لقاعدته السياسية، شكلت عودة نتنياهو بداية فجر جديد.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.