وتبين آخر الدراسات أن حوالي 20 بالمئة من الأطفال والمراهقين يعانون من اضطراب القلق، كما تشكل الأمراض النفسية لدى الكهول 98 بالمئة من أسباب الإجازات الطويلة في القطاع الحكومي.
وتوضح أيضا مؤشرات صادرة عن منظمة الصحة العالمية أن نسبة الإقبال على الحبوب المهدئة في تونس بلغت 15 بالمئة.
إخفاء المرض النفسي خوفا من المجتمع
وأوضح الدكتور في علم النفس، وحيد مالكي، أن الطلب على العلاج النفسي زاد، خلال الفترة الماضية، في تونس بسبب التغيرات التي عاشتها البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبسبب فيروس كورونا، الذي هز المجتمع.
وقال المالكي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الحديث عن الطب النفسي أصبح أكثر سهولة رغم أن البعض ما يزال يخفي مرضه النفسي خوفا من الرفض المجتمعي، في حين يرفض البعض الآخر العلاج خوفا من إدمان الأدوية.
وأكد أن حاملي الأمراض النفسية بإمكانهم أن يتعالجوا ويشفوا تماما باستثناء بعض الاضطرابات المزمنة، التي تحتاج إلى العلاج المتواصل والتعايش معها، مشيرا إلى أن الوضع الصحي للأشخاص المضطربين نفسيا، الذين يخضعون للعلاج، أفضل بكثير من رافضي بروتوكول العلاج، الذي يشمل في الغالب العلاج الدوائي وتحسين ظروف عيش الشخص.
نوبات هلع وقلق واكتئاب
من جهتها، قالت الأخصائية النفسية، سيرين بكار، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن تأثيرات الاضطرابات النفسية تتجاوز ما تخلفه لدى الفرد من علامات جسدية وسلوكية إلى التأثير في المجتمع والرفع من نسب ظواهر اجتماعية مختلفة، مثل التسرب المدرسي والإدمان والهجرة غير الشرعية وارتفاع معدلات العنف، مضيفة “رغم أن المرض النفسي لا يبرر السلوك المنحرف إلا أن التشخيص الطبي غالبا ما يبين هشاشة نفسية لدى أغلب المنحرفين والمدمنين ليصنفوا ضمن الشخصيات التي تختار الهروب من الواقع بدل مواجهة المشاكل والبحث عن حلول لها”.
وتؤكد أن أغلب الأمراض النفسية المنتشرة في تونس تتعلق باضطرابات القلق النفسي والاكتئاب ونوبات الهلع، وهي حالات تحتاج إلى تشخيص دقيق للأمراض النفسية، بعيدا عن التداوي الذاتي بمضادات القلق أو اللجوء إلى “مدربي الحياة”.
سر المرض النفسي
وتعمل الأخصائية النفسية سيرين بكار ضمن فريق الخبراء في مركز نداء للصحة النفسية “احكيلي”، الذي يقدم الاستشارة النفسية للمئات يوميا عبر الهاتف. وتؤكد أن أغلب الاستشارات تتعلق بتجاوز الأزمات والتعامل مع الأطفال والمراهقين والتأقلم داخل بيئة العمل وتجاوز القلق النفسي، حيث يبدي طالبو الخدمات النفسية ارتياحا لأنهم غير مجبرين على كشف هوياتهم للحصول على التوجيه والدعم النفسي.
وتحدثنا السيدة مريم، 37 عاما: “نعم أخفي عن عائلتي أنني ألجأ لأخصائي نفسي وأتناول بعض مضادات الاكتئاب خوفا من أن لا يحفظوا السر وأتعرض للوصم الاجتماعي في عملي وأمام أقاربي. لقد بدأت رحلة العلاج منذ عامين بعد وفاة والدي ويطلب مني طبيبي التخلي عن الأدوية بشكل تدريجي خوفا من انتكاسة وضعي النفسي”.
من جهته، يؤكد ماجد (42 عاما) أن كلفة العلاج النفسي مرتفعة جدا لا تقدر عليها إلا الطبقة الثرية، ويقول: “لقد ضحيت بالكثير من أجل علاج ابني المراهق من الإدمان فالجلسات مكلفة وكذلك الدواء والمتابعة”.
أما سندة (26 عاما) فذكرت أنها تتعالج من اضطراب ثنائي القطب وتستقر حالتها مع العلاج الدوائي حتى تعيش حياة عادية وهادئة، قبل أن تتفاجأ بردة فعل خطيبها عندما علم بمرضها، وتقول: “رفض خطيبي إتمام الزواج وأبدى تخوفه من تعكر حالتي بعد الزواج ومن انتقال المرض بالوراثة لأطفالي.. لقد آلمني الأمر جدا وندمت لأنني أخبرته”.
تجدر الإشارة إلى أن كلفة العلاج النفسي في القطاع الخاص بتونس تعد مرتفعة مقارنة بالمستوى المعيشي، فيما يوفر القطاع العام العيادات النفسية في مستشفى حكومي وحيد متخصص في الأمراض العقلية والعصبية والنفسية، هو مستشفى الرازي بالعاصمة تونس، ووحدات للعلاج النفسي داخل المستشفيات الجامعية.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.