من جديد تثير قضية الطفل شنودة الرأي العام في مصر بعد إصدار الأزهر فتوى رسمية تؤكد أن ديانة الطفل مجهول النسب تصبح على دين من وجده، وبالتالي يجب أن تعود ديانة الطفل شنودة إلى المسيحية كما كانت من قبل وهي نفس ديانة والده فاروق فوزي وزوجته آمال ميخائيل اللذين وجداه منذ ما يقرب من 5 أعوام داخل كنيسة بشمال القاهرة بحسب زعمهما.
وما أن انتشرت فتوى الأزهر على منصات التواصل الاجتماعي حتى اشتعلت هذه المنصات بآراء متضاربة حول كيفية تحديد ديانة الطفل ومدى قانونية موقف والديه، وسط تعاطف بعضهم مع الوالدين واتهام آخرين لهما بعدم قانونية ما قاما به بل وصل الأمر إلى تجريم ما فعلاه مع الطفل.
وتفتح قضية الطفل شنودة ملفا شائكا حول قضية التبني وتغيير الديانة في مصر وهي قضية لطالما أثارت الجدل حولها.
ما القصة؟
أثارت قصة الطفل شنودة الرأي العام في مصر منذ شهور بعد أن عثر عليه داخل كنيسة وهو طفل وترعرع على يد عائلة قبطية، ولكن بعد أربع سنوات وُضع في دار للأيتام وفقا للنظام الحالي في مصر ، إذ يعتبر القانون المصري أي طفل لأبوين مجهولين “مسلما طبيعيا”.
و بدأت القصة عندما وجد الزوجان المسيحيان الطفل عند باب كنيسة “العذراء أم النور” بشمال القاهرة – بحسب زعمهما- في سن الأيام ، وقررا تبنيه بعد استشارة المهتمين بالكنيسة ، إذ لم يكن لديهما أطفال.
وأطلق الزوجان على الطفلة اسم “شنودة فاروق فوزي” ، وعاشا معه كعائلة واحدة مدة أربع سنوات، قبل أن تقدم ابنة أخت الزوج شكوى إلى مكتب المدعي العام للطعن في نسب الطفل إلى الأسرة الحاضنة، إذ قالت إن الطفل اختطفه الزوجان وليس ابنهما.
وبعد أن خضع الزوجان والطفل لتحليل الحمض النووي ، وثبت بالفعل أنه غير مرتبط بهما بيولوجياً ، قرر مكتب المدعي العام المصري وضعه في دار للأيتام باعتباره “غير مؤهل “وتغيير اسمه إلى”يوسف”. ولم يتخذ الادعاء أي إجراء ضد الزوجين .
وبحسب والدة الطفل فإنها سجلت الطفل باسم زوجها واسمها في شهادة ميلاد رسمية، بعد أن ذكرت أنه ابنها، مضيفة أنها لا تدري أنها خالفت أي قوانين، وقالت “أنا أعرف فقط أني ربيت الطفل لأربع سنوات في أحضاني بكل الحب
إيداع شنودة في إحدى دور الرعاية
ووضعت السلطات المصرية يدها على الطفل بحكم قضائي صدر منذ عام، وأودعته أحد دور الرعاية، وذلك بعد عدم الاستدلال على أهله، وأصدرت شهادة ميلاد جديدة باسم رباعي جديد وهو يوسف، ودين جديد وهو الإسلام .
وكان المحامي نجيب جبرائيل وهو محامي السيدة آمال قال لبي بي سي، إن الإجراء الذي اتخذته السلطات المصرية ليس صحيحا، لأن من يُعثر عليه في دار عبادة “ذمية” يصبح مسيحياً بالتبعية وأوضح أن فقهاء المسلمين قالوا بذلك، مضيفا بأنه تقدم بطعن على قرار السلطات بنزع الطفل من هذه الأسرة.
من جهته يقول هشام القاضي، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة إن الأطفال مجهولي النسب والذين يٌعثر في أي مكان، يُودَعون بدار للرعاية، وطبقاً للقانون يصبحون مسلمين، وكانت الكنيسة تتيح التبني للأسر المسيحية قبل أن يغير البابا شنودة، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية السابق، اللوائح لتنضوي تحت قانون الأحوال الشخصية المصري في عام 2008.
حكم المحكمة الإدارية
بعد ستة أشهر من المداولات، قضت محكمة القضاء الإداري في مصر، إلى إعلان عدم اختصاصها بنظر القضية المعروفة إعلامياً باسم “قضية الطفل شنودة” وذلك بعد جلسات دامت ما يزيد عن 6 أشهر استمعت فيها إلى أطراف القضية وعلى رأسها أسرة الطفل بالتبني.
الأزهر يدخل على خط الأزمة
لم يتدخل الأزهر بشكل مباشر في القضية ولكنه نشر عبر صفحته الرسمية لمركز الفتاوى إجابة على سؤال للاستفسار عن ديانة الطفل الذي عثر عليه داخل إحدى الكنائس فكانت إجابة الأزهر إن ديانة الطفل لمن وجده ليحسم الجدل الفقهي حول ديانة الأطفال مجهولي النسب دون أن يذكر تحديداً الطفل شنودة.
