بعد الانكماش لفصلين.. هل تواجه أوروبا شبح “الركود العميق”؟
أخبار العالم

بعد الانكماش لفصلين.. هل تواجه أوروبا شبح “الركود العميق”؟



وتدفع القارة العجوز فاتورة باهظة لتبعات الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها الاقتصادية بشكل خاص، وبما حرّك أزمة الضغوط التضخمية التي تواجهها أوروبا.

وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن يوروستات (وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي) عن الربع الأول من العام الجاري 2023، فقد انكمش اقتصاد منطقة اليورو بنسبة 0.1، وذلك للربع الثاني على التوالي.

كانت التقديرات السابقة -قبل صدور البيانات المنقحة وقبل إعلان ألمانيا (التي تعد أكبر اقتصاد في القارة) عن دخولها في مرحلة الركود- تشير إلى تسجيل نمو طفيف بنسبة 0.1 بالمئة في الربع الأول.

وهذه هي المرة الأولى التي ينكمش فيها الاقتصاد بمنطقة اليورو لستة أشهر منذ أن أدت كورونا إلى تسجيل نمو سلبي في النصف الأول من العام 2020.

ويجري تعريف الركود التقني عموماً بأنه ربعان متتاليان من الانكماش، فيما تدور مخاوف حول ما إذا كانت اقتصادات منطقة اليورو معرضة لأزمات أكبر تقود إلى ركود عميق يستمر لفترة طويلة من عدمه.

ويأتي ذلك في وقت يُتوقع فيه أن يرفع البنك المركزي الأوروبي معدل الفائدة مجدداً، يوم الخميس المقبل، استمراراً لسياسته الرامية إلى كبح جماح التضخم، ورغم دخول منطقة اليورو في حالة ركود.

  • يرجّح محللون تكرار خطوة مايو الماضي، أي زيادة تكاليف الإقراض بـ25 نقطة أساس، ليرتفع معدل الفائدة الذي يُراقب عن كثب إلى 3.5 بالمئة.
  • ستكون هذه ثامن مرة على التوالي ترفع فيها المؤسسة معدل الفائدة منذ يوليو الماضي، منذ بدء سياسة التشديد النقدي العام الماضي.

مؤشرات إيجابية

وفي هذا السياق، يقول زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، جاكوب كيركيجارد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “في رأيي، لا توجد فرصة لحدوث ركود عميق في أوروبا خلال الصيف”.. ويستعرض عدداً من المؤشرات التي يستند إليها لتأكيد تقديراته المستقبلية، من بينها (انخفاض ​​معدل التضخم بسرعة، علاوة على ارتفاع الأجور نسبياً، بالإضافة إلى التحسن في مؤشرات البطالة).

  • تباطأ التضخم في منطقة اليورو إلى 6.1 بالمئة في مايو، بعدما سجل ذروة بلغت 10.6 بالمئة في أكتوبر، ما يدل على تأثير جهود البنك المركزي الأوروبي.
  • تراجع معدل البطالة في منطقة اليورو إلى 6.5 بالمئة في مارس الماضي.

وبينما هدف البنك المركزي الأوروبي المتمثل بتضخم نسبته 2 بالمئة ما زال بعيد المنال، شدد صانعو السياسات على أنه من المبكر حالياً التخلي عن رفع معدلات الفائدة، ما يشي بأن رفع المعدلات سيتواصل في الشهور المقبلة.

ويشير كيركيجارد في الوقت نفسه إلى أن “الصناعة كثيفة الاستخدام للطاقة في أوروبا تواجه وقتاً صعباً للتكيف مع أسعار الطاقة وأسعار الكربون المرتفعة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي على الأقل، وهذا يعني أن التصنيع في الاتحاد الأوروبي سيظل راكداً خلال الصيف”.

