وبمقارنة الأسعار الحالية مع مستويات ما قبل تعويم 2016 في ظل سعر صرف الدولار آنذاك (في حدود 8.8 جنيه للدولار الواحد)، مع الأسعار الحالية في ظل سعر صرف الدولار في السوق الرسمية (دون الـ 31 جنيهاً للدولار)، فإن الأسعار الحالية تبدو قريبة نسبياً إلى ما كانت عليه (باحتساب القيمة بالدولار) قبل التعويم، وبالنظر إلى ارتفاع فاتورة دعم المواد البترولية.
قبل تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه) في الرابع من نوفمبر 2016 كانت أسعار البنزين على النحو التالي: (160قرشاً لتر بنزين 80 ، و260 قرشاً لتر بنزين 92، و 625 قرشاً لتر بنزين 95، و180 قرشاً لتر السولار). وكان السعر الرسمي للدولار عند 8.8 جنيه.
وفي اليوم الأول من التعويم (الذي تم تداول الدولار فيه بالبنوك صباحاً ما بين 13.5 و14.3 جنيه للبيع)، تم رفع أسعار المواد البترولية، على النحو التالي: (لتر بنزين 80 إلى 1.6 جنيه، ولتر بنزين 92 إلى 2.6 جنيه، ولتر السولار إلى 1.8 جنيه).
وبعد زيادات متتالية لأسعار الوقود بالجنيه المصري، وصلت في آخر تسعير قبيل أيام، إلى زيادة بنزين 80 بواقع 1.25 جنيه وبنزين 92 بقيمة 1.25 جنيه وبنزين 95 بجنيه واحد، وذلك إلى 10 جنيهات و11.50 و12.50 جنيه لكل لتر على التوالي. وظل سعر السولار ثابتاً عند 8.25 جنيه للتر.
وبمقارنة سعر بنزين 95 مع مستويات ما قبل تعويم 2016 والمستويات الحالية، فإن سعره بالدولار كان في حدود 0.71 دولار، وبلغ حالياً 0.4 دولار. بينما كان سعر بنزين 92 قبل التعويم 0.295 دولار، ويسجل حالياً 0.37 دولار. وبنزين 80 كان بحوالي 0.181 دولار، والآن بحدود 0.324 دولار، والسولار كان اللتر بـ 0.204 ويسجل حالياً 0.266 دولار.
وبحسب موازنة العام المالي 2023-2024، فإن قيمة الدعم المخصص من جانب الدولة المصرية للمواد البترولية تصل إلى 119.41 مليارجنيه ، وذلك مقابل 58 مليار جنيه في العام المالي السابق 2022-2023 (بزيادة نحو 61 مليار و325 مليون جنيه، بنسبة زيادة 105.6 بالمئة).
“تحدي للحكومة”
من جانبه، يشير الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- أسعار الوقود في مصر تمثل تحدياً للحكومة، في ظل الدعم الحكومي الكبير لتوفيره بأسعار أقل من التكلفة الفعلية المرتفعة.
- دعم الوقود في مصر من البنود ذات التكلفة المرتفعة بالموازنة العامة.
- سعر الوقود في مصر مازال في المستويات الدنيا، مقارنة بكثير من الدول والبلدان.
- السعر الحالي لا يعبر عن السعر الحقيقي، لأن الدولة تتحمل فارق التكلفة بين السعرين، وبما يضغط على الموازنة العامة، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وكذلك مع تراجع سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار، ومع اعتماد الدولة على استيراد جزء من احتياجات البنزين والسولار ومنتجات الزيوت من الخارج من أجل تلبية الطلب المحلي، وذلك بالسعر العالمي.
وبحسب تصريحات سابقة لوزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، فإن قرار تحريك أسعار المشتقات البترولية جاء في إطار مسار الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه الحكومة منذ عام 2016، وأن آلية التسعير التلقائي بشأن تحديد أسعار المحروقات تأتي بواقع 4 مرات سنوياً.
ويوضح الديب أن عديداً من الأحداث الدولية تسببت في ارتفاع أسعار النفط؛ من بينها قرارات الفيدرالي الأميركي والتوترات في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، علاوة على ارتدادات جائحة كورونا المستمرة وكذلك قرارات خفض الإنتاج الطوعي.
ويقول الباحث في الاقتصاد السياسي: “في تقديري، على الحكومة اللجوء الي إحلال الغاز الطبيعي، بدلاً من الوقود التقليدي للمصانع ووسائل النقل، من أجل تخفيف الضغط على السولار والبنزين”.
4 عوامل رئيسية
من جانبه، يقول مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن لجنة تسعير المنتجات البترولية تجتمع كل ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن هناك أربعة عوامل رئيسية مؤثرة في تحديد السعر، وهي كالتالي:
- الأسعار العالمية للنفط.
- أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصري.
- الظروف العالمية (خاصة الجيوسياسية) والمؤشرات الاقتصادية (خاصة التضخم).
- الدعم الحكومي للمنتجات البترولية.
فيما يخص الأسعار العالمية للنفط، فيشير إلى أنها تدور حالياً في إطار 86 دولاراً للبرميل بالنسبة لخام برنت، بينما الموازنة العامة للدولة حددت السعر عند 80 دولاراً، وبالتالي فإن الزيادة الفعلية عن ما هو مخطط له تبلغ 6 دولارات، وبنسبة زيادة في الأسعار بمقدار 7.5 بالمئة.
