النقابات الفرنسية على مفترق طرق وترقب لقرار المجلس الدستوري غداً
العنف بلغ أمس مستويات غير مسبوقة و406 جرحى في صفوف القوى الأمنية
الثلاثاء – 12 شوال 1444 هـ – 02 مايو 2023 مـ
مظاهرات في فرنسا (د.ب.أ)
باريس: ميشال أبونجم
مرة أخرى، وفرت مظاهرات الأول من مايو (أيار) في فرنسا الفرصة للمجموعات اليسارية المتطرفة وعلى رأسها مجموعة «بلاك بلوك» التي تسمى كذلك بسبب ارتداء أفرادها اللباس الأسود، للقيام بأعمال شغب ومهاجمة رجال الأمن وإشعال الحرائق والتعرض للمحلات التجارية وبعض المؤسسات المالية.
وككل مرة، صادرت هذه الأعمال، التي ردت عليها قوات الأمن باستخدام القنابل الصوتية وخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، اهتمام وسائل الإعلام، خصوصا القنوات الإخبارية التي كانت تنقل صور الحرائق مباشرة من عدة مدن، أبرزها رين وتولوز وليون، وكذلك العاصمة باريس.
وفي المحصلة، فإن المجموعات العنيفة التي من بين أفرادها أشخاص جاءوا من عدة دول أوروبية، شوشت على المظاهرات الجرارة وعلى المطلب الرئيس الذي رفعته، وهو المطالبة بالتراجع عن قانون تعديل نظام التقاعد الذي أثار موجة تعبئة رافضة ما زالت قوية للغاية.
والدليل على ذلك أن الاتحاد العمالي العام أكد مشاركة 2.3 مليون شخص فيها، بينما أفادت وزارة الداخلية بأنها استقطبت حوالي 800 ألف شخص. ولا شك أن الرقم الحقيقي يقع بين الرقمين السابقين، إذ درجت النقابات على تضخيم الأرقام، بينما وزارة الداخلية تعمد إلى خفضها للدلالة على أنها لا تلقى دعما شعبيا.
واليوم، قال وزير الداخلية جيرالد دارمانان للقناة الإخبارية «بي أف أم» إن القوى الأمنية أوقفت 540 شخصا، وهو عدد مرتفع. والعدد المرتفع الآخر ما كشفه الوزير نفسه عن محصلة جديدة تتناول جرحى رجال الشرطة والدرك، إذ بلغت 406 إصابات، بينها 259 إصابة في باريس وحدها.
وأفاد دارمانان بأن ثلاثة من رجال الأمن يعانون «من أوضاع بالغة الخطورة» وأن أحدهم أصيب بقنبلة كوكتيل مولوتوف ألقيت عليه، مطالبا بإنزال أقصى العقوبات بحق مرتكبي أعمال العنف.
بالمقابل، فإن 61 متظاهرا أصيبوا بجروح، نصفهم في باريس، وأحدهم جروحه خطرة.
أبعد من الجدل الحسابي، يبدو واضحا أن مظاهرات أمس عكست المزاج الشعبي الذي ما زال رافضا لقانون التقاعد الجديد رغم مروره في البرلمان وإصداره من جانب رئاسة الجمهورية وبدء نشر المراسيم التنفيذية له.
ومن بين النقابات الـ12 التي بقيت متماسكة منذ أربعة أشهر، ثمة ثلاث أكدت عزمها على تلبية دعوة بورن للبحث في ظروف العمل والرواتب والمدارس المهنية وتشغيل من تقدم في السن، نظرا لأن قانون القانون الجديد يرفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما.
ومن بين الثلاث نقابة رئيسية، هي الكونفدرالية الديمقراطية للعمل، التي تتميز عادة بمواقف معتدلة ومنفتحة على الحوار، وقد أعلن أمينها العام لوران بيرجيه أن نقابته «مستعدة» للمشاركة في الحوار مع رئيسة الحكومة.
بالمقابل، فإن الاتحاد العمالي العام ونقابة «القوة العمالية» يبدوان الأكثر تشددا في التعاطي مع الرغبة الحكومية.
ثمة استحقاقان رئيسيان سيكون لهما تأثير مباشر على الحراك النقابي: الأول، موعده غدا الأربعاء، إذ من المنتظر أن يعطي المجلس الدستوري رأيه في طلب إجراء «استفتاء بمبادرة مشتركة» نيابية وشعبية للرجوع عن القانون الجديد.
والثاني، سيحل في 8 يونيو (حزيران)، إذ سينظر البرلمان في اقتراح قانون قدمته مجموعة من النواب يقضي بالتراجع عن التعديل الأساسي الذي جاء به القانون الأخير، أي سن التقاعد.
وفي الحالة الأولى، سيعد قرار إيجابي من المجلس الدستوري بالسماح بإجراء استفتاء بمثابة انتصار للنقابات والأحزاب الرافضة للتعديل. وفي الحالة الثانية، سيبين تصويت إيجابي على اقتراح القانون المقدم هشاشة موقف الحكومة التي لا تتمتع بالأكثرية المطلقة في مجلس النواب.
وتجدر الإشارة إلى أن إليزابيت بورن نجت من السقوط في البرلمان بفارق تسعة أصوات فقط، وكانت ستسقط حكما لو لم توفر لها مجموعة من نواب حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الأصوات اللازمة لتنجو من السقوط.
بناء على ما سبق، يبدو أن الهدوء لن يعود إلى شوارع وساحات المدن الفرنسية بسحر ساحر. ومنذ الأسبوع الماضي، حذرت تقارير أمنية مما قد يحدث غدا بعد صدور قرار المجلس الدستوري، أكان لجهة السماح بالاستفتاء أو رفضه على غرار قراره في 14 أبريل (نيسان) الماضي بشأن طلب سابق مماثل.
وكان رفض المجلس وقتها قد أثار موجة احتجاجية واسعة، وقد عدّ وقتها أحد الأسباب التي زادت حدة اللجوء إلى العنف في المظاهرات المتلاحقة منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي.
هكذا، تجد النقابات نفسها على مفترق طرق. فمن جهة، يرى بعضها، مدعوما من الأحزاب اليسارية والخضر، أن وقف الحراك اليوم سيعد تخليا عن التضحيات التي قدمها المتظاهرون وسيعد هزيمة لها، خصوصا أن زخم الحراك ما زال قائما، والدليل على ذلك مئات الآلاف من المواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع للمرة الثالثة منذ أربعة أشهر وهم لا يريدون تمكين الرئيس ماكرن من القول إنه نجح في احتواء الرفض، لا، بل والتغلب عليه.
ومن الجانب الآخر، ثمة من يتساءل عن «الجدوى» من استمرار الحراك إلى ما لا نهاية. والمرجح أن الحل الوسط سيكون انتظار ما سيفضي إليهما الاستحقاقان الأول والثاني، وبعدها لكل حادث حديث.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.