ووفق مؤشر فلاش لمديري المشتريات، فقد سجل النمو الاقتصادي في القطاع الخاص بمنطقة اليورو، الشهر الماضي، أدنى مستوى له منذ 3 أشهر جراء انخفاض الإنتاج الصناعي.

بينما على الجانب الآخر، يعتقد زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، بأنه رغم تأثر القطاع الصناعي، فمن المتوقع أن يستمر قطاع الخدمات الأكبر في التوسع.

ويختتم حديثه بقوله: “أعتقد بأن الاتحاد الأوروبي سيشهد نمواً يبلغ حوالي 1 بالمئة للعام 2023 بأكمله، وسوف يرتفع النمو في النصف الثاني من العام”.

  • وصف تقرير نشرته “بلومبيرغ” هذه البيانات الحديثة المرتبطة بانكماش منطقة اليورو، بأنها “ضربة” لهذه المنطقة، في وقت كان قد دأب خلاله مسؤولو البنك المركزي الأوروبي وسياسيون على التأكيد على إمكانية تجنب الانكماش الاقتصادي.
  • وبحسب تقرير نشرته صحيفة “تليغراف” البريطانية، فإنه أوروبا يُمكن أن تشهد انكماشاً أكبر خلال ما تبقى من العام.

وكشف عدد من دول منطقة اليورو عن تخفيض تقديراتهم للناتج المحلي الإجمالي للربع الأول أخيراً.  لتسجل أيرلندا انكماشاً نسبته 4.6 بالمئة، و 2.1 بالمئة بالنسبة لليتوانيا، و0.7 بالمئة في هولندا، و0.3 بالمئة في ألمانيا.

بينما دول قليلة رفعت تقديراتها، من بينها إيطاليا بنسبة 0.6 بالمئة، مقابل تقديرات سابقة بـ 0.5 بالمئة.

ضغوط تضخمية

وإلى ذلك، تشير الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، الأستاذ المساعد في جامعة نيوهامبشير، إليزابيث كارتر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “من السابق لأوانه توقع ركود عميق هذا الصيف”، موضحة في الوقت نفسه أنه “لا تزال هناك ضغوط تضخمية، وكذلك أسعار فائدة مرتفعة، ولكن يبدو أن هذا من المرجح أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي بدلاً من الركود العميق”. وتُرهن ذلك بتجنب حدوث صدمة خارجية كبيرة يمكنها أن تحدث ركوداً عميقاً في مكان آخر من الاقتصاد العالمي.

ويذكر أن الركود الذي عانت منه منطقة اليورو هذا الشتاء يأتي في ظل ضغوط ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية.

وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قد قالت في وقت سابق هذا الشهر إن معدلات الفائدة هذا الشهر “تقترب من المستوى المناسب” لكن “علينا مواصلة زيادتها”.

وبحسب بلومبرغ فإنه من المرجح أن تعاود المنطقة النمو خلال الربع الحالي، كما أن المفوضية الأوروبية عززت توقعاتها للمنطقة الشهر الماضي، حيث تتوقع في الوقت الحالي أن ينمو الناتج المحلي بنسبة 1.1 بالمئة في 2023، و1.6 بالمئة في 2024.

وتشرح الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية انعكاسات المشهد الراهن على الأوربيين، قائلة: “مع التضخم، تزداد تكاليف المعيشة، ومع ارتفاع أسعار الفائدة أصبحت القروض وخطوط الائتمان أكثر تكلفة.. أتوقع أن يقوم معظم الأوروبيين بإجراء بعض التعديلات السلوكية، أي ربما تكون الإجازات أقرب إلى المنزل، أو أقل أهمية مما كانت عليه في الماضي، كما ستهدأ سوق الإسكان، وكذلك قطاع البناء، لكن المدن ستشعر بذلك أقل من المناطق الأخرى”.

