- أميمة الشاذلي
- بي بي سي – القاهرة
في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن على أنه يخطط للترشح لولاية رئاسية ثانية، تشير أحدث استطلاعات للرأي، إلى أن نسبة الموافقة الإجمالية للشعب الأمريكي على سياساته بلغت 40 في المئة.
جاء ذلك وفق الاستطلاع الأخير الذي أجرته مؤسسة غالوب العالمية نهاية الشهر الماضي، والذي لم تختلف أرقامه كثيرًا عن الاستطلاع الذي أجرته بداية مارس/آذار، حول أدائه بشكل عام.
كما توضح الأرقام تدني تقييم الأمريكيين لأداء بايدن في تعامله مع ملفات البيئة والطاقة والشؤون الخارجية، بينما وافق 32 في المئة فقط من الأمريكيين على سياساته الاقتصادية، وهذه النسبة الضعيفة قد تعكس حالة من عدم رضا المواطنين على السياسات الحالية.
تكشف أرقام غالوب، المعنية بالاستشارات والتحليلات، أن نسبة الموافقة الإجمالية على بايدن لم تتجاوز 44 في المئة منذ أغسطس/آب 2021، أي خلال عامه الأول في منصبه.
ويرى توم حرب، مدير التحالف الأميركي شرق أوسطي للديموقراطية، أن الشعب الأمريكي يحمّل رئيسه مسؤولية الأزمة الاقتصادية الراهنة التي ألقت بظلالها على المواطن، لاسيما من ذوي الدخل المتوسط. كما أن المجتمع الأمريكي يراقب أيضا ما يحدث للنسيج الداخلي من مخاوف أمنية وعائلية.
إقبال ديمقراطي
جاءت الأرقام التي تدرس المزاج العام للشعب الأمريكي متناقضة مع الاستطلاع بخصوص موقف الحزب الديمقراطي، الذي وافق 87في المئة من أعضائه على بايدن.
وترى مروة مَزيَد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميريلاند الأمريكية، في حديثها لبي بي سي أن الإقبال الديمقراطي على بايدن يعود إلى سببين: أولهما أن أعضاء الحزب يرون أنه يسير إلى حد ما وفق أجندتهم التقدمية.
أما السبب الثاني فيرجع إلى ما شهدته الانتخابات النصفية من “فوز معقول” على عكس ما كان متوقعا، وهو ما يعني أن وجود بايدن “لم يكبدهم خسارة سياسة فادحة” تجعلهم يرفضونه.
وتقول المحللة السياسية إن بايدن بالنسبة للديمقراطيين ما هو إلا مُنفذ للأجندة الحزبية و “واجهة” مناسبة لكسب المعركة الانتخابية.
تأجيل الإعلان
على هامش الحفل السنوي الذي يقيمه البيت الأبيض بمناسبة عيد الفصح الاثنين الماضي، صرح بايدن لمحطة إن بي سي الأمريكية، بأنه ليس مستعدًا بعد لإصدار إعلان رسمي بشأن ترشحه للرئاسة، رغم عزمه بالفعل على ذلك.
وتشير أحدث التقارير إلى أن بايدن قد ينتظر حتى يوليو/تموز، لمنح حملته المزيد من الوقت لجمع التبرعات، قبل الاضطرار إلى الكشف عن الرقم علنا، والذي يُعد مؤشرا مهما على قوة حملته الانتخابية.
لكن ليلى الحسيني، الصحفية المقيمة في الولايات المتحدة ومؤسسة راديو “صوت العرب من أمريكا”، ترجع السبب إلى “أن شعبية بايدن اليوم لا تتجاوز 35 في المئة، وهو يرغب في إعلان ترشحه في وقت أفضل تكون فيه شعبيته قد تحسنت”.
أما المحللة السياسية مروة مزيد فترى أن الحزب الديمقراطي ربما ينتظر حتى اللحظة الأخيرة، التي قد تغير المعادلة، إذا خرج منها دونالد ترامب، الذي تقول إن الحزب يرى في بايدن المنافس الأقوى له، حال خوضه السباق الرئاسي العام المقبل، لاسيما في ضوء فوز بايدن في انتخابات 2020.
المنافسة الديمقراطية
حتى الآن، أعلن اثنان من الحزب الديمقراطي نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024، وهما: خبيرة المساعدة الذاتية ماريان ويليامسون، والناشط المناهض للقاحات روبرت كينيدي جونيور، ابن شقيق الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي.
ومع ذلك، يرى السياسيون أنه لم يظهر حتى الآن أي منافس قوي من الحزب الديمقراطي لتحدي بايدن، على الرغم من انخفاض شعبيته وفق استطلاعات الرأي.
لكن الحسيني تعتقد أن الوقت ما زال مبكرا للقول إن بايدن لن يحصل على منافسين من داخل حزبه، وإن كانت تستبعد حدوث ذلك إلا لو قرر بايدن عدم الترشح، عندها سيكون هناك أكثر من مرشح ديمقراطي، من بينهم تيم كين، وهو محامي وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي من فيرجينيا.
مخاوف صحية وعمرية
يعد بايدن أكبر رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، والذي إن نجح في إعادة انتخابه، فسيبلغ من العمر 86 عامًا بنهاية ولايته الرئاسية الثانية.
وقد أثار الكثير من المحللين والسياسيين مخاوف بشأن أن يكون الفائز في الانتخابات المقبلة رجل يتخطى الثمانين عاما، لاسيما بعدما كشف الرئيس الأميركي، جو بايدن، في شهر يوليو تموز العام الماضي عن إصابته بالسرطان، خلال خطاب ألقاه بشأن الاحتباس الحراري في ولاية ماساتشوستس الأميركية.
ورغم أن طبيب البيت الأبيض أكد في أوائل مارس/آذار إزالة أنسجة سرطانية جلدية كانت عبارة عن سرطان خلايا قاعدية، إلا أن المخاوف بشأن حالته الصحية في ظل عمره الثمانيني لم تهدأ.
فهناك عدد من الأصوات الديمقراطية الرافضة لبايدن ذي الثمانين عاما، والمنادية بالوجوه الشابة، إلا أن وجود ترامب في الصورة خلق حالة من “تقاطع المصالح” داخل الحزب، كانت كفيلة بتكتل أصوات أغلب الديمقراطيين حول بايدن، وفق الدكتور مروة التي ترى أن تجاهل عامل السن “ربما ليتغير” لو خرج ترامب من المشهد الرئاسي.
أما ليلى الحسيني فتعتقد أن عامل السن “لن يلعب دورا كبيرا في السباق الانتخابي، لأن منافسه الأكبر دونالد ترامب قد اقترب من الثمانين هو الآخر، ومنافس ترامب الجمهوري حاكم ولاية أركنسوس السابق إسا هاتشينسون متقدم في السن أيضا”.
وأضافت أنه لا يوجد على الساحة اليوم من الجيل الجديد إلا المرشحة الجمهورية السفيرة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هيلي، والتي تعتقد الحسيني أن فرصتها “ضئيلة” رغم أنها تعد شابة بالقياس بالمرشحين الآخرين.
أما توم حرب، مدير التحالف الأمريكي الشرق أوسطي للديموقراطية، فرغم تحفظه على سن بايدن، إلا أنه يفرّق بين السن وبين القدرة الاستيعابية والتنفيذية، التي يراها ضعيفة لدرجة أن منعته من فتح الباب أمام الأسئلة المباشرة من الشعب، كما لم يعقد مؤتمرا صحفيا يحوي أسئلة مفاجئة له، ولا يجيب إلا عن أسئلة معدة مسبقا.
ويضيف توم حرب أن بايدن يعاني صعوبات في قراءة ما هو مكتوب له مرتكبا العديد من الأخطاء، وهو ما يعطي انطباعا للرأي العام أن “قدرته العقلية ربما تنحدر يوما بعد يوم”، وهو ما ينبغي عليه أن يعيد النظر في ترشحه لمرة ثانية.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
يفضل البعض إعادة استخدام “الكارت” ذاته الذي كان سببا في الفوز باللعبة، وربما من هذا المنطلق يميل الحزب الديمقراطي إلى استخدام بايدن للفوز بالرئاسة، ما قد يضعنا أمام تكرار سيناريو 2020، ويبقى السؤال حول إمكانية تحقيق النتيجة ذاتها مع اختلاف المشهد السياسي.
ففي انتخابات 2020، لم يكن العالم قد شهد الحرب في أوكرانيا، التي مثلت تبعاتها ضربة للاقتصاد العالمي الذي كان يحاول التعافي من أزمة كوفيد 19. ويقول توم حرب إن الحرب الأوكرانية “غيرت وعدلت استراتيجيات جيوسياسية في أقل من سنتين”، منها على سبيل المثال الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية الصين التي استخدمت لصالحها “ضعف” الولايات المتحدة.
ووفق الأرقام، هناك 41 في المئة من الأمريكيين يوافقون على السياسات الخارجية لبايدن، كما يوافق 46% على تعامله مع الملف الأوكراني، بينما تنخفض هذه نسبة عن الـ40 في المئة بالنظر إلى العلاقات الأمريكية مع روسيا والصين.
وتعتقد ليلى الحسيني، العضو في الحزب الديمقراطي الأمريكي، أن فرص فوز بايدن قد تصبح كبيرة، إذا تمكن من الآن وحتى موعد الانتخابات من زيادة شعبيته الضئيلة اليوم عن طريق خطوات عدة.
فلكسب ثقة الأمريكيين، لابد أولا من أن يعمل بايدن على خفض التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، وإلغاء ديون الطلبة إلى جانب حماية الضمان الاجتماعي وإصلاح منظومة الهجرة والتعامل مع الجريمة.
وتعد هذه أهم العوامل التي باتت تؤرق الأمريكيين وتلقي بظلالها على حياتهم اليومية، والتي تقول الحسيني إنه إذا استطاع بايدن التعامل معها، قد تزيد من شعبيته وبالتالي قد تكون فرص فوزه كبيرة.
ومع ذلك، يرى توم حرب أن التراجع الأمريكي على صعيد إدارة الأزمة الداخلية والصعيد الدولي “يعطي الشعور للناخب الأمريكي بأن الإدارة فاشلة، وعلى الرئيس بايدن ألا يترشح، وإذا ترشح فإن نسبة فوزه ستكون ضئيلة، في ظل التغييرات الجذرية التي تحدث في الداخل الأمريكي”.
فهل سيعيد التاريخ نفسه لصالح الرئيس الأمريكي جو بايدن، أم أن الأيام والأشهر القادمة ستكسف عن مفاجآت غير متوقعة؟
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.