ويضيف: “يلاحظ ارتفاع النسبة المئوية للزيادة في بنزين 80 بالمقارنة بباقي الأنواع، ويرجع ذلك إلى أنه أكثر الأنواع دعماً، وبالتالي فهو بعيد بدرجة كبيرة عن الأسعار العالمية عكس باقي الأنواع والتي تتوافق نسبة الزيادة فيها مع نسبة الزيادة في الأسعار العالمية نسبياً”.
وفيما يتعلق بأسعار صرف الدولار أمام الجنيه، فنظراً لوجود فجوة دولارية كبيرة ووجود أكثر من سعر للدولار في السوق الموازية (السوداء)، الأمر الذي يزيد من تكلفة التدبير وبالتالي زيادة تكلفة المواد البترولية، وفق شعيب.
وفيما يتعلق بالظروف العالمية، يضيف: “على المستوى العالمي ثمة توترات جيوسياسية سواء فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا وكذلك التوترات في منطقة الشرق الأوسط (بين إسرائيل وفلسطين)، علاوة على تأثير حالة عدم اليقين بشأن استقرار أسعار السلع وخاصة السلع الاستراتيجية”.
بينما حول العامل الرابع من العوامل المؤثرة في تسعير الوقود بالبلاد، وهو الدعم الحكومي، يلفت مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية إلى أنه دعم الدولة للسلع البترولية بأكثر من 119 مليار جنيه، وبالتالي “لا تزال السلع البترولية تقدم بأسعار أقل من السعر العالمي”.
سعر النفط في الموازنة
ويشار إلى أنه بحسب الموازنة، فإن دعم البترول تم احتسابه على أساس متوسط سعر للبرميل يبلغ 80 دولاراً، وبما يعني أن كل زيادة في برميل النفط بدولار واحد “تدفع إلى تغيير حجم الدعم المخصص لذلك البند بحوالي 3-4 مليارات جنيه”.
وتضع منصة “غلوبال بترول برايس”، التي تنشر معلومات أكثر تنوعاً وموثوقية حول أسعار الطاقة بالتجزئة حول العالم بما في ذلك أسعار وقود السيارات وأسعار الكهرباء وأسعار الغاز الطبيعي وتتبع متوسط الأسعار الوطنية في 150 دولة حول العالم، أسعار البنزين في مصر ضمن قائمة الأرخص حول العالم.
الدعم الحكومي
وإلى ذلك، يقول استاذ الاستثمار والتمويل الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه بمقارنة أسعار البنزين مع الأسعار العالمية حالياً، فإن الأسعار في مصر لا تزال أقل من تلك المستويات، لا سيما في ظل الدعم الذي تقدمه الدولة للمواد البترولية، والذي تصل فاتورته إلى 119 مليار جنيه في موازنة العام المالي الجاري.
ويوضح أن الزيادات الأخيرة جاءت في خطٍ متوازٍ مع التغير في سعر الصرف (بالنظر إلى التقلبات التي تشهدها أسعار الدولار في السوق الموازية، والتي بلغ فيها الدولار مستويات من 45 إلى 47 جنيهاً تقريباً في الأيام الأخيرة)، جنباً إلى جنب وأسعار النفط العالمية (التي ارتفعت عن حد تقديرات الموازنة المصرية عند 80 دولاراً للبرميل).
لكنه يشير في الوقت نفسه إلى حرص القيادة السياسية في مصر على التخفيف من أعباء الزيادات عن المواطنين، وبالتالي فإنه تقرر -في الزيادات الأخيرة- الإبقاء على أسعار السولار، لأن ارتفاع السولار ينعكس على ارتفاع أسعار الشحن بين المحافظات، نظراً لزيادة كلفة شحن البضائع والسلع مع ارتفاع فاتورة الطاقة، وعليه ينعكس ذلك على أسعار تلك السلع للمواطن، فيما تم الاكتفاء بزيادة أسعار البنزين، والمتعلقة بالمواصلات والتنقلات بشكل مباشر.
وشهد الجنيه المصري خلال السنوات الأخيرة سلسلة من عمليات الخفض، وبما انعكس بشكل مباشر على الأسعار، وجاءت تحركات التعويم على النحو التالي:
- نوفمبر 2016: انخفض الجنيه من مستويات 8.88 جنيه دولار إلى مستويات 15.77 جنيه للدولار بتراجع 78 بالمئة.
- مارس 2022: انخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولا إلى مستويات 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25 بالمئة.
- أكتوبر 2022: انخفض الجنيه من مستويات 19.7 جنيه للدولار إلى مستويات 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 بالمئة
- يناير 2023: انخفض الجنيه من مستويات 24.7 جنيه للدولار إلى مستويات 32 جنيها للدولار بتراجع 30 بالمئة.
وتتبنى مصر خطة طموحة بالتعاون مع الشركاء العالميين حتى العام 2025 لحفر أكثر من 300 بئر استكشافي، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط، في وقت سابق عن وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا، والذي ذكر أن الصادرات البترولية في العام 2022 ارتفعت إلى 18.2 مليار دولار، فضلا عن تحقيق فائض في الميزان التجاري البترولي للعام الثالث على التوالي يصل لأكثر من 3 مليارات دولار.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.