ومع حلول عيد الفطر، واصلت العملة اللبنانية تحسنها أمام الدولار الأميركي مسجلة مستوى 96 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد في السوق السوداء، مقارنة بمستوى 143 ألف ليرة للدولار الذي تم تسجيله في 21 مارس 2023، وذلك بعد أن تدخل مصرف لبنان المركزي كبائع للدولار في السوق عبر منصة “صيرفة” على سعر 87 ألف ليرة لبنانية للدولار، ما أشاع جواً من الارتياح العام في البلاد رغم تشكيك البعض، بعدم قدرة المركزي على الاستمرار بضخ الدولارات في السوق مع وصول احتياطياته بالعملة الأجنبية إلى مستويات متدنية، بلغت 9.3 مليارات دولار أميركي في نهاية مارس 2023.
غياب أجواء العيد
ورغم نجاح الإجراءات التي اتخذها مصرف لبنان في وضع حد للانهيار السريع لليرة اللبنانية، فإن مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، غابت عن أجواء البلاد هذا العام، باستثناء زحمة الوافدين من مغتربين لبنانيين وسياح عرب وأجانب لتمضية العيد في البلاد، حيث سجلت حركة القادمين عبر المطار نشاطاً ملحوظاً برز في حجوزات الفنادق ورحلات الطيران القادمة إلى لبنان في الأيام الأخيرة.
أرخص دولة سياحية في العالم
ويقول الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن زحمة الوافدين إلى لبنان خلال هذه الفترة، مردها إلى أن البلاد أصبحت من أرخص الدول السياحية في العالم، وذلك بسبب انهيار العملة اللبنانية وتداعيات الأزمة الاقتصادية، وهذا ما أدى إلى جعل أسعار مختلف الخدمات السياحية، أرخص بالنسبة لحاملي العملات الصعبة مثل الدولار الأميركي واليورو، مشيراً إلى أن تعرفة الغرفة الفندقية التي تبلغ نحو 300 دولار أميركي في مختلف دول العالم يمكن أن تتراوح في لبنان بين 70 و100 دولار أميركي.
حجوزات فندقية 70-80 في المئة
ويكشف بيروتي أن نسبة الحجوزات في المؤسسات الفندقية التي تمتد على طول الساحل اللبناني، تتراوح عشية عيد الفطر بين 70 و80 في المئة، بدعم من السياح الوافدين إلى لبنان، وعلى رأسهم السياح العراقيين والأوروبيين والأردنيين، مشيراً إلى أن هذا الأمر سينعكس إيجابا على مجمل مؤسسات القطاع السياحي في البلاد.
إيرادات نصف مليار دولار خلال العيد
وبحسب بيروتي فإن المطاعم في لبنان ستشهد حركة نشطة خلال فترة عيد الفطر، وذلك بعد أن عانت من تراجع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2023، متوقعاً أن يصل حجم الإيرادات التي سيحققها القطاع السياحي في لبنان خلال هذه الفترة إلى نحو نصف مليار دولار أميركي.
الوضع المالي للبلاد
ورغم الأجواء الإيجابية التي يعيشها القطاع السياحي في لبنان، فإن المستقبل المالي للبلاد يبدو غير واضح المعالم، خصوصاً أن الأيام والأشهر المقبلة ستحمل الكثير من الأحداث، المرتبطة بمسار الملاحقات القضائية اللبنانية والأجنبية، التي يتعرض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والعديد من رؤساء مجلس إدارات المصارف، إضافة إلى استحقاق انتخاب حاكم جديد للمصرف المركزي اللبناني، مع اقتراب انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة في يوليو 2023، منهياً بذلك عهداً استمر لمدة 30 عاما.
التوقعات بشأن سعر الصرف
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ما حصل لناحية سيطرة مصرف لبنان على انهيار العملة اللبنانية منذ أواخر مارس وحتى الوقت الراهن، كان نتيجة تمنٍّ من السلطات السياسية في البلاد على حاكم مصرف لبنان، التدخل لتمرير شهر رمضان وعيد الفطر، مشيراً إلى أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية قد يتجه بعد عيد الفطر إلى مزيد من الانضباط، بسبب التدخل القوي للحكومة وتأثيره على الاقتصاد، من خلال رفع رسوم كل شيء إضافة إلى رفع سعر الدولار الجمركي، وهذا ما سيؤدي إلى سحب السيولة بالليرة من السوق، حيث يترافق ذلك مع دولرة أجور القطاع العام وجزء من القطاع الخاص.
الملاحقات بحق أركان المصارف
وبحسب الخوري فإن انعكاسات الملاحقات القضائية الأجنبية، التي يتعرض لها أركان النظام المصرفي اللبناني على الوضع المالي في البلاد، سيكون له وجهان؛ الأول هو الاضطراب وعدم القدرة على توقع تداعيات ما سيحدث، حيث إن لبنان لا يملك أي آليات واضحة للتعامل مع أي اتهام مباشر، قد يتم توجيهه لحاكم مصرف لبنان أو حتى إصدار مذكرة دولية باعتقاله وما الذي يمكن أن تؤدي إليه من تداعيات، في حين أن الوجه الثاني هو إيجابي لكون هذه الملاحقات ستكون نقطة مضيئة على طريق الإصلاح من خلال المحاسبة.
ولفت الخوري إلى أن الحكومة اللبنانية بدأت تحضر نفسها لسيناريو إصدار القضاء الأوروبي مذكرة اعتقال بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولذلك بدأت في تسويق شخصية جديدة لتولي منصب حاكمية المصرف المركزي، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة في لبنان قد تحمل العديد من الأحداث المفاجئة وخاصة في شهر مايو المقبل.
اتفاق مع صندوق النقد لم يطبق
يذكر أن لبنان أعلن في أبريل من العام 2022 التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، يخوله الحصول على دعم مالي وفقاً لخطة إنقاذية وإصلاحية أقرتها الحكومة، وقامت على خمس ركائز، هي إعادة هيكلة القطاع المالي، تنفيذ إصلاحات مالية تضمن إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، تعزيز أطر الحوكمة ومكافحة الفساد ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إقامة نظام للنقد والصرف يتسم بالموثوقية والشفافية.
ولكن بعد مرور عام على توقيع هذا الاتفاق، لم يقم لبنان بأي إجراء إصلاحي يمهد حصوله على دعم صندوق النقد، كما فشل البرلمان في إقرار التعديلات التشريعية اللازمة ليصبح الاتفاق نافذاً، ما قد يطيح بجميع المساعي الإنقاذية.
اكتشاف المزيد من جريدة الحياة الإلكترونية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.