- أماندا روغيري
- صحفية
مثل الكثيرين منا، أقضي الكثير من الوقت على هاتفي. ومثل الكثيرين منا، أدرك تماماً هذه الحقيقة، وغالباً ما أشعر بالذنب بسببها.
في بعض الأحيان، أترك الهاتف في الطرف الآخر من المنزل، أو أطفئه، لأستخدامه بشكل أقل. لكن في وقت أقرب مما أود أن أعترف، ينتهي بي الأمر بالسير في الردهة للقيام بشيء لا يمكنني القيام به إلا عبر الهاتف.
فإذا أردت أن أدفع فاتورة، فسألجأ إلى الهاتف، وإذا أردت ترتيب موعد لتناول القهوة مع صديق، فسأستخدم الهاتف، وإذا أردت مراسلة أفراد العائلة الذين يعيشون بعيداً، فسوف ألجأ أيضا إلى الهاتف.
وينطبق نفس الأمر أيضا على التحقق من الطقس، وتدوين فكرة قصة، والتقاط صورة أو مقطع فيديو، وإنشاء دفتر صور، والاستماع إلى بودكاست، وتحميل اتجاهات القيادة، وإجراء حساب سريع، وحتى لتشغيل الضوء؟ فلكي تفعل أي شيء من هذا سوف تستخدم الهاتف!
وتوصل تقرير حديث إلى أن البالغين في الولايات المتحدة يتفقدون هواتفهم، في المتوسط، 344 مرة في اليوم – مرة واحدة كل أربع دقائق – ويقضون حوالي ثلاث ساعات يومياً في المجمل على أجهزتهم.
تكمن المشكلة بالنسبة للكثيرين منا في أن مهمة واحدة سريعة متعلقة بالهاتف تؤدي إلى فحص سريع لبريدنا الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي، وفجأة نجد أنفسنا وقد جرى استهلاكنا بشكل لا يتوقف.
إنها حلقة مفرغة. فكلما أصبحت هواتفنا أكثر فائدة، زاد استخدامنا لها. وكلما استخدمناها أكثر، كلما وضعنا مسارات عصبية في أدمغتنا تؤدي إلى التقاط هواتفنا للقيام بأي مهمة في متناول اليد – وكلما شعرنا بالحاجة إلى فحص هاتفنا حتى عندما لا نكون مضطرين إلى ذلك.
وبغض النظر عن المخاوف بشأن جوانب محددة من عالمنا شديد الترابط – مثل وسائل التواصل الاجتماعي وفلاتر الجمال غير الواقعية الخاصة بها- ما الذي يفعله اعتمادنا على هذه الأجهزة بأدمغتنا؟ هل كل هذا سيئ بالنسبة لنا، أم أن هناك أيضاً بعض الإيجابيات؟
ما نعرفه هو أن الإلهاء البسيط المتمثل في فحص الهاتف أو رؤية إشعار يمكن أن تكون له عواقب سلبية، وهذا أمر ليس مفاجئا. نحن نعلم أن تعدد المهام بشكل عام يضعف الذاكرة والأداء. وأحد أخطر الأمثلة هو استخدام الهاتف أثناء القيادة. فقد وجدت إحدى الدراسات أن مجرد التحدث عبر الهاتف، وليس كتابة الرسائل النصية، كان كافياً لجعل رد فعل السائقين أبطأ على الطريق.
وهذا صحيح أيضا بالنسبة للمهام اليومية الأقل خطورة، فمجرد سماع صوت إشعارٍ جعل المشاركين في دراسة أخرى يؤدون أداء أسوأ بكثير في مهمة ما – تقريباً بنفس سوء المشاركين الذين كانوا يتحدثون أو يرسلون الرسائل النصية على الهاتف أثناء المهمة.
ولا تقتصر العواقب على استخدام الهاتف، فمجرد وجوده يمكن أن يؤثر على طريقة تفكيرنا.
في إحدى الدراسات الحديثة، على سبيل المثال، طلب الباحثون من المشاركين إما وضع هواتفهم بجانبهم بحيث تكون مرئية (على المكتب مثلاً)، أو بالقرب منهم وبعيدة عن الأنظار (في الحقيبة أو الجيب مثلا)، أو في غرفة أخرى. ثم أكمل المشاركون سلسلة من المهام لاختبار قدراتهم على معالجة المعلومات وتذكرها وحل المشكلات وتركيزهم.
وقد وجد هؤلاء أن أداءهم أفضل بكثير عندما كانت هواتفهم في غرفة أخرى بدلاً من غرفة قريبة – سواء كانت مرئية أو قيد التشغيل أم لا. كان هذا صحيحاً على الرغم من أن معظم المشاركين ادعوا أنهم لا يفكرون بشكل واعٍ في أجهزتهم.
ويبدو أن مجرد قرب الهاتف يساهم في “استنزاف الأدمغة”. قد تكون أدمغتنا تعمل بجد لا شعوريا في تثبيط الرغبة في التحقق من هواتفنا، أو مراقبة البيئة باستمرار لمعرفة ما إذا كان يجب علينا التحقق من هاتفنا (على سبيل المثال، في انتظار إشعار). في كلتا الحالتين، يمكن أن يؤدي تحويل الانتباه هذا إلى جعل القيام بأي شيء آخر أكثر صعوبة. ووجد الباحثون أن “الحل” الوحيد هو وضع الجهاز في غرفة مختلفة تماماً.
هذا (بعض) الجانب السيئ من الأمر. لكن – كما وجد الباحثون مؤخراً – قد تكون هناك بعض الجوانب الإيجابية لاعتمادنا على أجهزتنا أيضا.
على سبيل المثال، من المعتقد أن الاعتماد على هواتفنا يدمر قدرتنا على التذكر. لكن قد لا يكون الأمر بهذه البساطة. في إحدى الدراسات الحديثة، عرض على المتطوعين شاشة ذات دوائر مرقمة كان عليهم سحبها إلى جانب أو آخر. وكلما زاد الرقم الموجود في الدائرة، زاد أجر المتطوع مقابل نقله إلى الجانب الصحيح. بالنسبة لنصف الاختبارات، سمح للمشاركين بملاحظة الدوائر التي يجب أن تسير في أي اتجاه على الشاشة. وبالنسبة للنصف الآخر، كان عليهم الاعتماد على الذاكرة وحدها.
مما لا يثير الدهشة أن القدرة على الوصول إلى التذكيرات الرقمية ساعدت في أدائهم. تريدون ما يثير الدهشة أكثر؟ عندما استخدموا هذه التذكيرات، لم تكن الدوائر (عالية القيمة) التي دوّنها المشاركون فقط هي التي تذكروها بشكل أفضل – بل كانت دوائر (منخفضة القيمة) لم يكتبوها أيضاً. ويعتقد الباحثون أنه بعدما عهدوا بأهمّ المعلومات (عالية القيمة) إلى جهاز ما، تحررت ذكريات المشاركين لتخزين المعلومات منخفضة القيمة.
لكن عندما لم يعد بإمكانهم الوصول إلى التذكيرات، استمرت الذكريات التي صنعوها حول الدوائر منخفضة القيمة – لكنهم لم يتمكنوا من تذكر الدوائر ذات القيمة الأعلى.
سيستغرق الأمر سنوات عديدة أخرى من البحث قبل أن نعرف بالضبط ما يفعله اعتمادنا على أجهزتنا بقوة إرادتنا وبإدراكنا على المدى الطويل. في غضون ذلك، هناك طريقة أخرى يمكننا من خلالها محاولة التخفيف من الآثار السيئة للأجهزة. يتعلق الأمر بكيفية تفكيرنا بشأن أدمغتنا.
وكما كتب زميلي السابق ديفيد روبسون في كتابه “تأثير التوقع”، فإن الأبحاث الحديثة قد شككت في الاعتقاد القائل بأننا إذا مارسنا قوة إرادتنا بطريقة واحدة (على سبيل المثال، مقاومة فحص هاتفنا من دون وعي)، فإننا “نستنفد” احتياطياتنا الإجمالية ونجعل التركيز على مهمة أخرى أكثر صعوبة إلى حد كبير. هذا يمكن أن يكون صحيحا. لكنه يشير إلى أن الأمر يعتمد إلى حد كبير على معتقداتنا.
والأمر الأكثر إثارة للذهول هو أن اعتقاداتنا بأنه لدينا رؤية محدودة أو غير محدودة للدماغ، قد يكون ثقافياً إلى حد كبير – الدول الغربية مثل الولايات المتحدة قد تكون أكثر عرضة للاعتقاد بأن العقل محدود مقارنة بالثقافات الأخرى، مثل الهند.
ما الذي أتعلمهمن هذا؟ لتقليل الوصول الطائش إلى هاتفي، سأستمر في التدرب على تركه في غرفة أخرى. لكنني سأذكر نفسي أيضاً بأن عقلي لديه موارد أكثر مما أعتقد، وأنه في كل مرة أقاوم فيها إغراء التحقق من هاتفي، أضع مسارات عصبية جديدة من شأنها أن تجعل من الأسهل مقاومة هذا الإغراء، وربما إغراءات أخرى أيضاً، في المستقبل.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.