وقد أدت هذه الأزمة الى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، الى مستوى 92 ألف ليرة لبنانية حالياً من 1500 ليرة لبنانية في خريف 2019، وسط عدم قدرة البنوك على رد الودائع الدولارية للمودعين، في ظل شح العملات الصعبة وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية في البلاد الى مستويات قياسية متدنية.
وبحسب مصرف لبنان فقد تراجعت قيمة إحتياطات البلاد بالعملة الأجنبيّة، الى 9.28 مليار دولار أميركي في نهاية يونيو 2023، مقارنة بـ 36.39 مليار دولار أميركي في نهاية يونيو 2019، أي قبل أشهر قليلة من بداية الأزمة في لبنان، في حين يتهيأ مصرف لبنان، لدخول مرحلة الشغور في حاكميته نهاية شهر يوليو الجاري، مع انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، وسط تساؤلات حول مصير القرارات والإجراءات، المتعلقة بالسياسات النقدية والمالية في المرحلة المقبلة، لا سيما أن الصورة لم تتضح بالنسبة لهوية الشخص، أو الجهة التي ستخلف سلامة، فوجود فراغ في منصب الحاكمية، ستكون له تأثيرات سلبية على استقرار الاقتصاد، نظراً الى دور الحاكم في تحديد السياسات النقدية، وإدارة النظام المالي اللبناني.
ولم يتمكّن المجلس النيابي اللبناني من إنتخاب رئيس جمهوريّة جديد، منذ بدء الفراغ الرئاسي في أوّل نوفمبر 2022، كما ولم ينجح بتشكيل حكومة جديدة، منذ إتمام الإنتخابات النيابيّة الأخيرة في شهر مايو 2022، أو حتى إقرار وتنفيذ قانون “الكابيتال كونترول”، الذي يساعد في الحد من تبخّر إحتياطيات مصرف لبنان، ويخفف الضغط على سوق صرف العملات الأجنبيّة، ويحافظ على ودائع المودعين.
خطة إصلاحية من 5 محاور
من جهته يرى صندوق النقد الدولي، أن السيناريو الذي يجب على لبنان اتباعه لتحقيق التعافي الاقتصادي، يعتمد على خطّة إصلاحية مؤلفة من خمسة محاور رئيسيّة، هي إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتجديد السياسة النقديّة، واعتماد سياسة ماليّة جديدة تحقق استدامة الدين، ومعالجة الوضع في المؤسّسات العامة، وتعزيز أطر مكافحة الفساد وغسل الأموال ومكافحة الإرهاب.
وفي الوقت الذي تركز فيه معظم الخطط الإصلاحية المقترحة للبنان، على ضرورة إصلاح النظام المالي وتبني نهج جديد، تقول الوزيرة السابقة للمالية في لبنان ريا الحسن، في حديثها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه لا يمكن إستعادة الثقة بالنظام المالي، في حال لم يكن هناك استقرار سياسي مقبول، فكما هو واضح أن المواقع المهمة في إدارات الدولة اللبنانية يتم تفريغها، دون إجماع سياسي لسد الشغور، إن كان في موقع رئاسة الجمهورية، أو في حاكمية المصرف المركزي، إضافة الى الفراغ الذي يهدد قيادة الجيش، بعد نحو أربعة اشهر من الآن، معتبرة أن إستعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني، لا يمكن أن تحصل قبل أن يحصل نوع من الاستقرار السياسي.
وبحسب الحسن فإن عملية استعادة الثقة ستتم تدريجياً، وهي تتطلب عمليات إصلاح تراكمية قد تستغرق 3 الى 4 سنوات، وهذا ما يستوجب إجماع سياسي، على خريطة طريق مستقبلية، وإقرار قوانين إصلاحية في مجلس النواب، متساءلة هل هناك حالياً إجماع وطني على هذا المسار؟
وترى الحسن أن الإنقسام العامودي في لبنان، ليس سياسياً فقط، بل اقتصادي أيضاً، مشددة على ضرورة حصول استقرار سياسي، على أن يتبعه بحث بهوية لبنان الاقتصادية، علماً أنها عملية تراكمية تتطلب تنظيم إدارات ودوائر الدولة المهترئة.