اشتعال مواقع التواصل
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات المغردين الداعين إلى عودة الطفل شنودة إلى أبويه، فقاد سيمون سامي حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي لدعم والدي الطفل شنودة داعياً إلي عودة الطفل لوالديه اللذين أشرفا على تربيته مدة 4 أعوام.
كما طالب مغردون بالنظر إلى الطفل بعين الرأفة.
حمدي اعتبر أن الأضرار التي وقعت على الطفل لو تحول إلى الإسلام ستكون أكبر من منافع بقاءه على ديانته الأول.
فيما شكك بعض المغردين بشهادة السيدة التي قدمت البلاغ وهي قريبة الوالدين المتبنين للطفل شنودة متسائلين عن سبب تقدمها بإبلاغ الآن بعد خمسة أعوام تقريبا من ولادة الطفل؟
فيما عارض مغردون عودة الطفل شنودة لعائلته مؤكدين أنها لم تتخذ الخطوات القانونية منذ البداية في إجراءات التبني، فكتب مغرد أنه لا يصح أن تتبنى عائلة ما أي طفل لمجرد إنها وجدته يجب تسليمه للشرطة ثم البدء في اتخاذ الخطوات القانونية.
وبرر عماد الأثري تأييد بعضهم لعدم عودة الطفل لأبويه زاعما أنه إذا ولد الطفل مجهول النسب يكون بالفطرة مسلماً فيما لا يجوز تبنيه لأسرة غير مسلمة من الأساس.
وقال رودي إن المشكلة القضائية مع عائلة الطفل هي تزويرهم لأوراق نسبه التي تشير إلى أنه ابنهما بالفعل وليس بالتبني.
واستنكر سام ما حدث مؤكداً أنه لا توجد دولة في العالم يمكن فيها نسب أطفال لعائلة دون أي سند قانوني .
فريق ثالث
فريق ثالث فكر في مستقبل الطفل الصغير عندما يصير شاباً ويعرف تفاصيل ما حدث له وهو صغير.
هاني إسحاق تمنى أن يجد الطفل أهله أياً ما كانت ديانتهم وأن يعاقب كل مخطئ تسبب في أذى هذا الطفل .
التبني في مصر
يحدد القانون في مصر إطارات أخذ الأطفال مجهولي النسب من دور الرعاية، فالقانون يحدد الأمر على أنه كفالة طفل يتيم وليس تبنيا، طبقا للشريعة الإسلامية التي يستند عليها الدستور المصري، وليس في مقدور الأسرة التي تضم إليها طفل، أن تكتبه باسمها، وهناك إجراءات حاكمة تضعها وزارة التضامن لصلاحية الكفالة بالنسبة لأي أسرة.
وتراعي وزارة التضامن الاجتماعي أن يكون الوضع الأسري مناسبا للكفالة، فليس في مقدور رجل أو امرأة يعيشان بمفردهما أن يكفلا طفلاً، كما يتم البحث عن تاريخ وسمعة الأسرة التي تتقدم للكفالة، ويتم عمل متابعة ميدانية للأطفال المكفولين.
التبني عند المسيحيين
التبني بمفهومه الواسع بنسب الطفل إلى اسم أسرة بديلة، لا مشكلة فيه لدى المسيحيين وكان معمولاً به حتى سبعينيات القرن الماضي، وفقاً للائحة 1838 الخاصة بتنظيم قوانين الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس.
وقد أجازت أحد بنود اللائحة التبني، وفق شروط وصفها المسيحيون بالتعجيزية، إلا أن الدولة المصرية ظلت تبيحه حتى عام 1996 عندما صدر قانون الطفل رقم 12 الذي حظر التبني بشكل تام.
وكانت مسألة التبني بين الكنائس المسيحية تقابل بآراء مُختلفة، رغم أن دستور عام 2014، المعمول به حاليا، ينص على احتكام المسيحيين لشرائعهم.
فقد تقدمّت الكنيسة الإنجيلية وحدها بفصل كامل عن التبني والمواريث في لائحة قانون الأحوال الشخصية الموحد، فيما اتبعت الكنيسة الكاثوليكية نفس توجه الأرثوذكسية، ولم تدرج التبني في مقترحاتها، لمخالفته النظام العام للدولة.
في نهاية عام 2014 قدمت الكنائس الثلاث مقترحاً بمشروع قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين، إلى وزارة العدالة الانتقالية، وقامت الوزارة بإعداد المسودة النهائية للمشروع، وأرسلتها إلى الكنائس مجدداً لإبداء الرأي فيها، لكن المسودة النهائية خلت من باب كامل يخص تنظيم حق التبني.
في ذلك الوقت لم تعترض الكنيسة الأرثوذكسية على حذف المادة الخاصة بالتبني، “لعدم رغبة الكنيسة في الاصطدام بالدستور”، وأكدت الكنائس وقتها أنها “ترحب باستقرار الدولة، على حساب مصالحها، وستترك ما يتعلق بالقوانين المدنية للدولة”.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.