وتوضح أنه “بالنسبة لمعظم الأشخاص، سيجري المستهلك العادي تعديلات هامشية على سلوكيات الإنفاق الخاصة به، وسيظهر معظم هذا في صناعات السلع الاستهلاكية (سيشتري المستهلكون ملابس أقل  وأدوات أقل، وسيحاولون الاستفادة بشكل أكبر من المنتجات التي يستخدمونها تملك حالياً).

ورغم أن الركود لا يزال معتدلاً، إلا أن الركود المفاجئ خلال الشتاء يفاقم المخاوف من أن المنطقة لم تتعامل مع تداعيات الحرب في أوكرانياوكران بشكل جيد كما اعتقدت، وهو أمر يثير الشكوك حيال التوقعات الأكثر تفاؤلا للعام 2023.

اضطراب أوروبي

وإلى ذلك، تشير المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأوروبية بجامعة فيكتوريا، آمي فيردون، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”،  إلى أنه في بداية الحرب في أوكرانيا  كانت كل الأنظار تتجه نحو أوروبا وتتساءل عما إذا كانت هذه الحرب ستضع أوروبا في حالة اضطراب.

وتضيف: “في الواقع، كان على الاتحاد الأوروبي إجراء تعديلات كبيرة من حيث فرض عقوبات على روسيا وتسريع تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المزيد من مصادر الطاقة المتجددة.. ارتفع سعر النفط والغاز وزاد من الاتجاه الصعودي الموجود بالفعل في الأسعار.. كانت دوامة الأسعار سلبية بالنسبة للتضخم وأزمة تكلفة المعيشة التي كانت تحدث في عديد من البلدان. كانت هناك عديد من التحذيرات من حدوث ركود وشيك”.

وتتابع: “رغم ذلك، أظهرت الإحصاءات التي نشرتها يوروستات يوم الخميس الماضي، أن الركود في الربع الأول من العام الجاري كان 0.1 بالمئة فقط.. وهو ركود محدود جداً.. ومع ذلك، فإن أكبر اقتصاد أوروبي (ألمانيا) قد انزلق إلى الركود كما فعلت دول أخرى مثل إستونيا واليونان والمجر وليتوانيا ومالطا وهولندا”.

وتشدد على أنه “على البنك المركزي الأوروبي أن يحد من التضخم الذي يسير أعلى مما ينبغي (بعيداً عن المستهدف  2 بالمئة).. بينما الأداة الرئيسية التي يمتلكها البنك المركزي الأوروبي هي زيادة أسعار الفائدة. ومع ذلك ، فإن ارتفاع أسعار الفائدة سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد أيضاً”.

لكنها تعتقد بان هناك أيضاً بعض الأخبار الجيدة، فقد كان التوظيف قوياً، ويبدو الإنفاق في العطلة الصيفية قوياً أيضاً، ذلك أنه بعد جائحة COVID-19 والمخاوف بشأن الحرب في أوكرانيا في العام الأول، أصبح المستهلكون الآن أكثر ثقة في العودة إلى أنماطهم المعتادة لاستهلاك العطلة الصيفية.

وقد يكون من الممكن تعويض هذه الاتجاهات السلبية إلى حد ما من خلال الرغبة الأكثر تفاؤلاً لدى المسافرين للاستمتاع بأوقات جيدة حيث ستضع التوقعات السلبية والمخاوف التي يشعر بها الناس جانباً ويستمتعون قليلاً بالحياة في فترة العطلة الصيفية.

ورغم ذلك، توضح أن أزمة تكلفة المعيشة إشكالية كبرى لأن أسعار الوقود والغذاء ترتفع بسرعة أكبر من ارتفاع أسعار المواد الأخرى. هذا يعني أن الأشخاص الأكثر فقراً يرون تكاليفهم ترتفع بسرعة أكبر من المتوسط. كما أنه يؤثر على الأثرياء بدرجة أقل من المواطنين العاديين. وبالتالي كانت أزمة تكلفة المعيشة هي الشاغل الأول بين مواطني الاتحاد الأوروبي هذا العام.





المصدر


اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *