ومع إطالة أمد الصراع وغياب النظام التعليمي، فكر الأهالي خاصة في الولايات المستقرة نسبياً مثل الجزيرة وسنار وكسلا والقضارف في تأسيس خلاوي لتحفيظ القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والفقهية لأبنائهم، في محاولة لملء الفراغ وخلق بيئة تعليمية وتربوية بديلة.
ولم تغب الخلاوي كلياً عن المشهد السوداني، ولكن تراجع الاهتمام بها خلال العقود الماضية، وذلك عقب التوسع الكبير في المؤسسات التعليمية الرسمية، وتحول رغبة العائلات نحو العلم الحديث.
وتُقام الخلاوي على ساحات مجاورة للمساجد أو وسط الحي السكني وتسمى أيضاً بـ”المسيد”، إذ يجلس الطلاب على الأرض في شكل دائري “حلقة” تتوسطهم نار مشتعلة لغرض الإضاءة ليلاً وتعرف محلياً بـ”التقابة”، يقوم الدارسون بالكتابة على ألواح خشبية مع أقلام وأحبار بدائية تسمى بـ”دواية”.
انتشار واسع
ويقول صلاح سليمان وهو والد ثلاثة طلاب من ولاية سنار وسط البلاد: “أغلقت المدارس بشكل كامل وأصبح أبناءنا بلا نشاط يقضون طوال الوقت في اللعب في الشوارع وما يترتب على ذلك من مخاطر، لذلك قمنا بتأسيس خلوة بمسجد الحي وتكرم أحد المشايخ بتولي إدارتها وتعليم أطفالنا القرآن والعلوم الإسلامية خلال الفترة الصباحية”.
ويضيف سليمان في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” “كان هدفنا ملء فراغ أبناءنا والمحافظة على مستوياتهم الأكاديمية، لأننا نخشى أن ينسوا كل ما تعلموه في المراحل الدراسية مع مرور الوقت. نتمنى أن تنتهي هذه الحرب ويعم الاستقرار بلادنا”.
ورغم حالة الاضطراب الأمني في إقليم كردفان غربي السودان، قام السكان في عدة مناطق بتأسيس خلاوي لتعليم الأطفال القرآن الكريم والعلوم الإسلامية المختلفة، وذلك وفق أحد مواطني الإقليم.
ويشير أحمد حسن إلى أن “الطلاب الأكبر سناً تمت الاستعانة بهم في عمليات الزارعة حيث تزامنت العطلة الاجبارية من الدراسة مع فصل الخريف، ولم يكن هناك خيار غير أن يتوجه الأطفال نحو الخلاوي لقضاء وقتهم وحمايتهم”.
وفي ولاية كسلا شرقي السودان، توجد خلاوي تاريخية كبرى قائمة وظلت تعمل باستمرار في تعليم القرآن، ولكن بعد اندلاع الحرب واغلاق المدارس اكتسبت مزيد من الطلبة، وفق ما نقله شهود لموقع “سكاي نيوز عربية”.
تحولت المدارس والمرافق التعليمية في 10 ولايات سودانية مستقرة الى مراكز لإيواء النازحين من نيران الحرب في العاصمة الخرطوم والأقاليم الأخرى، وهو ما حدا بوزارة التربية والتعليم بتعطيل الدراسة في كل ربوع البلاد الى أجل غير مسمى.
مردود ايجابي
ويرى الخبير التربوي في السودان الهادي سيد في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن عودة الخلاوي سيكون له مردود إيجابي كبير على التلاميذ في ظل غياب المدارس ويرصد عدة نقاط:
- منذ القدم كان للخلاوي دور كبير في التربية والتنشئة والنبوغ، فغالبية الشعراء والادباء والمفكرين في السودان والوطن العربي هم من حفظة القرآن.
- سوف تخلق انقلاب تربوي وروحي لدى التلاميذ بعد التراجع الملحوظ في عمليات التنشئة الاجتماعية نتيجة لأمواج الحداثة والعولمة.
- ستقود الى تحسن كبير في المستوى اللغوي المتدني للطلاب من خلال حفظ القرآن الكريم.
- غياب الخلاوي خلال العقود الماضية ساهم في فقدان التلاميذ حقلة تعليمية مهمة كان لها اسهام في تقوية لغتهم وتنشئتهم بالصورة المثلى.
- ستملأ الفراغ الكبير الذي خلفه الاغلاق الكامل للمدارس والذي كان بمثابة كارثة أكاديمية وتربوية جراء الحرب.
وبخلاف الرؤية المتفائلة، ثمة من ينظرون بتوجس الى العودة الواسعة لنشاط الخلاوي لما ينضوي على الأمر من مخاطر على سلامة الطلاب، استنادا الى تقارير سابقة توثق لانتهاكات وتعنيف على دارسي القرآن في بعض المناطق السودانية.
وعن ذلك تقول مدير مركز الارشاد النفسي بجامعة النيلين السودانية د. أسماء محمد جمعة لموقع “سكاي نيوز عربية”:
يجب أن تخضع الخلاوي للقيود والرقابة الرسمية حتى لو كانت أدنى سلطة في الولاية، أو المحلية لأن انتشارها بشكل عشوائي ربما يقود إلى نتائج سلبية على الطلاب.
يجب أن تقوم الخلاوي على طرق حديثة ومبتكرة بخلاف النمط التقليدي السائد، وإلى جانب القرآن الكريم يجب إضافة الرسم وانشطة أخرى مساعدة على الفهم والترفيه.
من المؤكد أن أي نشاط خاص بالأطفال سيساعدهم على تجاوز أي مصاعب نفسية خاصة تأثيرات الصراع المسلح، ولكن يجب أن يخضع لمراقبة السلوك.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.