التخلص من اقتصاد الكاش
من جهتها ترى مقررة اللجنة الاقتصادية في اتحاد رجال الأعمال للدعم والتطوير “إرادة”، علا صيداني، في حديثها لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه للتحول الى نظام مالي أفضل للبنان، يجب التخلص من اقتصاد الكاش وإعادة صياغة القطاع المصرفي، من خلال اعتماد المبادىء الأساسية الكلاسيكية لأي اقتصاد، ولتمويل أي اقتصاد، مشددة على وجوب أن يكون هناك نظام مصرفي سليم وصحيح، يتطابق مع المعايير الدولية، إضافة الى أهمية الحوكمة، إن كان في السياسة النقدية والسياسة المالية العامة، أو في العلاقة بين المصارف ومصرف لبنان، وفي أي الأدوات التي يجب أن تستثمر فيها الناس أموالها.
ورأت صيداني أن الشركات الكبرى في القطاع الخاص، تعاني من زيادة في الأكلاف، بينما باتت الشركات الصغيرة والناشئة شبه معدمة كما الأفراد، ولا يمكن للنظام الحالي تمويلها، وبالتالي لا يمكن للاقتصاد أن ينمو دون تحقيق هذه الأمور.
واعتبرت صيداني أن الاقتصاد اللبناني في المنطقة وفي العالم هو خدماتي، إلا أن الاقتصاد الخدماتي يجب أن يكون بالمفهوم الإنتاجي، وليس الريعي، حيث أن الخدمات تشوبها مخاطر كالحروب والأوبئة والأزمات، كقطاع السياحة فهو يتعطل في أي أزمة، ما يتطلب ضرورة التركيز على تقليص المخاطر، وعلى تنويع الاستثمارات، لن نصل الى الميزان التجاري الإيجابي لكن يجب تخفيض الأضرار والمشاكل في الاقتصاد إضافة الى تعزيز العلاقات مع الدول العربية، التي تعدّ الشريك التجاري الأساسي، والتوجه نحو أسواق جديدة.
ومنذ بداية الأزمة في لبنان تحوّلت البلاد الى اقتصاد الكاش، في ظل رفض معظم الأفراد والتجار التعامل مع الأدوات التي يوفرها النظام المصرفي الحالي، خوفاً من تعرض أموالهم للحجز والاقتطاع مرة أخرى.
وكان البنك الدولي قد حذر من تنامي الاقتصاد النقدي بالدولار في لبنان، بعدما بات يقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في 2022، ويهدد السياسة المالية ويزيد من عمليات غسل الأموال والتهرب الضريبي.
كما قدر البنك في تقريره الاقتصاد النقدي المدولر بنحو 9,9 مليار دولار في 2022.
نهج جديد مختلف عن السابق
من جهته يرى وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه عند الحديث عن النظام المالي الجديد، الذي على لبنان اتباعه، يجب التفكير بطريقة جديدة ومختلفة عن السياسة التي كانت متبعة في الفترات السابقة، كسهولة حصول القطاع العام على الأموال عبر الاستدانة من أي جهة كانت، إضافة الى اعتماد القطاع الخاص بجزء كبير منه على الإنفاق الحكومي أو الاحتكار، مشيراً الى أن هذه السياسات كان محمية من سياسيين وحكومات متعاقبة.
ولفت ياسين الى أن اتباع نهج مالي جديد، لن يكون سهلاً في البداية، إذ أن استعادة الثقة تبدأ من مصارحة الناس ومساعدتهم، على تقبل أو فهم ما حصل سابقاً، مشيراً الى أن هذا الدور يجب أن تقوم به الجهات الرسمية والجهاز المصرفي، الذين كان لهم دور أساسي فيما حصل سابقاً.
وبحسب ياسين، فإنه الى جانب الصناديق الاستثمارية، يجب على لبنان الاستفادة من التمويل المرتبط بالتغير المناخي، فهو من وسائل التمويل التي لا تزال غائبة عن السمع في لبنان، حيث هناك مئات الملايين أو المليارات الموجودة في حال تم التخطيط الصحيح لانتقال بعض القطاعات للتمويل الأخضر، والاستثمار في الطاقة البديلة أو بإدارة المياه أو بالنقل وغيره.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.